منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الانسحاب من الاتفاق النووي، والولايات المتحدة تواجه مأزقاً في التعامل مع الوضع الجديد، في ظل تفاعل بقية الدول على غير ما توقع الأميركيون. حتى الآن، لا يزال الموقف الأوروبي، أقل من المأمول منه أميركياً. ولعل ذلك ما جعل الجلسة التي جمعت وزيري خارجية الولايات المتحدة وألمانيا تخرج بمواقف غير منسجمة. إذ أكد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، أمس، عقب اجتماعه إلى نظيره الأميركي مايك بومبيو، أن أوروبا والولايات المتحدة «بعيدتان كل البعد عن حل وسط» في شأن موقف واشنطن من اتفاق إيران النووي. وأضاف أن الاجتماع لم يتضمن تقديم معلومات جديدة، واكتفى فيه الوزير الألماني باقتراح عقد اجتماع رباعي للتشاور، يضم كلاً من الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق بريطانيا وفرنسا وألمانيا.من جهته، اتهم بومبيو الأوروبيين بـ«عدم فعل شيء» حيال برنامج إيران للصواريخ البالستية وكذلك ملف «الإرهاب». وقال أمام لجنة في الكونغرس: «قال لنا الأوروبيون، وهذا صحيح، إنهم مستعدون للقيام بشيء ما في موضوع الصواريخ، وخلال ثلاث سنوات لم يفعلوا شيئاً، لا شيء». وفي الجلسة نفسها، وعلى عكس الاتهامات الإيرانية، أكد بومبيو أن واشنطن لا تريد قلب نظام الحكم في إيران. وتعد تصريحات بومبيو تأكيداً على فشل المشاورات الأميركية- الأوروبية التي أجريت قبيل إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق، وكان موضوعها انضمام الأوروبيين إلى إجراءات ضد وجود إيران العسكري في سوريا وبرنامجها الصاروخي. وعلى رغم إعلان الأوروبيين، على الأقل دول الاتفاق الثلاث، في أكثر من مناسبة، استعدادهم للانخراط في إجراءات مماثلة إذا كان ذلك يضم الحفاظ على الاتفاق النووي، فإن بومبيو نعى أمس صراحة هذه الجهود بالقول: «لم نتمكن أبداً من التوصل إلى اتفاق»، مضيفاً: «ليس هناك أي مؤشر إلى أن الأوروبيين ينوون فعلاً الموافقة».
يتواصل «الصمود» الأوروبي بوجه استفراد واشنطن بالقرار، على حساب مصالح دول الاتحاد الأوروبي، على رغم عدم قدرة دول الاتحاد على صد تداعيات العقوبات الأميركية بنسبة كبيرة. لكن الأوروبيين يصرون على إبداء هذا التمايز عن الولايات المتحدة في وقت تتبع الإدارة الأميركية سياسات لا تراعي مصالحها، في غير مجال، آخرها تلويح ترامب بفرض رسوم جمركية على السيارات. وبرزت أمس تصريحات لمسؤول أوروبي، نقلتها عنه «فرانس برس» اتهم فيها الأميركيين بإطلاق «حرب غاز» عن طريق تجميد استغلال احتياطات غاز إيرانية ضخمة من خلال العقوبات، بهدف زيادة إنتاج الولايات المتحدة الخاص من الغاز الصخري. وأضاف المصدر للوكالة الفرنسية: «إنها في شكل واضح محاولة جديدة للحد من مصدر إمداد مختلف لكي يمكن إيصال الغاز الطبيعي المسال الأميركي إلى أوروبا في شكل أسهل ومن دون منافسة».
التمسك بالاتفاق النووي، موقف جددته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أمس، في القمة التي جمعتها بالعاصمة الصينية بكين، مع الرئيس شي جين بينغ. وحذرت في ختام اللقاء من أنه إذا ما انسحبت شركات أوروبية أو قلصت أعمالها في إيران خوفاً من فرض عقوبات أميركية، فإن ذلك سيخلق «فرصة للشركات من دول أخرى للدخول ولعب دور أكبر».
جددت «الوكالة الدولية للطاقة» تأكيدها التزام طهران بالقيود التي يفرضها الاتفاق


وبغض النظر عن الملفات الأخرى، فإن الاتفاق النووي الإيراني يبدو حاضراً في اتصالات تتكثف منذ أيام بين كل من الثلاثي الأوروبي، فرنسا وألمانيا تحديداً، من جانب، والصين وروسيا، من جانب آخر. وما اتفقت عليه ميركل وشي جين بينغ، اجتمع عليه أيضاً الرئيسان الفرنسي والروسي، أمس، في اجتماع سان بطرسبرغ، حيث أشاد فلاديمير بوتين بجهود نظيره إيمانويل ماكرون وجهود الاتحاد الأوروبي لإنقاذ الاتفاق، محذراً من «عواقب وخيمة» إذا لم يتم الحفاظ على الاتفاق.
بالعودة إلى المقلب الأميركي، تواصل واشنطن سياسة التصعيد، التي تتخذ منحى تصاعدياً ضد إيران. وحولت الإدارة الأميركية الإجراءات العقابية الجديدة ضد طهران إلى مسلسل لا ينتهي، في إطار استراتيجية تستهدف إشعار الإيرانيين بأن الضغوط لا تتوقف. وعلى رغم أن قائمة العقوبات تبدو محضرة سلفاً، فإن واشنطن تحرص على إعلانها على دفعات، أحدثها فرض وزارة الخزانة حظراً على أربع شركات طيران إيرانية. وأشارت الوزارة إلى أن شركات الطيران المدرجة نقلت أسلحة ومقاتلين «لوكلاء في سوريا ولبنان». وهددت الحكومة الأميركية بالعقوبات من يمنح الطائرات المشمولة بالحظر حق الهبوط أو يقدم لها الخدمات. واستهدفت العقوبات ثلاثة أفراد يرتبطون بالشركات، أحدهم تركي، واثنان منهم إيرانيان.
وجددت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أمس، تأكيدها التزام طهران بالقيود الرئيسية التي يفرضها الاتفاق النووي، وذلك في أول تقرير من نوعه منذ انسحاب ترامب من الاتفاق. في غضون ذلك، من المتوقع أن تشهد فيينا، اليوم، اجتماعاً هو الأول من نوعه، للجنة المشتركة المتابعة للاتفاق النووي، سيغيب عنه وفد الولايات المتحدة، ويقتصر على الدول الخمس المتبقية في الاتفاق، كما من المتوقع أن تعقد محادثات جانبية بين وفود الدول الخمس على هامش الاجتماع تنصب على الجهود المكثفة لصياغة آليات لحماية الاتفاق. وقال رئيس الوفد الإيراني عباس عراقجي، في وقت سابق، إن الاجتماع يهدف إلى «دراسة الأبعاد الناجمة عن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وتبعات ذلك».