لا تزال القوات الموالية لتحالف العدوان على اليمن تراوِح مكانها عند المدخلَين الجنوبي والغربي لمطار الحديدة من دون أن تتمكّن من تجاوزهما، في وقت يستمرّ فيه قطع خطوط إمدادها من جنوب الشريط الساحلي إلى شماله. واقعٌ حمل القيادة الإماراتية على تبرير تعثّرها بدعوى الحرص على أرواح المدنيين، واتباع «نهج محسوب وتدريجي في المعركة» على حدّ تعبير وزير الدولة أنور قرقاش. وفيما بدت سلطات صنعاء، يوم أمس، أكثر اطمئناناً إلى الوضع الميداني على الساحل الغربي، غادر المبعوث الأممي مارتن غريفيث العاصمة، من دون أن تؤدي زيارته إلى انتزاع تنازلات كان «التحالف» يتمناها، من قبيل موافقة «أنصار الله» على الانسحاب من الحديدة بغير قتال.وأكد الناطق باسم الجيش اليمني واللجان الشعبية، العميد شرف لقمان، أمس، أن ضربات القوات المشتركة ضد تجمعات قوى الغزو والاحتلال «متواصلة حسب استراتيجية الدفاع المتحرك والهجوم المعاكس المُعدّة لاحتواء مثل هذه المواقف»، مضيفاً أن «التطويق قائم على العدو في البؤر التي وصل إليها»، جازماً بـ«استحالة تمكّنه من تجاوز الخطوط الدفاعية». وأشار، في تصريح إلى وكالة «سبأ» التابعة لسلطات صنعاء، إلى أن «الجيش واللجان فرضا معادلة جديدة في معركة الساحل الغربي، وتحوّلا إلى العمليات الهجومية»، مبيّناً أن عدد الآليات التي تمّ تدميرها خلال هذه المعركة بلغ 44. ولفت إلى أن «سلاح الجو المسيّر استهدف المرتزقة أثناء محاولتهم فك الحصار عن القوات المحاصَرة في الساحل». وسُجّل، أمس، دخول جديد لسلاح الجو المسيّر على خط المواجهات، حيث استهدف رتلاً من المدرعات والآليات في منطقة الفازة في مديرية التحيتا، ما أدى إلى «مصرع قيادات من الغزاة والمرتزقة»، بحسب ما نقلت «سبأ» عن مصدر عسكري.
في المقابل، عاودت طائرات تحالف العدوان شنّ غاراتها التي بلغت خلال الأيام القليلة الماضية، بحسب ما يفيد به مصدر مطلع «الأخبار»، 250 غارة لم تفلح جميعها في إسقاط مطار الحديدة. واستهدفت مقاتلات «التحالف»، أمس، مقرّ الكلية الحربية ومبنى جامعة العلوم والتكنولوجيا ومنازل مأهولة، ما أدى ــ وفق مصادر محلية ــ إلى مقتل 13 مدنياً وإصابة 24 آخرين، فضلاً عن حالات نزوح جديدة من مناطق التماس وأخرى واقعة وسط مدينة الحديدة. وعلى مستوى العمليات البرية، نفذت قوات الجيش واللجان، صباح أمس، عمليات عسكرية خاطفة في عدة محاور شرق حيس وجنوب غرب الدريهمي، بعدما استطاعت إجبار التشكيلات الموالية لـ«التحالف»، والتي كانت تمكنت من التسلل إلى الدوار الكبير جنوب الحديدة، على الانسحاب منه إلى جنوب الدريهمي. وبالتوازي مع ذلك، أفيد عن قيام القوات الموالية لحكومة الإنقاذ بنصب حواجز خرسانية وأخرى ترابية على طول الطريق الممتدة من قلعة الكورنيش التاريخية، مروراً بميناء الصيد، وصولاً إلى منطقة كيلو 16، تحسباً لمحاولات الميليشيات المدعومة إماراتياً الالتفاف من الجهة الشرقية للمطار للتقدم نحو منطقة كيلو 16 التي تضمّ خطوط الإمداد من العاصمة صنعاء.
