■ الشواطئ الشمالية من منظار وحدتها كحيز طبيعي متواصل، ومن منظار الاستعمالات الحالية للأراضيتوقَّفنا مطوَّلاً في الجزء الأول من هذا البحث (الأخبار 28/6/2018)، عند المحَّطات الأساسيّة في تشريعات البناء والتنظيم المديني عندنا. وقوَّمنا بالنقدِ وبالمقارنةِ، المرسومين اللذين نظَّما الشواطئ الشمالية 4809 و 3362 (مع بعض التعديلات التي طالته)، معطوفَينِ دائماً على المرسوم 4810، الذي نظَّم إشغال الأملاك العامة البحرية. فكيف تبدو منطقة الشواطئ الشمالية اليوم؟ هل من تصوّر لحل الإشكاليات التنظيمية المطروحة؟ وهل من رؤية موضوعية لتنظيم هذه الشواطئ!؟
سلعاتا: المغاور الموجودة. متحف انسان العصر الحجري

-1- الحيز الطبيعي والاستعمالات الحالية للأراضي
يبدو حيِّز الشواطئ الشمالية شريطاً طويلاً، ضيقاً، منبسطاً ومحصوراً طوبوغرافياً. ويقاربُ طولُ هذا الحيِّـز الـ 130 كلم، فيما لا يتجاوز عرضه الكيلومتر الواحد، مع بعض الاتساعات النسبية. وإذا نظرنا إلى النتوء البارز لمدينة طرابلس ومينائها في البحر (وهـي خارج اهتمامنا)، يمكننا أن نقسم هذا الحيز الشريطي الطويل، انطلاقاً من شكله، وخصائصه الطبيعية، والاستعمالات الحالية للأراضي فيه، إلى قسمين:
• قسم شمالي، يمتدُّ من البدَّاوي حتى الحدود في سهل العريضة، ويتصف من حيث الشكل بكونه أكثر أتساعاً، خاصة في منطقة عكار.
• قسم جنوبي، يمتد من كفرياسين – طبرجا جنوباً إلى الحريشة شمالاً، عند حدود بلدة القلمون.
-2- في القسم الشمالي الذي حددناه، نستطيع، انطلاقاً من المعايير كما ذكرناها، أن نلاحظ وجود منطقتين، بميِّزات، ووظائف مختلفة:
1-2- المنطقة الأولى، والرؤية الموضوعية لتنظيمها.
المنطقة الأولى، الممتدة من دير عمار- المنية حتى مصب نهر البارد (1)، هي منطقة زراعيـة أساسـاً، وغنية بآثارها التي تعود إلى العهود الفينيقية والعربية والمملوكية والعثمانية. اخترقها الاوتوستراد، فمَّزق الأراضي الزراعية. وانتشرت فيها أثناء الحرب وبعدها وبعد الطائف أيضاً، بعضُ الصناعات الحرفية، مثل الحدادة، وميكانيك السيارات وطلائها... إلخ، والكثير من النشاطات التجارية. فازداد عدد سكَّانها بشكلٍ ملحوظٍ، رغم الهجرة الكبيرةِ إلى أميركا وأستراليا. وانتشر البناءُ المبعثر، بين البساتين وعلى جانبي الأوتوستراد، والطريق الدولي القديم. وبدا الاختلاط فاقعاً بين الزراعةِ والبناء. هُدرِتْ الأراضي الزراعية، ولم يقم في البلدةِ، أي في المنية، نسيجٌ مدينيٌّ مُتماسِك. لذا يبدو من المفضَّل أن يتم تكثيفُ البناءِ في الأماكنِ حيثُ يوجدُ فيها الآن، وأن يُنَّظمَ التواصلُ، بين الجزر المبنية المتكاثرة وسط الأراضي المزروعة. وربما يتمُّ تحقيق ذلك، بتحفيز البناء في وسَطِها، بين الأوتوستراد والطريق الدولي القديم، واعتمادُ منطقتين عازلتين، الأولى في النصف الشمالي من بلدة المنية، والثانية عند حدودها الجنوبية في منطقة عرطوسي.
