تونس | يوم الاثنين الماضي، خرج خليفة حفتر في خطاب ثانٍ لإعلان انطلاق المرحلة الثانية من «عمليّة تحرير درنة». في الأيام التالية، تكثّف القصف الجويّ الذي تساهم فيه طائرات مُسيّرة تتبع على الأغلب لسلاح الجوّ الإماراتيّ، فيما تحقّقَ تقدّم ميدانيّ، كانت تكلفته على مدى شهر من العمليات سقوط أكثر من مئة مقاتل من قواته، وتدمير عشرات الآليات من بينها مُدرّعات حديثة، وفي المقابل قُتل عدد كبير من المدنيّين وأصابت أضرار بليغة البنية التحتيّة للمدينة.
منطق الحرب
بنى حفتر مجده العسكريّ في شرق ليبيا على أساس «محاربة الإرهاب»، وذلك منذ إطلاقه «عمليّة الكرامة» قبل أربعة أعوام. تسرّب تنظيم «داعش» إلى درنة، وبقي فيها إلى حين قيام حرب بينه وبين تحالف من المجموعات القتاليّة العاملة تحت اسم «مجلس شورى مجاهدي درنة وضواحيها». استمر القتال أشهراً، إلى حين دُفع التنظيم للانسحاب نحو مدينة سرت. إلا أنّ المشكلة أنّ قوات حفتر لم تحارب «داعش» في درنة، كما لم تحاربه عند انسحابه وتمركزه في سرت.
حاصر «رجل الشرق القويّ» درنة منذ وقعت تحت سيطرة «مجلس الشورى» قبل نحو عامين، وعلى رغم تعدّد دعوات المصالحة التي جاءت من مؤسسات في غرب البلاد، ومن قبائل في الشرق، بقي الوضع على ما هو عليه حتى لحظة بداية الهجوم في الشهر الماضي، الذي جاء بعد مدّة قصيرة من عودة حفتر إلى بنغازي عقب رحلة علاجيّة في باريس.
لكن ما يثير الانتباه في هذه الحرب هو اختلاط العناصر المحليّة و«الدوليّة» التي يتركّب منها محور حفتر. فمحليّاً، وإلى جانب كتائب انتقاميّة تُسمى «أولياء الدم»، وتشمل تشكيلات تحمل أسماء غريبة مثل «كتيبة ميّت ميّت»، تشارك في الهجوم مجموعات عسكريّة يغلب عليها الطابع السلفيّ «المدخليّ» (نسبة إلى الشيخ السعوديّ ربيع المدخليّ، الذي يُوجّه كلّ فترة رسائل إلى أتباعه في ليبيا)، وأخرى تشمل متطوّعين يُطلق عليهم اسم «شباب المناطق». من الناحية الدوليّة، وعلى رغم وجود حظر تسليح دوليّ على ليبيا، تُحارب الإمارات ومصر منذ سنوات إلى جانب حفتر، حيث تقدّمان المشورة والتدريب العسكريّ لقوّاته، إضافة إلى دعمه بآليات وطلعات جويّة تكثّفت مع الوقت. إلى جانب الحلفاء العرب، يوجد أيضاً دعم فرنسيّ، حيث تحطّمت قبل عامين طائرة عسكريّة فرنسيّة قرب بنغازي. حينها، قال الرئيس السابق فرنسوا هولاند، إنّها كانت تؤدي «مهمّة استخباراتية»، وأكد لاحقاً الناطق باسم الحكومة الفرنسية ستيفان لو فول، وجود قوات خاصّة فرنسيّة تساعد «في الحرب ضدّ الإرهاب».
