ظلّ المعلّق العربي يقول إن محمد صلاح هو أحد أفضل أربعة أو خمسة لاعبين في العالم. كان مسكوناً بالخوف من الاعتراف بأن محمد صلاح هو أفضل لاعب في العالم. كأنه سيرتكب إثماً بالمبالغة. لكنه، على الأرجح، كان يعاني من قلة الشجاعة، لأنه غير قادر على التصديق. أخيراً، لاعب من الشرق، يقترب من اللقب، وتقترب منه الحقيقة.عندما سجّل لم يحتفل. رفع محمد صلاح يديه إلى السماء. ولأن المصريين والعرب عموماً، أشخاص شغوفون، ولم نعد نعرِف إن كان هذا مديحاً أو عرضاً مجرداً، رفعوا عيونهم، بدورهم، إلى السماء. دعونا نبالغ: رفعوا قلوبهم إلى السماء. ولم يحتفل صلاح عندما سجّل في روما، لأنه جاء إلى ليفربول، من روما. ورفع يديه إلى السماء، لأنه جاء من القاهرة، إلى السماء.
المبالغة مسموحة. سيعود إلى الأولمبيكو محبوباً. سيحظى بالتصفيق قرب الكولوسيوم أيضاً، مهما كانت النتيجة. وسيتذكر الجميع، صورته، قادماً من زحمة القاهرة، إلى فِتنة روما، قبل أن يسطع أمس. ما حدث، هو أن ليفربول، أمس، كان متقدماً على روما، بخمسة أهداف. وفي الدقيقة 75 من عمر المباراة قرر يورغن كلوب، إخراج محمد صلاح، بعدما شعر بأن المباراة، تقريباً، صارت مضمونة. سجّل قائد المنتخب المصري الهدفين الأول والثاني، وصنع الثالث والرابع. ولولا أن هذا هو ما حدث فعلاً، لتركت الجملة انطباعاً موسيقياً، يُصعّب تصديقها. الأول، والثاني، ثم الثالث والرابع. بعد الدقيقة 75، تراجع ليفربول. تلقى الهدف الأول، ثم تلقى هدفاً ثانياً. وانحسر في منطقته، كما لو أنه فقد توازنه، وسمح للفريق الإيطالي بتسديد الضربات. ويذكّر هذا بما يعرفه مشجع كرة القدم العادي. والجميع عاديون، لا يوجد استثنائيون. في كرة القدم، كما في الحياة. لكي تربح، يجب أن تسجّل الأهداف. هذه المهمة أنجزت. حتى الساعة الأولى، كان صلاح قد حسم كل شيء. ولكي تحتفل، عليك أن تربح. وهذا أنجزه صلاح أيضاً. بقي أن تشاركه هذا الاحتفال. أن تصدّق، أنك معنيٌّ بهِ. ليس لأن محمد صلاح جاء من بسيون، وأنت من لبنان، أو من مصر، بل لأن القاهرة، مثل روزاريو. الضواحي هي المدن. والهامشيون هم الهامشيون. ولأن الفرح مجاني. ولأن صلاح يفعل ما يفعله، من أجل الفرح. كما في الحياة، كما في كرة القدم.
محمد صلاح أفضل لاعب في العالم. لمَ لا؟ (أ ف ب )