والمنطقتان المذكورتان، هما منطقتان زراعيَّتان بالأساس، ومن المفضَّل أن تُحافظا على هذه الصفة.
وربَّما ساعد تكثيفُ البناءِ في وسطِ المدينةِ، في نشوءِ نسيجٍ عمرانيٍّ متماسكٍ، يرقى بدورها بكونها مركزاً تجارياً، ومركزاً حرفياً، ومركزاً لتجمُّعِ مواقعَ أثريَّةٍ مهمّة.
2-2- المنطقة الثانية، والرؤية الموضوعية لتنظيمها.
أما المنطقة الثانية، فهي المنطقة الشاسعة، الممتدة من مصب نهر البارد، إلى الحدود الشمالية في العريضة. ولهذه المنطقةِ، خصائصُها الطبيعيَّة التي تجعلها شديدة الاختلاف عن باقي مناطق الشاطئ. والاستعمال الحاليُّ للأراضي فيها، يكادُ يكونُ محصوراً بالزراعة، أو ببعض النشاطات المرتبطة بالبحر، مثل صيد السمك في العبدة، واستخراج الملح من مياه البحر في الشيخ زناد.
لذا يبدو من الطبيعي تصحيح ما جاء في المرسوم 3362، الذي خصَّص كامل واجهة المنطقة البحرية للسياحة، وللمؤسسات السياحية.
فالواجهةُ البحرية للمنطقة، تتكوَّنُ من كثبانٍ رملية غير مثبتة، تعرَّضت وتتعرَّضُ دائماً، للسطو. كما أن العواصف يُمكِنها أن تُحدِثَ فيها تغييرات كبيرة.
لذا وجب:
■ حماية الشاطئ الرمليِّ المهَّدد على امتدادِ الواجهةِ البحريَّةِ، ومنعِ أيِّ عمرانٍ ثابت فوقه.
■ المنعُ الحازم للسطو على الرمال، والمبادرةُ إلى تثبيتها بالوسائلِ الفنية الملائمة.
■ جعلُ هذا الشريطِ المُثبتِ والمحميِّ، فاصلاً يحمي السهل الزراعي الممتدَّ شرقه.
■ حمايةُ السهلِ الزراعيِّ، واختيار الزراعاتِ الملائمة، مناخياً واقتصادياً.
-3- أما في القسم الجنوبي الذي حدَّدناه، والممتد من الحريشة حتى حدود طبرجا – كفرياسين، فإننا نلاحظ، انطلاقاً من المعايير التي ذكرناها سابقاً، وجود ثلاث مناطق مميَّزة:
• الأولى، من الحريشة حتى حدود بلدة البترون في جنوبها.
• الثانية، من حدود بلدة البترون حتى بداية بلدة عمشيت في شمالها.
• الثالثة، من جنوب عمشيت حتى طبرجا، نخص بالاهتمام، الجزء الممتد جنوباً حتى قرطبون.

البترون. النسيج المديني. التراثي والمضاف

-3-1- المنطقة الأولى والرؤية الموضوعية لتنظيمها.
المنطقة الأولى، من الحريشة حتى البترون، يمكنها أن تشكِّل حيزاً مميزاً، يصلحُ لصياغة تنظيم ٍنموذجيٍّ، بمراكزَ جذب ٍمتعددةٍ، متكاملةٍ، لكل مركز ٍدورُه وخصوصيَّاته.
• وقوة الجذب في أنفه، هي البلدة بكاملها، وبمكوِّناتها التي تصنع هُويتها وفرادتها.
• فهي موقع جغرافي ممَّيز، برأسها الناتئ في البحر، وبعلاقتها التاريخية به.
• وهي بلدةٌ تاريخيَّة، تتراكَم فيها الآثار، يعود بعضها إلى الألف الرابع قبل الميلاد، ثم إلى العهد الفينيفي، فالروماني، فالبيزنطي، فالصليبي، فالمملوكي ... إلخ.
