أربعة آلاف يموتون في لبنان سنوياً بسبب الأمراض المُرتبطة بالتدخين، بحسب أرقام وزارة الصحةّ.في السنوات الخمس الماضية، كان يفترض أن يشهد هذا الرقم تراجعاً مع تقدّم في تشجيع المُدخّنين على الإقلاع عن هذه العادة من جهة، وحماية غير المُدخّنين من جهة أخرى، عبر تطبيق قانون منع التدخين الذي صدر في آب 2012 (القانون رقم 174). إلا أن القانون الذي أتى ثمرة نضال خاضه ناشطون وجمعيات أهلية، طُبّق لثلاثة أشهر فقط!

تريليون دولار ولا ضرائب رادعة

في كانون الثاني الماضي، نشرت مُنظّمة الصحة العالمية تقريرا أشارت فيه الى أن استهلاك التبغ سيُكلّف اقتصادات العالم أكثر من تريليون دولار أميركي سنويا، نتيجة نفقات الرعاية الصحية وفقدان الإنتاجية. وفي حين يُنظر الى الضرائب كوسيلة فعالة للثني عن تعاطي التبغ، تُفيد المعطيات أنّه نادراً ما تفرض مثل هذه الضرائب، «فهناك 23 بلداً فقط، أي ما يمثّل أقل من 8% من سكان العالم، تتجاوز فيها نسبة الضرائب المفروضة على التبغ 75% من سعر البيع بالتجزئة».


مسؤولة وحدة الأبحاث للحدّ من التدخين في الجامعة الأميركية في بيروت ريما النقّاش أوضحت أنّ القانون طُبّق بجدّية عالية خلال الفترة القصيرة المُمتدة بين أيلول وكانون الأول 2013، لكنه دخل في سبات عميق منذ بداية العام 2014. ولفتت الى أن القانون ركّز على ثلاث «جبهات»: الأولى، منع التدخين في الأماكن العامة المُغلقة وقد أُمهل أصحاب المقاهي والمطاعم آنذاك سنة لإعداد التجهيزات اللازمة لمنع الرواد من التدخين؛ الثانية منع الترويج لمنتجات التبغ وتنظيم الدعايات المباشرة وغير المُباشرة؛ والثالثة الالتزام بوضع التحذيرات الخطيّة والمُصورة على علب السجائر.
يعزو معنيون بهذا الملف الاخفاق في تطبيق القانون إلى نجاح ضغوط «لوبي» أصحاب المقاهي والمطاعم، ما أسّس لتقاعس السلطات التنفيذية ممثّلة بوزارتي الداخلية والسياحة عن تطبيق القانون. فالكثير من المحاضر التي سُطّرت في حق أصحاب المقاهي لم يتم دفعها وجباية غرامتها، بحسب النقّاش، مُشيرة الى عدم إيلاء هذا الملف اهتماماً من الوزراء المعنيين ووزراء السياحة في السنوات الماضية.
في اتصال مع «الأخبار»، اكتفى وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال أواديس كيدانيان في ردّ على سؤال عن المساعي التي بذلها لإعادة إحياء القانون، بالقول: «ليس لديّ ما أقوله». فيما لفت رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي طوني الرامي، من جهته، الى أن القانون الرقم 174 لم يستهدف قطاع السياحة فقط، بل شمل كل الاماكن العامة المغلقة من مؤسسات حكومية ومُستشفيات وغيرها، «وليس منطقياً تحميل أصحاب المقاهي وحدهم مسؤولية عدم تطبيقه. الجميع لم يُطبّقه». وشدّد على «أننا تحت سقف القانون، ولكن شرط أن يكون عاقلاً»، واصفا القانون الحالي بـ «غير المنطقي إذ لا يراعي خصوصية الجلسات الشرقية والمازة اللبنانية التي تستلزم جلسات طويلة مع نراجيل وسجائر»!
وتُطالب النقابة باعتماد القانون المُتبع في دبي، «حيث يُمنع التدخين في المطاعم التي تعتمد المطابخ الغربية كلياً، أمّا تلك التي تعتمد المطابخ الشرقية فيمكن اللجوء الى الفصل فيها بين المُدخّنين وغيرهم». وأوضح الرامي أنّ النقابة تقدّمت بمشروع قانون لتعديل القانون الحالي، يتضمّن إمكان لجوء المطاعم الى الفصل بين الرواد المُدخّنين وغيرهم.
هذا الفصل، بحسب النقّاش، يتنافى ومفهوم منع التدخين الذي تنصّ عليه الإتفاقية الإطارية العالمية لمكافحة التبغ التي وقّعها لبنان، مُشيرةً الى أن التجارب العلمية أثبتت أن الفصل لا يحمي الرواد غير المُدخّنين من التدخين السلبي وأنّ النتيجة ستكون نفسها.