رياضياً، ما حدث أمس، يحدث في حالةٍ واحدة، على الأقل في تاريخ كرة القدم المعاصر: عندما يلعب برشلونة من دون مِسّي. والقارئ، العادي، كما المشاهد العادي، والجميع عاديون في القراءة وفي المشاهدة، سيشعر بأن المقارنة، على حافة المبالغة. لا يوجد استثنائيون. اللعبة مجانية، الفرح مجاني. الاستثنائي هو الذي يصنع. هذا ما اعتقده كثيرون، عندما انتقل محمد صلاح إلى ليفربول، قادماً من روما الإيطالي بالذات: أنه سيسقط عن الحافة. وما حدث هو العكس تماماً. أكثر من أي وقت مضى، الأرقام في مصلحة محمد صلاح، الذي هو، رسمياً، أفضل لاعب في الدوري الإنكليزي. والذي أعلن أمس، أنه مرشح جدي، لكي يملأ فراغاً كبيراً متوقعاً، بعد اعتزال ليونيل مسي. دعونا نبالغ مجدداً، ولا نشارك معلّق المباراة حذره. الحقيقة، أن فوز صلاح بدوري أبطال أوروبا، إن أكمل ليفربول المهمة، وفاز لاحقاً بالنهائي، يعني أنه، منطقياً، سيكون أفضل لاعب في العالم. وهكذا درجت العادة. الألقاب الجماعية تمنح الفرد لقباً فردياً. ولكن الألقاب ألقاب. والفيفا فيفا. وقد يفوز رونالدو بالجائزة. وقد تمنح فجأة للاعب من بايرن ميونخ، أو يستعيدها مسي إن فاز بكأس العالم. لكن، صلاح، ربما، ليس بحاجة إلى اللقب. أمس، قال كلمته. سنردد المزحة نفسها، ونحن نشاهد. مسي أم صلاح؟ ولكن، الآن، علينا أن نبالغ قليلاً. المبالغة مسموحة. محمد صلاح تجاوز مسي. وأخيراً لاعب من الشرق، يتجاوز الغرب. وأسطورة الغرب، الذي ركّب اللعبة على مزاجه، لكي تكون للغرب. حتى جورج وياه، الأفريقي الوحيد، الذي حصل على جائزة أفضل لاعب في العالم، بقي منبهراً بأسطورة الغرب وبمنهجه. بقي مؤطراً في برواز غربي للعبة. وأخيراً، أفضل لاعب في العالم، من هنا تحديداً. لاعب يرفع يديه إلى السماء نفسها، التي تمتد من روزاريو إلى القاهرة. السماء نفسها التي تظلل حناجر المصريين، والذين من ليفربول، وهم يضعون جانباً، آلام العالم.
ما حدث أمس، يفعله قلة: مِسي طبعاً. وطبعاً مارادونا. والبرازيليون


ما حدث أمس، يفعله قلة. مسي طبعاً. وطبعاً مارادونا. والبرازيليون. حتى رونالدو البرتغالي الذي نسي أنه أتى من ماديرا. هؤلاء، جميعهم، الذين يصيرون جزءاً من آلة، تحول اللعبة إلى سوق استهلاكية، رغم كل شيء، يملكون ماضياً، يتشاركونه مع محمد صلاح. نعود إلى ليلة أمس، إلى اللحظة، التي قرر فيها صلاح التسديد. ما الذي كان يدور في رأسه. ثم إلى اللقطة الثانية. ثم إلى الثالثة، حين مرر. وفي الرابعة. لقد بالغ في الرقص، حتى اضطر الجميع إلى المبالغة، وأرغم الجميع على التصديق، حتى الذين يعانون من عقدة النقص، ومن عدم القدرة على التصديق، أن أفضل لاعب في العالم، يمكن أن يكون عربياً. كان على المعلّق أن يحتفل. وعلى الجميع أن يحتفل. الفرح مجاني: محمد صلاح أفضل لاعب في العالم. لمَ لا؟



أسباب خسارة روما


من الناحية الفنية، خسِر روما أمام ليفربول، في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، لعدة أسباب، لم يكن تألق صلاح سوى الأبرز بينها. في النصف الأول من الشوط الأول، قدم الفريق الإيطالي عرضاً قوياً، وبدا متماسكاً، إذ اعتمد أسلوب الضغط العالي، ما صعب على ليفربول بناء الهجمات من الخلف. لكن سرعان ما تراجع روما، وارتكب مدافعه الكارثي خوان خيسوس سلسلة أخطاء، على مستوى التغطية والتمركز. إلى ذلك، ترك روما مساحات هائلة في منطقته، بسبب اعتماده على دفاع متقدم، وكان هذا الخطأ العظيم، من دي فرانشسيكو، الذي نسي أنه يواجه أحد أقوى خطوط الهجوم في أوروبا، وأسرع هذه الخطوط على الإطلاق. لسوء حظ روما، كان محمد صلاح في يومه، كذلك فرمينو، والسنغالي المميز ساديو مانيه، ما مكّن ليفربول من التقدم بخمسة أهداف نظيفة، قبل أن يسجّل روما هدفين، محافظاً على أمل ضئيل بالعودة في مباراة الإياب.