جدّدت «أنصار الله» نفيها وجود «أي نقاش» حول تسليم الميناء


وعلى الرغم من هذا التقهقر المتواصل للقوات التابعة لـ«التحالف» على جبهة الساحل، إلا أن أنور قرقاش لا يجد حرجاً في وصف وضعها بأنه «أكثر من ممتاز». وصف ليس لدى الوزير الإماراتي من معطيات لإسناده سوى تبرير الانتكاسة التي تواجهها ميليشيات بلاده بالحديث عن حرص مزعوم على «حماية المدنيين وتواصل تدفق المساعدات الإنسانية». وفي محاولة للفلفة فضيحة معركة المطار، أرجع قرقاش بطء التقدم إلى «نيران القناصة»، مدّعياً في الوقت نفسه وجود «معايرة (ضغوط مدروسة) مقصودة» بهدف «مساعدة المبعوث الأممي في إقناع الحوثيين بالانسحاب غير المشروط من المدينة». وهو حديث يستهدف بحسب القيادي في «أنصار الله»، محمد البخيتي، «التغطية على هزائمهم في الساحل الغربي وتراجعهم، للإيحاء بأن عدم احتلالهم للحديدة هو نتيجة لمفاوضات وتدخل من الأمم المتحدة». وأكد البخيتي، أمس، في تصريحات صحافية، أنه «لا يوجد أي نقاش حول تسليم ميناء الحديدة»، موضحاً أن «المبعوث الأممي طرح خطة حول حل الأزمة بشكل عام، وليس فقط موضوع الحديدة»، مضيفاً أن «النقاش يدور حول قضية الرقابة (على الميناء) وليس تسليمه، والموضوع ما زال في إطار المباحثات».
وجاءت تصريحات البخيتي في وقت أنهى فيه المبعوث الأممي زيارته الثانية للعاصمة صنعاء في غضون شهر، بعد لقائه رئيس حكومة الإنقاذ عبد العزيز بن حبتور، ورئيس «المجلس السياسي الأعلى» مهدي المشاط، من دون أن يتحقق لقيادة «التحالف» ما أرادته من إسقاط للحديدة تحت وطأة الضغط العسكري والتهويل. وفي ظلّ ما سمّاه المتحدث باسم «التحالف»، تركي المالكي، في مؤتمر صحافي أمس، «تعنّت الميليشيات الحوثية في تسليم ميناء الحديدة»، تؤكد أبو ظبي والرياض أنهما ماضيتان في مغامرتهما حتى «تحقيق أهدافنا» على حدّ قول قرقاش، الذي جدّد التعبير عن توهّم إماراتي ــ سعودي بأن السيطرة على الحديدة ستقصّر عمر الحرب، وستجلب «أنصار الله» إلى طاولة المفاوضات. وهي تقديرات لا يفتأ الواقع يؤكد بعدها من الصواب، مُنذِراً بسيناريوات قاتمة تبدو أشبه بالانتحار الجماعي تنتظر القوات الموالية لـ«التحالف»، ومنبِئاً بأن ما ستجنيه السعودية والإمارات ليس أكثر من تلطيخ لسمعتهما المتلوّثة بالجرائم المرتكبة ضد المدنيين، في ظل التحذيرات الأممية من أن الهجوم على الحديدة سيكون له «أثر كارثي على حياة ملايين الأشخاص».



جبل النار في أيدي الجيش واللجان
لا تقتصر العمليات النوعية الأخيرة للجيش واللجان، والتي أدت في ما أدت إليه إلى «أسر عدد كبير جداً من المرتزقة»، بحسب ما يؤكد مصدر في «أنصار الله» لـ«الأخبار»، على الساحل الغربي، بل تمتد إلى جبهات أخرى خطفت منها معركة الحديدة الأنظار. ويوضح المصدر أن أبرز تلك الإنجازات سُجّلت في جبهة حرض قبالة منطقة جيزان، حيث استطاعت القوات المشتركة السيطرة على كامل جبل النار وما جاوره من مواقع، علماً بأن هذا الجبل ممتد بطول 14 كيلومتراً داخل الأراضي السعودية. وأطلقت القوة الصاروخية في الجيش واللجان، أول من أمس، صاروخاً باليستياً على معسكر مستحدث شرق جيزان، ما أدى إلى «خسائر كبيرة في صفوف العدو». واللافت أنها المرة الأولى التي لا يتحدث فيها «التحالف» عن اعتراض الصاروخ، مكتفياً بالقول إن «قوات الدفاع الجوي الملكي رصدت صاروخاً باليستياً أطلقته الميليشيا الحوثية من الأراضي اليمنية باتجاه أراضي المملكة».