رأى سعد الحريري، أمس، «أن المواطنين الأبرياء في الضاحية هم ضحية جرائم إرهابية وإجرامية تستهدفهم منذ أشهر، وهم في الوقت عينه ضحية التورط في حروب خارجية، وفي الحرب السورية خصوصاً». وعلى خطاه، سالت مواقف وتعليقات لشخصيات من فريق 14 آذار على التفجير الإرهابي الذي ضرب الضاحية الجنوبية عصر أمس. بإمكان المرء أن يتوقّع تعليقات من هذا القبيل على لسان قادة المجموعات المسلحة في سوريا، أو شخصيات في المعارضة السورية، لتبرير جرائم الإرهابيين، والقول إن التفجيرات جاءت رداً على تدخل حزب الله في القتال في سوريا، ولأن هؤلاء يريدون الضغط سياسياً وأمنياً وشعبياً وإعلامياً على حزب الله وجمهوره. لكن أن يتولى فريق 14 آذار هذه المهمة، فهل يدرك هؤلاء ما الذي يفعلونه؟
أولاً، يتصرف أركان هذا الفريق، وإعلامه، وقسم من جمهوره، وكأن ما جرى في الضاحية، أمس، حدث خارج لبنان. يبدو من سابع المستحيلات أن يتوقع المرء من هؤلاء موقفاً يدل على أنهم يرون في الآخر مواطناً مثلهم، له في البلد الحقوق نفسها وعليه الواجبات نفسها.
هؤلاء هم أنفسهم الذين سارعوا، بعد اغتيال الوزير السابق محمد شطح، الى التصرف على أساس أن اغتيال الرجل ـــ وهو جريمة موصوفة ـــ يمثل حدثاً لبنانياً يخص اللبنانيين الأقحاح، وأن العالم كله، حكومات وأجهزة أمنية ومحاكم دولية، يجب أن ينشغل في ملاحقة المنفذين، وأنه بسبب هذه الجريمة السياسية، يجب تغيير الحكم في لبنان، وتعديل سياسة الدولة، وتغيير الأشخاص والقادة والأجهزة، وصولاً الى ما أعلنه الرئيس فؤاد السنيورة بأن «ما قبل الاغتيال ليس كما بعده»!
أمس، بدوا كأنهم يعلّقون على حدث يحصل في المقلب الآخر من العالم. بالطبع، لا يطالبهم أحد ولا يتوقع منهم الصراخ والبكاء. لكن، من الذي يطلب منهم التبرير للقاتل، وما الذي يفسّر هذا الشعور الطاغي بأن الحريري وجماعته في حالة انتشاء، أو شماتة؟
ما الذي يقوله هؤلاء لشعبهم؟
ليس الغباء أو الحقد ما يلازم عقول هؤلاء وقلوبهم منذ توليهم مسؤولية جماعات ومؤسسات، بل صار لزاماً القول إنهم مجرد أزلام لدى أجهزة تديرهم، وكأنهم يتقاضون دماء حياتهم مقابل مواقفهم وتصرفاتهم. هؤلاء يجب أن يفهموا أن مواقفهم هذه لا تشكل تبريراً للجريمة فحسب، بل دعوة الى المزيد منها، لأنهم يقولون، علناً، وفي تصريحات واضحة: التفجيرات سببها تدخل الحزب، وبالتالي فهي مبررة، وخروج الحزب من سوريا يوقف التفجيرات!
هل ينطق هؤلاء باسم من يفجر وينقلون لنا تحذيراته؟ هل هم مجرد معلقين صحافيين أو محللين يمكنهم بداهة الوصول الى هذا الاستنتاج، أم أنهم يتحملون مسؤولية عامة في البلاد، ويريدون حكم البلاد بطولها وعرضها؟ ألا يفهمون أن عليهم مسؤولية كبيرة في القيام بجهد سياسي وديني وأخلاقي وأمني وإعلامي لمنع هذا الغول من التهام الجميع، وأولادهم قبل أولاد الآخرين!
ألا يتساءل هؤلاء عن سبب اختيار المجرمين، عمداً، منطقة عرسال مقراً وحيداً لعمليات التفخيخ وتحضير السيارات وإرسالها الى عمق لبنان؟ كل السيارات المفخخة تأتي من هناك، وكل الحركات الإرهابية والتكفيرية تنطلق من هناك. حتى ماجد الماجد كان مختبئاً في عرسال. ألا يتساءل الناس عن هذا السر؟
ماذا يفعل الحريري وجماعته هناك، أم أنهم، وهذا الأرجح، يريدون لهذه المنطقة أن تكون فخاً يستدرج حزب الله إليه حتى تقع الواقعة، فيخرجون على العالم من جديد: هذا حزب الله يقاتل المدنيين بسلاح المقاومة!
ألا يعرف هؤلاء أن أهالي عرسال، برغم كل حماستهم للمعارضة السورية، وبروز تيار قوي داخلهم يهاجم حزب الله، بدأوا يسألون عن سر استباحة بلدتهم وتحويلها مقراً لإرهاب يطال لبنان وسوريا. ألا يعرف هؤلاء بأن سلوكهم هذا، وتغطيتهم بعصبية عمياء، من دون سؤال أو نقاش، لما تريده مملكة القهر في سوريا ولبنان، إنما يقود لبنان الى الانفجار الذي سيودي بما تبقى لهم من نفوذ لمصلحة الآخرين من أرباب التيارات التكفيرية، أم أنهم يريدون أن ينظموا الشعر في الاعتدال صباحاً، ثم تراهم في المساء على هيئة سفاحين يبرّرون للقتال فعلته ويدعونه إلى المزيد؟
ولأنه لا مجال لأي غشاوة، فإن آل سعود يتحملون مسؤولية الدماء التي تسيل. أما أزلامهم، هنا، فباتوا، بما يفعلون، شركاء في جريمة لن تتيح لهم، مهما تكرّرت، تسجيل صورة واحدة عن تورّط المقاومة في دماء مدنيين أو أبرياء.
تفجير أمس لا يحقق هدفاً غير القتل. والموت لا يخلق توازناً سياسياً، وكل هروب من مواجهة حقيقة الهزيمة تأجيل لدفن من مات فعلاً!
موتوا في حقدكم!