• وهي بلدةٌ فيها كنائس تاريخية، بيزنطية وصليبية، تستعمل إلى الآن.
• وفيها منازلُ تراثية، ذات قيمة معمارية فريدة.
الرؤية التنظيمية الموضوعية، تقترح اعتبار رأس الشقعة ثروة وطنية لكل اللبنانيين


• وفيها خاصة، ذلك السحر العفوي الرائعُ، الذي يصنعُ جمالَ أحيائها السكنية الداخلية التي تحوط الكنائس، وتُلاصِقُ الآثار، وتعشق البحر منذ عقود، وتتجمَّع خلايا حيَّة حولَ زواريبَ ضيقةٍ، تُطِلُّ عليها أبوابُ البيوت.
• ومن الصعب تصوُّر بلدة أنفه، محرومةً من الحرفِ الثلاث التي يمارسها أهلها.
وقد ساهمت الحرفُ الثلاث هذه، في صنع هويتها:
• حرفةُ استخراج زيت الزيتون، من بساتينِ الزيتون التي تحوطها من كل صوب، وتصنع جزءاً من سحـرها (من الحريشة شمالاً حتى شكا جنوباً).
• حرفةُ استخراج الملحِ من مياه البحر. وفي رأس الناطور أكبرُ تجمُّعٍ للملاحاتِ لا يزالُ منتجاً، يليه تجمُّع الملاحاتِ في الشيخ زناد، في عكار.
• حرفةُ صيد السمك.
• من الصعبِ تصوُّر هذه البلدةِ العريقةِ خاليةً من الحرفِ الثلاث هذه.
كما أنه من الصعب خاصة، تصوُّر مشهدها العمراني العام، بدون ملاحاتها، وبدون حقول الزيتون فيها، وبدون مرفأ صَّياديها، وبدون منازلها العتيقة.
تماماً، كما أنه من المستحيل تصوُّر بلدة أنفه بدون آثارها، وكنائسها، وكل ما يصنع قيمتها التاريخية.
إنها الثروةُ الحقيقيةُ، ومصدر الجذبِ الفعليِّ المميِّز.
إنها ثوابتُ، تُحافظ عليها كلُّ رؤيةٍ موضوعية تتصدى لتنظيم هذه المنطقة، وتَبني عليها:
■ فتوسِّع الساحات العامة أمام الكنائس، تربُط البلدةَ بالبحر.
■ ترسمُ المساراتِ المتعرِّجة داخل الأحياء، وتجعلُ منها أمكنة تنزُّه. ثم تمدُّها لتتجاوز الطريق الدولي، فتربُط البلدةَ القديمةَ بالخلايا السكانية التي تنمو شرقها.
■ تخصُّ بالاهتمامِ، مساراً مميزاً يربط ساحة الكنائس، بالمغاور التاريخية الموجودة في الهضبة شرق البلدة، وبمجمَّع دير مار يوحنا الموجود على راس مرتفعٍ هناك.
■ ثم تُزيلُ «السنسول» المستحدث عند بوَّابة «القلعة»، وتشيِّد مرفأً للصيادين في منطقة البيادر قرب ساحة البلدة الرئيسة أو في أي مكان ملائم آخر، وتعزِّزه بتجهيزات مكمّلة مثل سوق السمك، والمطاعم المتخصصة، والدكاكين. كما ترفُده بزوارقَ صغيرةٍ، للنزهاتِ البحريَّةِ حول القلعةِ، وصولا ً إلى ديرِ الناطور والملاحَّات.
■ تقيم متحفاً للملح، وآخر للزيتون وزيته، بالتعاون مع وزارتي الاقتصاد والبيئة.
■ تحرص، على أن تبقى المباني في البلدة من ثلاثة طوابق، وعلى أن تـُطلى كلُّها، باستثناء المباني المكسوة بالحجر الصخري أو الرملي، باللون العاجي، أو باللون الرملي، أو باللون الكلسي الأبيض.