القانون الذي أتى ثمرة نضال خاضه ناشطون وجمعيات أهلية طُبّق لثلاثة أشهر فقط


ماذا عن مسؤولية وزارة الصحة؟ في اتصال مع «الأخبار»، لفت مُدير البرنامج الوطني للحدّ من التدخين في الوزارة فادي سنان الى أنّ هناك أربع وزارات معنية بتطبيق القانون: الإقتصاد ومهمتها تسطير المحاضر بحق المخالفات في المراكز والمُجمّعات التجارية؛ الصحّة ومهمتها مراقبة المخالفات ضمن نطاق المُستشفيات والمراكز الصحّية؛ السياحة ومهمتها الإشراف على مخالفات أصحاب المقاهي والمطاعم والفنادق، وأخيراً الداخلية والبلديات التي أُوكلت اليها مهمة ضبط المحاضر والغرامات وغيرها. يؤكّد سنان أنّ وزارة الصحة تطبّق القانون ضمن نطاق عملها، فترسل مراقبين صحيين بناء على الشكاوى التي تتلقّاها ضدّ المراكز والمؤسسات الصحّية المخالفة، وتنظّم ندوات توعوية، «إلا أن مهمة مكافحة التدخين تستلزم جهوداً وطنية على مستوى بقية الوزارات». ويشير الى أنه لا يوجد رصد للكلفة المالية للتدخين التي تتكبدّها وزارة الصحّة، «إلّا أنها مرتفعة جداً وتُقدّر بالمليارات»، لافتا الى أن أرقام الوزارة تُشير الى وفاة أربعة آلاف شخص في لبنان سنويا بسبب الامراض المباشرة التي يتسبب بها التدخين.
تبقى الإشارة الى عوامل أخرى تساهم في عرقلة مكافحة التدخين، كغياب الضرائب الرادعة وعدم معالجة التهريب وغياب الحملات الجدية المُركّزة للوقاية من التدخين.



ضحية كل ست ثوان و«التدخين السلبي» يقتل 600 ألف سنوياً
يقتل التدخين نصف من يتعاطونه تقريبا، بحسب منظمة الصحة العالمية، ويقضي شخص واحد نحبه كل ست ثوان تقريباً بسبب التبغ الذي يودي بحياة 6 ملايين شخص سنوياً. ويتوّقع أن ترتفع نسبة الوفيات الى اكثر من ثمانية ملايين بحلول عام 2030.
وتُعرّف المُنظّمة «دخان التبغ غير المُباشر» (التدخين السلبي) بأنّه «الدخان الذي يملأ المطاعم أو المكاتب أو غيرها من الأماكن المغلقة عندما يحرق الناس منتجات التبغ»، مُشيرةً الى أن دخان التبغ يحتوي على أكثر من أربعة آلاف مادة كيميائية، 250 منها على الأقل معروف عنها أنها ضارة، و50 أخرى معروف عنها أنها تسبب السرطان. ويتسبّب دخان التبغ غير المباشر في إصابة البالغين بأمراض قلبية وعائية وتنفسية خطيرة، «بما في ذلك مرض القلب التاجي وسرطان الرئة». كما يتسبب في نقص أوزان المواليد لدى تعرض الحوامل له، وفي إصابة الرضّع بالموت المفاجئ. وتلفت المُنظّمة الى أنّ نصف عدد الأطفال في العالم تقريباً يتنفسون بانتظام هواءً ملوثاً بدخان التبغ في الأماكن العامة، فيما يتسبّب دخان التبغ غير المباشر في أكثر من 600 ألف وفاة مبكرة سنوياً.