بعدما سرت أنباء عن مغادرته مدينة عدن إلى الرياض للقاء المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، ظَهَر الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي في المدينة مُلتَقِياً مسؤولين إماراتيين، في ما قُرِئ محاولةً لترطيب الأجواء بين الجانبين، بعد استئناف القوى المحلية الموالية لأبو ظبي هجومها الكلامي على «الشرعية». ويأتي هذا التحرك الإماراتي في وقت لا تزال القوات الموالية لـ«لتحالف» تراوح مكانها في مديرية التحيتا على جبهة الساحل الغربي، توازياً مع خسارتها مواقع كانت تسيطر عليها في كل من محافظتَي لحج وتعز.واستقبل هادي، أمس، في مقرّ إقامته في ما تُسمّى «العاصمة الموقتة»، وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي الإماراتي، ريم الهاشمي. وأشاد الرئيس المستقيل، خلال اللقاء، بـ«التضحيات التي قدمتها الإمارات... ومواقف قيادتها الداعمة لليمن»، في حين ادعت الهاشمي أن زيارتها تأتي «للوقوف على الحاجات الراهنة للشعب اليمني». والتقت المسؤولة الإماراتية، كذلك، وزير الداخلية في حكومة هادي، أحمد الميسري، الذي بدا لافتاً تشديده، أثناء المحادثات، على «ضرورة إغلاق السجون، والعمل على إخضاعها للنيابة والقضاء» بحسب ما نقلت عنه وكالة «سبأ» التابعة لـ«الشرعية». ووعدت الهاشمي، من جهتها، بـ«العمل معاً على تجاوز كافة الصعوبات والعراقيل التي تمنع الحكومة الشرعية من أداء مهامها».
وعدٌ يشي بوضوح بأن الهدنة التي فرضها إعلان الهجوم على الحديدة لا تزال مطلوبة من الجانب الإماراتي، مع تعهّد هذه المرة بإجراءات عملية أكثر تقدماً تُترجِم التفاهم بين الجانبين، بعدما اقتصرت بدايةً على رفع الحظر عن عودة هادي إلى عدن. ولعلّ التصريحات التي أدلى بها، أمس، وزير النقل في حكومة هادي، صالح الجبواني، تؤشر إلى بعض من تلك الإجراءات التي يُنتظر اتخاذها خلال الأيام المقبلة. إذ أعلن الجبواني عن زيارة مرتقبة للميسري إلى الإمارات، مضيفاً أنه سيسبقها «إيجاد حلول» لمشكلات مطار عدن الدولي، الذي قال إنه «ليست لدينا سيطرة عليه من الناحية الأمنية»، وإن «قوات تتبع أمن عدن (المدعوم إماراتياً) تسيطر عليه»، مستدرِكاً بـ«(أننا) اتفقنا على تفعيل المطار وتجاوز ما هو عليه».
فشلت التعزيزات التي استقدمها «التحالف» في إحداث اختراق في التحيتا


وإلى جانب ملف تنازع النفوذ والصلاحيات في عدن، يحضر ملف السجون السرية في المدينة كأولوية إماراتية تستوجب سرعة التحرك لتدارك الضجة الحقوقية المتواصلة حول هذا الموضوع. وعلى رغم أن وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، استبق زيارة الهاشمي بوصفه الحديث عن دور بلاده في السجون السرية بأنه جزء من «حملة تشويه ظالمة تتعرض لها الإمارات»، متهماً مبطناً قوى «شرعية» بالوقوف خلفه عبر قوله إن «مصدر (هذه) الأخبار الكاذبة والاتهامات الباطلة (...) تيارات سياسية عاجزة ميدانها فنادقها»، إلا أن التصريح بأن ملف السجون حضر خلال محادثات الوزيرة الإماراتية مع مسؤولي حكومة هادي، وتَرافقَه مع لقاء جمع «اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان» (المُشكلة من جانب الحكومة المذكورة) بمدير أمن عدن شلال علي شائع (المحسوب على أبو ظبي) لمناقشة مسألتَي السجون والمخفيين قسراً، ينبئان بأن ثمة توجهاً إماراتياً للفلفة القضية، إنما عبر تلبيسها لحلفاء الإمارات، و«بيع» ذلك لـ«الشرعية» على أنه تقوية لصلاحياتها بما يخدم في نهاية المطاف «وحدة الصف» في معركة الحديدة. تكتيك سرعان ما تُرجم بإعلان مدير أمن عدن استعداده للتعاون مع «اللجنة الوطنية» التي سلّمته كشوفات بأسماء بعض السجناء، بعدما كان نائب وزير الداخلية في حكومة هادي (ناصر لخشع) دعا أي عائلة لديها مفقود إلى تسجيل اسمه في مكتب إدارة أمن عدن، متعهِّداً بأن وزارته «ستبحث عنه».
ويأتي التحرك الإماراتي الجديد في عدن في أعقاب استئناف «المجلس الانتقالي الجنوبي» (المحسوب على أبو ظبي) حربه الكلامية على «الشرعية»، في ما بدا محاولة لاستغلال خفوت معركة الحديدة في العودة إلى دائرة الضوء من بوابة مهاجمة حكومة هادي. وتجلت آخر مظاهر تلك الحرب في كلمة ألقاها، أول من أمس، في عدن، رئيس «الانتقالي»، عيدروس الزبيدي، اتهم فيها حكومة أحمد عبيد بن دغر بـ«ممارسة تعذيب ممنهج ضد الشعب بهدف إخضاعه». لكن الزبيدي عاد وتحدث عن وساطة يقوم بها «التحالف» بين «الشرعية» و«المجلس»، قائلاً إن الأخير اختار طريق التهدئة «اختيار الأقوياء والمنتصرين»، في تبرير مسبق لأي تراجع عن التصعيد قد يُسجّل خلال الأيام المقبلة.
ميدانياً، وعلى رغم استقدام «التحالف» تعزيزات من «ألوية الحماية الرئاسية» التابعة لهادي إلى مديرية التحيتا جنوب محافظة الحديدة، إلا أن القوات الموالية له لا تزال عاجزة عن تثبيت موطئ قدم لها في المديرية. ونشرت قناة «المسيرة»، التابعة لـ«أنصار الله»، مشاهد من داخل مركز التحيتا تدحض حديث الإعلام السعودي والإماراتي عن سيطرة التشكيلات التابعة لـ«التحالف» على مدينة التحيتا، والتقدم منها إلى مدينة زبيد. وترافقت المراوحة في التحيتا مع تقدم للجيش واللجان الشعبية على جبهة القبيطة (جنوباً) حيث سيطر مقاتلوهما على جبل الركيزة المطل على الخط الرابط بين تعز ولحج، توازياً مع استعادتهم عدداً من المواقع في جبهة حمير بمديرية مقبنة في محافظة تعز. وإزاء تلك الوقائع، لم يعد لـ«التحالف» ما يدّعيه سوى تكرار الحديث عن «وجود خبراء أجانب يتولون تدريب عناصر ميليشيات الحوثي» مثلما قال أمس المتحدث باسم «التحالف» تركي المالكي، الذي اتهم «حزب الله» بالإسهام في «تشغيل مواقع مختلفة للقيادة والسيطرة في محافظة صعدة».