للوراثة السياسية في جزين نعمتها ونقمتها اللتان تحددهما سيرة الآباء وصداقاتهم وعداواتهم. المرشحون إبراهيم سمير عازار وأمين إدمون رزق وسليم أنطوان الخوري وعجاج جرجي حداد مرشحون في انتخابات 2018، عنهم وعن أبائهم. «ما ذنب إبراهيم عازار في أنه الابن الأوحد للنائب السابق سمير عازار؟». يردّ مؤيدو المرشح عن أحد المقعدين المارونيين، على الهجمة التي تطاول المحامي الشاب ليس في ما فعله منذ دخوله السياسة بعد هزيمة والده في انتخابات 2009. بل إن معظم الحملات التي تستهدفه، لا يذكر اسمه الأول فيها.
ابراهيم عازار

«نريد أن يبقى بيت عازار مقفلاً» يقول قيادي عوني في جزين. يقرّ بأن شخص إبراهيم «رايح بالطريق» في حياة والده عندما ترشح للانتخابات الفرعية عام 2016، وأخيراً مع ترشحه مجدداً مع أسامة سعد، مدعوماً من حزب الله وحركة أمل. برغم وفاة والده، لا يزال إبراهيم يدفع ثمن الصراع بين الرئيسين نبيه بري وميشال عون على جزين.

سليم الأول رئيس ماكينة سليم الثاني


في صيدا القديمة، لا يتولى سليم الخوري التعريف عن نفسه في جولاته الإنتخابية. يستبق كبار السن تعريف المرشح عن المقعد الكاثوليكي في دائرة صيدا جزين، عن تاريخ عائلته في البلد منذ مئة عام تماماً. عام 1918، تخرج جده لوالده سليم الخوري طبيباً من سويسرا. أقام في صيدا القديمة وافتتح عيادة في الشاكرية. لاحقاً، تولى إدارة مستشفى صيدا الحكومي. في الوقت الذي كان ناشطاً سياسياً واجتماعياً ومقرباً من إميل إده، شارك في لجنة وضع الدستور اللبناني عام 1922. في السنة ذاتها، أدرج الإحصاء السكاني قيوده في صيدا وليس في مسقط رأسه المحاربية (ساحل جزين). ذريته من بعده أبقت «نفوسها» صيداوية. نجله أنطوان ورث عنه الطب والعيادة والنشاط السياسي والاجتماعي. العيادة التي أحرقها القصف خلال الحرب الأهلية، نقلها الأخير إلى ساحة النجمة حيث لا تزال قائمة ويداوم فيها. لكنه نقل إقامته إلى منزل العائلة في المحاربية المشيد عام 1894.
جعجع منح المقعد لعجاج تكفيراً عن تفجير سيدة النجاة في زحلة!

في انتخابات عام 1996 النيابية، فاز أنطوان الخوري للمرة الأولى كمرشح منفرد عن المقعد الكاثوليكي في جزين. شعبيته الممتدة من جزين إلى صيدا، دفعت الرئيس نبيه بري إلى ضمه إلى لائحة التنمية والتحرير في انتخابات 2000 و2005. أما عام 2009، فقد طلب التيار الوطني الحر من الطبيب المعروف بخدماته ونزاهته وسمعته الطيبة، الانضام إلى لائحته بوجه لائحة بري. رفض التخلي عن بري الذي دعم نيابته لولايتين. وفاؤه أفقده مقعده إلى جانب سمير عازار. حينذاك، قرر الخوري ترك السياسة. نجله الأكبر سليم (لديه شقيق واحد) الذي كان في التاسعة والعشرين، اختار الاستمرار. الصيدلي انتسب إلى «الوطني الحر» عام 2010. إقامته الدائمة في المحاربية ونشاطه في الشأن العام في ساحل جزين وسيرة والده، كان السبب في صمود خيار اعتماده مرشح التيار الكاثوليكي، برغم ارتفاع أسهم رجل الأعمال جاد صوايا. «فاز الرصيد الإنساني والخدماتي ولم تفز الأموال» قال الخوري. لكن ما هي الثروة التي يحضرها للناس؟ لا ينزعج الخوري من لصقه بوالده إلى حدّ الذوبان أحياناً. «إذا كان والدي نزيهاً وخدوماً، أفتخر به» يقول. يحسد والده على الانتخابات في زمنه. «في 2018، أصبحت صعبة للغاية من إقناع الناخبين إلى التواصل الاجتماعي الافتراضي والمنافسة وتعدد التوجهات داخل البيت الواحد». بهدوء، يستمع الوالد إلى نجله. يكتفي بتوجيه نصيحة واحدة تصلح لكل قوانين الانتخابات وجولاتها: «هو ابن هذا البيت ليس السياسي، بل الإنساني. يعيش كما عشنا نحن في صيدا وجزين. يكون خادماً لكل الناس، ولا سيما التعبانين ولا نقول الفقراء. عيب».