طائرة مراقبة تسيرّها الاستخبارات الخارجية الفرنسية تشارك في المعركة


أوّل من أمس، كشف موقع «مغرب كونفيدونسيال» أنّ «شركة طيران فرنسيّة ـــ لوكسمبورغيّة» دعمت قوات حفتر في الحرب على درنة بطائرة مراقبة تُسيّرها «الإدارة العامة للأمن الخارجيّ» الفرنسيّة (الاستخبارات الخارجيّة). مشكلة هذا التوجّه الفرنسيّ هو إضفاؤه مزيداً من الشرعيّة على نظرة حفتر التي ترى أنّ الحلّ في ليبيا عسكريّ بحت، وقد تحدّث الرجل سابقاً بشكل يدلّ على احتقاره للسياسيّين والجهود السياسيّة. وتكمن المفارقة في أنّ الدعم العسكريّ يأتي بموازاة جهود يقودها قصر الإليزيه الرئاسي لتحريك العمليّة السياسيّة في البلاد، كانت آخرها «قمّة باريس 2» التي عقدت قبل أيام، وحضرها أربعة زعماء ليبيّين من بينهم حفتر، فيما غُيّب عنها القادة العسكريّون من غرب البلاد في شكل شبه كامل.

انتهت حرب درنة؟
في الأيام الأخيرة، تقدّمت قوات حفتر بنسق مرتفع، خصوصاً مع تشدّد القصف الجويّ المُساند. لكن تراجَعَ نسقُ التقدّم مع وصول الاشتباكات إلى مركز المدينة، حيث يقيم جزء كبير من الأهالي البالغ عددهم حوالى 120 ألفاً، كما ارتفع عدد الضحايا المدنيّين. وعلى رغم رصد خروج بعض السيارات الحاملة لرايات بيضاء، لم ينزح عن المدينة عدد كبير من السكان، وهو أمر زاد الأوضاع تعقيداً خاصّة بعد إغلاق المستشفى الأخير في المدينة أبوابه الأسبوع الماضي بعد استهدافه بعدد من القذائف.
في حديث إلى «الأخبار»، يعتبر الباحث في الشأن الليبيّ جلال حرشاوي، أنّ «الجيش الوطنيّ الليبيّ (تسمية قوات حفتر) سينتصر (في درنة)، وذلك لم يكن قطّ موضع شكّ»، لكن المسألة بالنسبة إليه ترتبط بسؤالين: «كيف وبأي ثمن؟ هل سيوفّر مخرجاً آمناً للمدنيّين؟ هل سيعامل المقاتلين المستسلمين على نحو عادل وشفاف؟».
وفي حين ما زالت الإجابات غائبة، أعلن آمر «غرفة عمليات الكرامة» اللواء عبد السلام الحاسي، أمس، القبض على يحيى الأسطى عمر، الذي صُنِّف بأنّه «المسؤول عن الملف الأمنيّ في تنظيم القاعدة ـــ أبو سليم» ويُقال إنّه الرجل الثاني في «مجلس شورى درنة». لكنّ هذه العمليّة التي نقلتها قناة «فرانس 24» بصيغتها «الحفترية»، خلّفت تعليقات بين المتابعين للشأن الليبيّ، خصوصاً أنّ الأسطى وهو عميد يقود الأمن في درنة، لا تدلّ تصريحاته السابقة ولا تاريخه إلى انتمائه لـ«القاعدة»، فيما أشارت مصادر محليّة إلى تسليمه نفسه «بعد احتجاز عائلته وتهديد سلامتها».
في واقع الأمر، تستغلّ قوات حفتر ضبابيّة المشهد داخل المدينة للدفع بسرديّة «مقاومة الإرهاب»، فيما تتشكّل «قوّة حماية درنة» (التي تأسست بعد حلّ «مجلش شورى مجاهدي درنة وضواحيها» الشهر الماضي) من مقاتلين متنوّعين، يشملون قوات الأمن المحليّة وجهاديّين محليّين وشباباً من المنطقة، يجمعهم رفض الانخراط ضمن «عمليّة الكرامة»، والخوف من عمليّات انتقاميّة في حقّهم على غرار ما حصل في بنغازي سابقاً.