في الثالث من تموز الماضي، قضت محكمة النقض المصرية بتأكيد حكم الإعدام بحق ثلاثة مواطنين (ياسر شكر وياسر الأباصيري المحتجزين، ووليد حبيب غيابياً) على ذمة القضية «رقم 6300 لسنة 2013 كلى شرق الإسكندرية»، المعروفة إعلامياً بـ«أحداث مكتبة الإسكندرية»، وذلك على خلفية مقتل مواطنين وأفراد شرطة وأعمال شغب في الإسكندرية، شمال القاهرة، عقب فضّ اعتصامي النهضة ورابعة العدوية. وبذلك، صار هذا الحكم باتّاً ونهائياً، وفي انتظار التنفيذ.من داخل عنبر الإعدام، حصلت «الأخبار» على شهادة أحد هؤلاء المتهمين، يقول فيها: «اسمي ياسر عبد الصمد شكر، أبلغ من العمر ٤٣ عاماً، وأعمل محاسباً قانونياً، تم القبض عليّ يوم ٢٦ فبراير (شباط) 2014 من منزلي إلى مبنى مديرية أمن الإسكندرية، حيث تم إيداعي في الطابق الخامس المعروف باسم "السلخانة"». يضيف ياسر مرتدياً البدلة الحمراء وهو بانتظار الموت فوق حبل المشنقة: «تم تعذيبي بالضرب المبرح وتعليقي وصعقي بالكهرباء في أعضائي الجنسية وباقي الأماكن الحساسة من جسدي، وتهديدي بإحضار زوجتي وتعريتها أمام أفراد الشرطة وإحضار والدي ووالدتي وتعذيبهما كذلك لإجباري على الاعتراف بكل ما يريده الضباط». ويتابع: «تناوب الضباط على تعذيبي وأحدهم قال بكل غيظ إنني أحد المسؤولين عن مقتل أخيه في أحد الأحداث... تم منعي من النوم لمدة ثلاثة أيام حتى خارت قواي وأجبرت على الاعتراف أمام كاميرا بأنني أحد المشاركين في أحداث العنف مستخدماً سلاحاً نارياً».
بعد ذلك، نُقل شكر إلى القاهرة حيث اتُّهم بالمشاركة في أربع قضايا منها «تأسيس تنظيمات إرهابية والمشاركة في القتل وأحداث العنف»، وقُدّم في بعضها أمام محاكم عسكرية وأخرى مدنية كان منها قضية «مكتبة الإسكندرية» التي حُكم فيها بالإعدام في 25 أيلول 2015، ثم رُفض الطعن وتم تأييد الحكم في تموز الماضي. يوضح الأب لأربعة أطفال، أكبرهم في السنة الأولى من الثانوية العامة وأصغرهم 5 سنوات، أن تلك هي المرة الأولى في حياته التي يقبض عليه فيها، وأن اليوم الذي حدثت فيه حوادث القتل كان موجوداً في إحدى الشركات لمراجعة الحسابات وفق عمله، وقد قدمت تلك الشركة شهادة للمحكمة بشأن ذلك.
تعقيباً على حديثه، يقول أحد محاميه إن أوراق التحقيقات خلت من أي دليل على إثبات تورط موكله في القتل، وإن الحكم استند حصراً إلى شهادة عدد من ضباط الشرطة ومحضر تحريات ضباط الأمن الوطني ومحاضر الضبط والاستجواب الذي تم تحت التعذيب، وإن نيابة النقض أثبتت في مذكرتها أن بعض أوراق القضية التي استند الحكم إليها مفقودة، وبذلك يتعين على المحكمة أن تبني حكمها على الوقائع الثابتة في الدعوى لا على «أمور لا سند لها في الأوراق».
تصدر قرارات الإعدام بالجملة واعتماداً على قرائن ضائعة أو مجهولة!


قصة شكر واحدة من قضايا كثيرة أصدر عدد من المنظمات الحقوقية المصرية والدولية بيانات بشأنها، وهي في مجملها تُطالب بوقف تنفيذ أحكام الإعدام في مصر بعد التوسّع الكبير في تلك العقوبة المُفزعة. كما أطلق عدد من الحقوقيين والمنظمات حملة باسم «أوقفوا الإعدام». في هذا السياق، يقول شريف عازر، وهو باحث حقوقي في المفوضية المصرية للحقوق والحريات، إن الدافع وراء هذه الحملة «ليس سرعة وتيرة إصدار أحكام الإعدام خاصة أنها تجري بشكل دوري وموسع على العشرات من المتهمين منذ عام 2013، لكن المفزع حالياً سرعة السلطة في تنفيذ تلك الأحكام على المتهمين»، مشيراً إلى تنفيذ الحكم على 15 شخصاً في يوم واحد. يضيف عازر: «كان ذلك أمراً مفجعاً، وأخبار التنفيذ تصدر دورياً بحق متهمين استنفدوا إجراءات التقاضي والطعن، وهو ما قد يكون رداً على الهجمات الإرهابية، لكنه تصرف غير سليم طبقاً للمعايير الدولية».
