يبدو أنّ ما قبل الهجوم الأخير على الهلال النفطيّ ليس كما بعده، إذ لم يكن يتوقّع أحد أن يستثمر خليفة حفتر انتصاره للسيطرة على تصدير النفط. كانت جميع المرافق الطاقيّة في ليبيا، في الفترة السابقة لهجوم قوات إبراهيم الجضران، أي قبل حوالى أسبوعين، تعمل تحت إدارة «المؤسسة الوطنيّة للنفط» التي تحظى باعتراف دوليّ وتعمل انطلاقاً من طرابلس، ذلك رغم سيطرة قوات حفتر العسكريّة على عدد كبير من تلك المنشآت.مساء أوّل من أمس، عقد العميد أحمد المسماري، المتحدث باسم قوات حفتر، ندوة صحافيّة أعلن فيها تسليم المنشآت الطاقيّة إلى «الحكومة المؤقتة» التي يترأسها عبد الله الثني و«المؤسسة الوطنيّة للنفط» الموازية التابعة لها. وفي مسار تبريره للقرار، قال المسماري إنّ قواته «تصدت لـ5 محاولات هجوم على الهلال النفطيّ، خسرنا خلالها ما يقارب 200 جنديّ وأصيب 300 آخرون بجروح خطرة»، وأضاف أنّه «في كلّ مرّة نخسر معدات وتموين وذخائر... ولم نتسلّم من المؤسسة الوطنيّة للنفط ديناراً واحداً».
لم يقف المسماري عند ذلك الحدّ، حيث أطلق اتهامات لحكومة الوفاق (طرابلس) ومؤسساتها وأجهزتها الأمنيّة التي تتركب من ميليشيات: «توجد مشاكل كثيرة وفساد كبير جداً في ملف تصدير النفط، توجد ميليشيات تتلقى مرتبات كبيرة (وفي المقابل) لم يعالج أيّ عسكريّ جريح... مصاريف المجموعات الإرهابيّة تأتي من النفط الذي نؤمنه نحن». وأوضّح المسماري برنامجهم للفترة المقبلة، حيث قال إنّه «يجب أن يحسب للقوات المسلحة حساب خاصّ، تُدعم ماليّاً حتى تتمكن من شراء الآليات والمعدات والأسلحة وفتح كثير من المراكز لتدريب الليبيّين على القتال وحماية مقدراتهم».
وإلى جانب التجاهل الذي يحمله هذا الكلام بما يخص حظر التسليح الدوليّ المفروض على ليبيا، فإنّه يسعى إلى فرض واقع جديد يكسر الاحتكار الذي تحظى به «المؤسسة الوطنيّة للنفط» الموجودة في العاصمة، والذي أقرّته «منظمة الدول المصدرة للبترول ـــ أوبك» ومجلس الأمن الدوليّ. وانقسمت مؤسسة النفط مع بداية الأزمة السياسيّة في البلاد، حيث عيّنت كلّ من حكومتي الشرق والغرب مسؤولين مختلفين عن القطاع، ورغم توحيد المؤسسة قبل عامين، إلاّ أنّها عادت وانقسمت مرّة أخرى العام الماضي، ولم يحسم خلاف الشرعيّة في نهاية المطاف سوى قرارات المنظمات الدوليّة. مع ذلك، حاولت مؤسسة النفط في الشرق تصدير النفط لحسابها الخاصّ، لكن الأمر لم ينجح، حيث أوقفت البحريّة الأميركيّة سفينة نفطيّة في المتوسط وأعادتها إلى ليبيا، لكن يوجد احتمال أنّ عمليات تصدير إلى مصر قد تمت في الأعوام الماضية.
اللافت موقف فتحي المجبري إذ إنّه قد ينبئ بانشقاق داخل المجلس الرئاسي


وفي تصريح حول الموضوع، قال فرج الحاسي، مسؤول النفط التابع لحكومة الشرق، إنّه «لن يتم تقسيم المؤسسة الوطنيّة للنفط، بل سيتم إنهاء مركزيّة اتخاذ القرار». واعتبر الحاسي أنّ سوء التصرّف في طرابلس هو سبب الأزمات الاقتصاديّة، سواء تعلّق الأمر بالسيولة أو ارتفاع الأسعار. لكن الرجل تجنّب الحديث عن الإجراءات العمليّة الممكنة لتصدير النفط من دون تحصيل شرعيّة دوليّة، وهي النقطة الأهم. وفي حال نجحت هذه الخطوة، وهو أمر مستبعد، فإنّها ستعمّق الأزمة السياسيّة في البلاد، وتقفز فوق جميع الاتفاقات السابقة، التي كان آخرها في مؤتمر باريس قبل أقل من شهر، والتي شددت على إلغاء ازدواجيّة المؤسسات.
من جهتها، أصدرت «المؤسسة الوطنيّة للنفط» (الشرعيّة، في طرابلس) بياناً قالت فيه إنّ «القيادة العامة (حفتر) لا تتمتع بأيّ سلطة قانونيّة تمكّنها من السيطرة على صادرات النفط في ليبيا»، وأضافت أنّ «ما قامت به... لا يختلف عن ما قام به المجرم إبراهيم الجضران». كذلك رأت المؤسسة أنّ قوات حفتر أضاعت «فرصة ممتازة لخدمة المصلحة الوطنيّة. الشعب الليبيّ يريد دولة قانون، وليس دولة سلاح. وبدلاً من الدفاع عن سيادة القانون... قررت القيادة العامة أن تضع نفسها فوق القانون».
أما المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطنيّ المعترف بها دوليّاً، فقد أصدر بياناً رأى فيه أنّ «مثل هذه التصرفات تزيد من حالة التوتر والاحتقان، ولن تؤدي بأيّ حال نحو اتجاه تصالحيّ، بل تؤسس للفرقة وترسيخ الانقسام، وتقوّض كلّ الجهود المحليّة والدوليّة التي بذلت على مدار السنوات من أجل تحقيق الاستقرار». وطالب المجلس «مجلس الأمن الدولي ولجنة العقوبات بتتبّع وإيقاف أيّ عمليات بيع غير قانونيّة قد تحدث بسبب هذه الأفعال».
لكن اللافت كان موقف فتحي المجبري، عضو المجلس الرئاسي المنحدر من مدينة بنغازي في شرق البلاد والعضو السابق في حكومة الشرق، حيث أصدر بياناً شخصيّاً يناقض محتواه بيان المجلس وينبئ بانشقاق داخله. وجاء في البيان: «نتفهم إجراءات القيادة العامة للجيش الليبيّ... إنني أعتبر هذا الإجراء ركيزة لحوار يضمن توافقاً حقيقيّاً بين السلطات المعترف بها دوليّاً والمؤسسات الوطنيّة، العسكريّة منها والمدنيّة، المتواجدة والفاعلة في جنوب وشرق البلاد».