بدعة «فتح الملف» هي «نصب بكرافات». يميّز هذا الرسم عن المداخيل الأخرى غير المنظورة ضمن القسط مثل القرطاسية والنقل والزي المدرسي والأنشطة والكافيتريا، أنّه غير منظور في الواقع أيضاً، وهو «ليس إلا باباً للتشليح ووضع المبالغ المستوفاة في صندوق أسود لا نعرف عنه شيئاً»، بحسب عضو في إحدى لجان الأهل.
لجان الأهل لا تحاسب الإدارات لكون «فتح الملف» غير مدرج في القسط(بلال جاويش)

في مدارس كثيرة، هذه «الخوّة»، كما يسميها البعض، ليست هي نفسها «رسم التسجيل» الإجباري الذي تستوفيه المدارس لحجز مقعد للتلميذ سواء أكان قديماً أو جديداً، والذي تنطبق عليه المادة 5 من القانون 515: «...إذا فرضت المدرسة رسماً للانتساب إلى المدرسة أو للتسجيل، فلا يجوز أن يتعدى هذا الرسم 10% من قيمة قسط السنة السابقة، ويجب في مطلق الأحوال اعتباره جزءاً من أصل القسط السنوي المتوجب».

رسم استنسابي
لا معيار قانونياً يحكم رسم «فتح الملف». إذ تقرره إدارة المدرسة بصورة استنسابية ومن دون أن يشكّل بالضرورة 10% من القسط، وهو يتفاوت بين مدرسة وأخرى، من 150 ألف ليرة الى... أربعة آلاف دولار، كما هي الحال في مدرسة «انترناشيونال كولدج» ـــ عين عار! عضو لجنة الأهل في هذه المدرسة غازي حرب يستغرب ارتفاع الرسم إلى هذا الحد، في حين أنّ الـ10% توازي 1200 دولار، إذا ما احتسبنا أنّ معدّل القسط هو 12 ألف دولار في السنة. أما إدارة المدرسة فتدرج الرسم في خانة «التطوير» أو developement وليس كرسم تسجيل أو انتساب.
في ثانوية حسام الدين الحريري في صيدا، لا يتجاوز الرسم 150 ألف ليرة لبنانية، لكن لمى الزين، إحدى الأمهات، تلفت الى أن المدرسة تحتفظ بالرسم الذي يدفعه الأهل تحت عنوان «بدل امتحان الدخول» حتى لو رسب التلميذ في الامتحان ولم يُسجّل في المدرسة! أما في مدرسة الراهبات ــــ البزانسون في بيروت فقد ارتفع الرسم هذا العام من 500 ألف ليرة إلى 750 ألفاً، رغم أن الزيادة على قسط التلميذ الواحد والمترتبة على تطبيق قانون سلسلة الرتب والرواتب بلغت 800 ألف ليرة.
رئيس اتحاد لجان الأهل في المدارس الكاثوليكية في كسروان ــــ الفتوح وجبيل ريشار مرعب ينقل عن إدارات المدارس أن هذه «النثريات مش حرزانة وما بتجمّع شي»!
لدى السؤال عن مصير هذه الرسوم لا يحصل الأهل على أي جواب، بحسب طانيوس القسيس، الناشط في اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة. إذ أن لجان الأهل تفترض سلفاً أنه لا يحق لها المحاسبة بخصوصها، لكونها «نثريات» أو إيرادات غير مدرجة في الموازنة السنوية. يشدّد القسيس على أنّ هذا الرسم على اختلاف مسمياته غير قانوني استناداً إلى قانون تنظيم الموازنات المدرسية 515/1996 والاستشارة 75/2015 الصادر عن هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل والتي تعد رسم التسجيل أو الانتساب جزءاً لا يتجزأ من القسط، وبالتالي يعاد هذا المبلغ لولي الأمر خلال السنة الدراسية.