ومطلب الحملة من السلطات هو «تحقيقات جادة وحقيقية لمعرفة المتهمين الحقيقيين في أحداث الإرهاب والقتل»، خاصة أن ما رصدته ووثقته عن غالبية تلك الحالات أنها أخذت شكل الأحكام الجماعية، وحالات القتل الجماعية، مثل قضية أحداث استاد بورسعيد المحكوم فيها على 10 أشخاص بالإعدام بحكم تام ونهائي في واقعة مقتل 74 من مشجعي النادي الأهلي. لذا يرى منظمو الحملة أنه من الضروري «الوصول إلى أشخاص بعينهم وإدانتهم بجميع أركان التهم الموجبة لحكم الإعدام كأن يكون في حالة سبق إصرار وترصد ومعرفة سابقة بالقتيل، وهو أمر لم يتحقق فيها ولا في كثير من القضايا... بجانب قدر كبير من الانتهاكات من مثل الاختفاء القسري والتعذيب بحق المتهمين ومحاكمتهم أمام محاكم عسكرية تفتقر إلى كثير من معايير المحاكمات العادلة».
أيضاً، قضت المحكمة العسكرية يوم الثلاثاء الماضي بإحالة أوراق 36 متهماً على المفتي لإبداء الرأي الشرعي في إعدامهم كإجراء استباقي قبل الحكم بإعدامهم، وذلك على خلفية اتهامهم باستهداف كنائس البطرسية في العباسية، وماري جرجس بطنطا، والمرقسية في الإسكندرية، إذ ضمت القضية 48 متهماً منهم 34 قيد الاحتجاز و15 هارباً.
ووفق حصر أجرته «المنظمة العربية لحقوق الإنسان» في بريطانيا، فإنه منذ أحداث عزل الرئيس السابق محمد مرسي، أُحيلت أوراق 2081 شخصاً على المفتي كخطوة سابقة للحكم بالإعدام، كان منهم 138 حوكموا أمام محاكم عسكرية. وتم تأييد الحكم على 986 من العدد الإجمالي في 73 قضية مختلفة منها 13 نُظرت أمام دوائر عسكرية، ومن بين تلك الأحكام استنفد 57 شخصاً درجات التقاضي وصارت الأحكام بحقهم نهائية وواجبة التنفيذ. وقد نفذت السلطات المصرية الحكم بحق 27 منهم بالفعل في 5 قضايا مختلفة، من بينها 3 نُظرت أمام دوائر عسكرية، فيما ينتظر 30 آخرون تنفيذ الحكم بحقهم في أي وقت.
أما منظمة «عدالة للحقوق والحريات»، فرصدت في تقرير آخر، عن أحكام الإعدام في أول 100 يوم من العام الجاري، إحالة أوراق 39 شخصاً على المفتي، وإصدار حكم أول درجة بحق 36 متهماً، فيما استنفد 5 متهمين إجراءات التقاضي وهم في انتظار تنفيذ الحكم، بينما نفّذت السلطات الحكم بحق 8 متهمين، وقبلت نقض 8 آخرين. يقول إسلام الربيعي، وهو باحث في المنظمة، إن هذه الأحكام وصفها المفوض السامي لحقوق والإنسان في الأمم المتحدة وكذلك الأمين العام للمنظمة بأنها أحكام «تفتقد ضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة»، وهو وصف ينطبق على ما شاهدناه في إجراءات المحاكمات التي رصدناها.
يعطي الربيعي أمثلة على تلك الإجراءات بإنشاء دوائر استثنائية، وإصدار أحكام إعدام جماعية دون وجود قرينة أو دليل مادي ملموس، مضيفاً: «هناك حكم شهير صدر خلال نصف ساعة فقط قضى بإعدام أكثر من 500 شخص، بالإضافة إلى 7 أنماط من الانتهاكات الجسيمة بحق المتهمين تم رصدها في القضايا وهي تعرض المتهمين للاختفاء القسري والتعذيب، وعدم السماح أو التعنّت أو المماطلة في حضور محامين مع المتهمين، والمماطلة في عرض المتهمين على الطب الشرعي لإثبات آثار التعذيب وبعض الحالات لا يتم عرضها نهائياً، وأشدها خطورة هي التحريات مجهولة المصدر التي يقوم بها جهاز الأمن الوطني أو جهات التحري، ويعتمد عليها القضاة في إصدار الإعدام، وتظهر بوضوح تام في الجملة الشهيرة المتكررة منهم: «استقرت عقيدة المحكمة لتحريات الأمن الوطني».