■ كما تحرصُ، على أن تتضمَّن أنظمة البناء المعمول بها داخلَ البلدةِ القديمةِ، شروطاً خاصَّة تسمحُ بالتلاصُقِ عند إعادة البناء، وبعدم التراجع عن حدود الطرقات الداخلية، بما يسمح بتجديدِ النسيج العمرانيِّ، دون الإساءَة إلى طابعه المميز.
■ تربط الطرقات الزراعية الموجودة، وتحوِّلها إلى طريق التفافي يزنِّر البلدة، ويرسمُ حدودَ التمدُّد العمراني فيها، ويحمي بالتالي حقول الزيتون. دون أن ننسى، أن المنطقة الصناعيةَ قد التهمت جنوب أنفه بكامله. ومن الملحِّ استرجاعُ جزء ٍمن منطقة الاشغال الصناعي، إلى الإشغال السكنيِّ العادي.
■ على الرؤية التنظيمية الموضوعية، التي تتصَّدى لتنظيم هذه المنطقة، أن لا تقع في أوهام المجمَّعات البحرية الضخمة التي لم تأت خلال العقود الطويلة الماضية، رغم كل المحفِّزات.
إلا أن أنصار تعميمِ المجمَّعات البحريةِ في كامل الشاطئ، «يزفُّون» إلينا، أنه، وبعد طول انتظار، سيُطلُّ علينا في منطقة سيدة الناطور، مجمَّع بحريٌّ ضخمٌ يدعُمه مجلس الوزراء بمواجهة كل الاعتراضات. يلتهِم كل الملاحات هناك، ويلتهمُ معها واحدةً من مميزات أنفه الرئيسة، ومن بيئتها البحرية التاريخية الرئيسة. ويُعدِمُ أحد أوجه الإنتاج فيها: إنتاج الملح.
سيجرِّد المجمَّع البحري هناك، أنفه، من نصف هويتها.

أنفه. صورة جوية للبلدة القديمة.علاقتها العضوية بالبحر

• تبدو بلدة البترون في الطرف الجنوبي لهذه المنطقة، مركز استقطاب ممَّيزاً.
تتعدَّد فيه أوجهُ الجذب، وتتنوع المحفِّزات والقدرات، التي من شأنها، لو أُحسِنَ استخدامُها، أن تُسهِم في تطوُّرِ هذه المنطقة بفعاليةٍ ربما فاقت فعالية جارتها، أنفه.
ــــ في البترون، موقِعُها المميَّز، تُطلُّ منه على البحرِ بارتفاعٍ ملائمٍ فوق منسوبِ مياهه. وتنسُجُ معه علاقةً خاصة عبر أدراجٍ ومنحدراتٍ تُوصلُ إلى المرفأ، وإلى الصخور الرملية. كما تُطلَّ منه على التاريخِ المجسَّد بالسورِ الفينيقي المعمِّر.
ــــ وفيها بالتالي تاريخُها. إنها مدينةٌ تاريخيَّةٌ بامتياز.
وفي سلعاتا قبالتها، مغاور إنسان العصر الحجريِّ للألفِ الرابع قبل الميلاد. آثارُ العصور الفينيقية، والرومانية، والعربية، والصليبية، (كبا والمسيلحة)، وبجوارها رأسُ الشقعة، وديرُ سيدة النورية الشهير، وقبله وادي نهر الجوز بكل قيمته البيئية، والتاريخية.
ــــ وفيها إلى ذلك كلهِّ قلبُها، المدينةُ التاريخيَّة التراثية، بكنائسها المعمِّرة، وبمنازلها تحوطها الحدائق خلف الأسوار، وبأسواقها القديمة، بعمارتها، وبنسيجها المديني المتجانس الجميل.
ــــ تحتلُّ المدينةُ القديمةُ معظم الواجهة البحرية لبلدة البترون. وهي مسكونةٌ. والسكن فيها مميَّز، في نسيج مديني فريد، هو أحد عناصر الجذب فيها. إذ توصِلُ الطرقاتُ الضيِّقة المتعرِّجة، السياراتِ إلى منازلَ تحميها الحدائقُ والأسوارُ.