ابن أبو عجاج


في الطريق إلى مدينة جزين، يلتف المارّة حكماً حول ساحة حفر على صخرة في وسطها: «ساحة أبو عجاج حداد». إنه رئيس بلدية روم لعقود وأحد أبرز شخصيات المنطقة في زمن الحرب الأهلية والوجود السوري والاحتلال الاسرائيلي على السواء. أما في «زمن الدولة»، فتوزعت صداقاته من الجيش إلى بري، وصولاً إلى الرئيس ميشال عون، قبل أن ترسو أخيراً في حضن القوات اللبنانية والكتائب. في زمن التحولات، كان نجله عجاج يسير يداً بيد مع والده «الريس»، حتى أصبح النسخة المحدثة له. عام 2005، بادر حداد الابن إلى دعم ماكينة التيار الوطني الحر في بعبدا بوجه القوات التي كانت جزءاً من التحالف الرباعي. خلافه مع العونيين لاحقاً ومع سواهم سابقاً، جعله يترشح في 2009 منفرداً، حاصداً أكثر من ستة آلاف صوت. تلك الأصوات، ينسبها البعض ليس إلى عجاج وحده، بل أولاً إلى والده ثم إلى عمه مطران زحلة الراحل أندريه حداد وإرثهما الخدماتي في الأزمان السابقة، ولا سيما في زمن السوريين والاحتلال الإسرائيلي (كانت علاقات أبي عجاج قوية جداً بضباط جيش الاحتلال وميليشياته). قبل أشهر، استبقت معراب الجميع ورشحت حداد. ترشيح اعترض عليه قواتيون قدماء. فحداد ليس منهم من جهة وعائلته ارتبطت بالسوريين من جهة أخرى. كذلك يعترض بعضهم عليه من زاوية علاقة والده بقوات الاحتلال الإسرائيلي، وما يمكن أن يتركه ذلك من أثر سلبي عليهم في المنطقة ويفتح دفاتر سابقة يريدون إقفالها. سمير جعجع أصرّ على خياره. بعض قدامى قواتيي جزين يتهمونه بأنه «منح المقعد لعجاج، وفاءً لوعد قطعه للمطران أندره حداد، تكفيراً عن ذنب تفجير كنيسة سيدة النجاة في زحلة، الذي كاد يودي بحياة المطران ويُتَّهم جعجع بالوقوف خلفه». صمد ترشيح حداد، لكن التحالفات مع الحلفاء انهارت. وبعد أن كان من المرشحين الأقوياء، انتمى أخيراً إلى لائحة ثلاثية جمعته بمرشح الكتائب الماروني جوزيف نهرا والمرشح السني سمير البزري. أبو عجاج حاضر في الزمن الحالي أيضاً. يكابد مرضه ويقوم بجولات انتخابية نيابة عن نجله.

أمين إدمون رزق


لم يعتمد أمين رزق اسمه الثلاثي على اللوحات الترويجية لحملته الانتخابية عن أحد المقعدين المارونيين في جزين. لا يقصد إخفاء أنه نجل النائب والوزير السابق إدمون رزق. لكن شعار القرار المستقل الذي يرفعه في حملته يبدو أنه ينسحب على والده أيضاً. لم ينتمِ كوالده إلى حزب الكتائب. «كل واحد منا ينتمي إلى جيل ومرحلة ولنا أسلوبنا المختلف»، يستطرد: «لكني أشبهه بصدقه وصراحته وثباته في المواقف». لا يمكن مَن يتعاطى مع أمين نزع إدمون من ذهنه. من الشبه الكبير في الملامح إلى استقبال الناس في منزل العائلة الذي يعود إلى زمن المطران يوسف رزق حيث ولد عام 1780. في العمق، يعبّد إرث إدمون درباً طويلاً يحتاج لشقه بين الجماهير. حديث التجربة في السياسة ورث مؤيدين في جبل الريحان وصيدا مروراً بجزين. «الأستاذ إدمون وظف أياً كان في جزين». مثل يتناقله الأجيال منذ 1968 تاريخ دخوله إلى النيابة، وصولاً إلى 1992 عندما رفض الترشح مجدداً اعتراضاً على صيغة القانون المعتمد. علماً بأن الأخير نال عام 2009 نحو 700 صوت شيعي. لن يبكي أمين كوالده في مجالس عاشوراء، ولن يخطب في الفقه الشيعي، ولن يظهر نفسه بحراً من الثقافة والحضارات والأديان والتاريخ. يتمسك بهدوء مختلف، مركزاً على ترك بصمة في الخدمة العامة والتنمية. جلب مشاريع عدة نفذت في جزين في السنوات الماضية منها المنتزه وتأهيل شارع المطاعم. يحمّل نفسه مهمة جديدة يصنفها تنموية مستدامة. «إعادة تحصين العلاقة بين صيدا وجزين». أبرز ما جمعه بالنائبة بهية الحريري، رئيسة لائحة التكامل والكرامة التي انضم إليها، استراتيجية التنمية البشرية والاقتصادية المشتركة للمدينتين التي سيساهم بها حتى لو لم يصبح نائباً.