عرض وطلب
«هي مسألة عرض وطلب»، تقول سعاد شعيب، رئيسة لجنة الأهل في مدرسة الليسيه فردان، مشيرة إلى أن اختيار الأهل لمدرسة بذاتها واقتناعهم بمنهج تربوي معين يجب أن يكون نابعاً من إرادتهم الخاصة وليس من نصائح الجيران مثلاً، وبالتالي فإنّ قراءة النظام الداخلي للمدرسة الذي يتضمن كل هذه التفاصيل خطوة أساسية قبل التوقيع عليه و«أكل الضرب». شعيب تشير إلى أنّ ميزة «فتح الملف» في مدارس البعثة العلمانية الفرنسية أنّه انتساب لشبكة المدارس التابعة للبعثة وبالتالي تسهيل الانتقال من مدرسة إلى أخرى داخل الشبكة عبر العالم.
إلاّ أنّ هذه الخدمات «غير المعلنة» استوقفت لجنة الأهل في الليسيه الفرنسية الكبرى في النزاع الأول مع إدارة المدرسة قبل ثلاث سنوات. ففي حساب بسيط تبين للجنة أن المدرسة تحصّل سنوياً من «فتح الملف» 500 ألف دولار بالحد الأدنى إذا لم يحتسب التلامذة الجدد في الصفوف الأخرى وعددهم قليل نسبياً، باعتبار أن الرسم المفروض على كل تلميذ جديد هو 2300 دولار مضروباً بمعدل 28 تلميذاً في الصف مضروباً بـ8 شعب.
تجني الليسيه الكبرى 500 ألف دولار من «فتح الملف» سنوياً


ولدى مراجعة اللجنة للإدارة كان الجواب أن هذا الرسم لا يتعلق بالانتساب أو التسجيل إنما «بالانضمام إلى شبكة المدارس العلمانية الفرنسية» في العالم. ولما استوضحت اللجنة عن حقوق وواجبات العضو في الشبكة العالمية لجهة المشاركة في جمعيات عمومية وما شابه لم يأتها أي جواب، لتفاجأ بعد ذلك أنّ هذا الرسم يختلف بين مدرسة وأخرى تابعة للبعثة العلمانية الفرنسية في لبنان. فالليسيه الكبرى غير ليسيه نهر إبراهيم غير الليسيه طرابلس، في حين أن كلفة الانتساب المحددة، بحسب القانون الفرنسي، يجب أن تكون موحّدة. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ القسط نفسه يختلف أيضاً بين مدارس العاصمة ومدارس المناطق!

فليختر الأهل مدارس أخرى
«الأهالي أحرار في اختيار مدارس أولادهم وهم من يتحمل عواقب تطبيق القوانين فيها»، هكذا يرد أمين سر اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة فرنسوا حبيقة على تفسير «فتح الملف». يشير إلى أن الاتحاد لا يعترف بهذا الرسم غير القانوني، مبدياً استغرابه ممن يشكون منه وهم ذهبوا إلى المدارس بأرجلهم. لكنه يقر بأن بعض المدارس يفرض مبالغ «زهيدة» ويدرجها في خانة الدعم أو التبرع للمدرسة!
عضو الاتحاد ممثل مدارس المصطفى محمد سماحة يلفت إلى أن الاتحاد لا يتحمل مسؤولية التصرفات والسلوكيات الفردية وأخطاء المدارس الأعضاء، «فهو عبارة عن تجمع للمؤسسات التي تتعاون حول القضايا الأساسية. وبالنسبة إلينا كمؤسسة فتح الملف هو رسم تسجيل ضمن القسط ومحاولة لتجزئة الدفع على الأهل». يرى سماحة أن الدولة هي من يجب أن يتحمل مسؤولية الفوضى في هذا القطاع وليس الاتحاد.



هيئة التشريع: فتح الملف غير قانوني
في استشارة لهيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل حملت الرقم 75/2015 بتاريخ 27/1/2015، تحت عنوان «مدى قانونية عدم إدخال رسم فتح الملف ضمن القسط المدرسي وفقاً للمادة 5 من القانون 515، وبالتالي عدم إدخاله ضمن موازنة المدرسة»، أوضحت ما يأتي: «...إذا فرضت المدرسة رسماً للانتساب إلى المدرسة أو للتسجيل، فلا يجوز أن يتعدى 10% من قيمة قسط السنة السابقة، ويجب في اعتباره جزءاً من أصل القسط السنوي المتوجب. وحيث أنه يتبين من المادة 5 التي أسوة بباقي الأحكام المتعلقة بالمدارس الخاصة قاعدة آمرة وليست قاعدة متممة، أنها توجب أمرين:
أولهما لا يجوز للمدرسة أن تفرض رسم انتساب تتجاوز قيمته 10% من قيمة القسط السنوي.
ثانيهما أنّه يجب اعتبار ان هذا الرسم يشكل جزءاً من أصل القسط السنوي المتوجب، وحيث أنّه عندما يشكل الرسم جزءاً من القسط السنوي فهو يدخل وجوباً ضمن باب الإيرادات في الموازنة، ولا يجوز تحت أي حجة كانت أن تفرض هذا الرسم وأن تجري المحاسبة بخصوصه، إلاّ وفقاً للأصول المذكورة».