ــــ والنسيج المدينيُّ في البترون، هو نقيض النسيج المديني في أنفه، وهو يُكمِلهُ بالتالـي اجتماعياً وجمالياً.
ذابت معظمُ البيوت التراثية في أنفه، تحت الطوابق التي أضيفت فوقها. فغابت معظمُ الحدائق، وأطلَّت كلُّ الأبواب على الزواريب في إلفة إسانية لافتة.
أما في البترون فإن الحدائق تحجب معظم الأبواب.
ــــ لا مصنَّعات متحفية هنا، بل تاريخٌ آهل بالسكَّان، ومن عوامل الجذبِ الأساسيةِ فيه، ناسه.
• وعلى المتصدي لتنظيم هذه المنطقة، أن يحافظ على هذه الميزة الفريدة التي تخزنها بلدة البترون القديمة. فلا يسعى لتحويلها إلى مدينة متحفية، سياحية، مشهدية، باردة، تملأها المطاعم والحانات، (كما حاول البعض لمدة زمنية قصيرة). بل يُبقيها مدينة مأهولة ً، يقطُنها سكَّانها، ويضخُّ فيها في الوقت ذاته، المتاحَ من عوامل الحياة الراهنة، ومن النشاطات الاقتصادية المنتجة.
آخذاً في الاعتبار، أن الثروة الأساسية هي في الحفاظ على القائم، وهو مصدر الجذب الأساسي، إنسانياً واقتصادياً.
• على المتصدِّي لتنظيم هذه المنطقة، أن يعمل على ضخَّ الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الأسواق القديمة، عبر وصلها عمرانياً ووظيفياً، بمراكز الثقل التجاري المستحدثة خارجها.
• والبترون الحديثة، البترون الراهنة هي:
■ مركز سياسي قبل كل شيء، ومركز إداري رسميّ، فهي مركز القضاء، ومقر القائم مقام.
■ وهي مركز تجاريٌّ ماليٌّ، يزورها يومياً ما يزيد عن 5000 متسوِّق. وتنتشر السوقُ على شريطين متعامدين، واحد بامتداد ساحة المدينة، والثاني من المدينة القديمة إلى المرتفعات في بسبينا.
■ وهي مركز لتجمُّع أصحاب المهن الليبرالية بأعداد كبيرة، مهندسون، محامون، أطباء… إلخ.
■ وهي مركز استشفاء وطبابة، ومركزٌ للأبحاثِ العلميـة، وللتعليـم. (مركز علـوم البحـار، مدارس كبيرة، وتلامذة بالآلاف).
■ وهي أيضاً مرفأٌ، وسوقٌ للسمك، وتجمُّعٌ للصيادين، وزراعةٌ للخضار في البيوت البلاستيكية وخارجَها، ولبعض الأشجارِ المثمرة.
■ وهي مركزٌ للمجمَّعاتِ البحريةِ جنوب البلدة. ومركزٌ لحرفٍ متعددة.
■ البترون هي إذاً كل ما ذكرت.
■ وعلى الرؤية التنظيمية الموضوعية:
■ أن تستثمر كلَّ عناصرِ الجذبِ الظاهرة، وأن تُبرِزَ أيضاً عناصر الجذب الكامنة.
■ عليها أن تحمي قلب المدينة التاريخي بآثاره، وبتراثه. وعليها، دون اللجوء إلى عمليات جراحية مدمِّرة، أن تؤهِّله، وتعزِّز قيمة َالسكن ِفيه.
■ عليها وهي تحمي هذا القلب، أن لا تحنِّطه، ولا تعتبره مُعطىً أثرياً لا يُقاربُ إلا بالترميم الجاف. بل على العكس من ذلك،عليها أن تُنظِّم ترميماً مرناً للمباني القائمة، وأن تسمح بتجديدِ القديمِ منها، مع الحرصِ على تماسُكِ النسيج القديم، ووحدته، وقيمته التاريخية.
■ عليها أن تعيد إلى القلب جزءاً من دوره، فتضخُّ فيه دماء الحياة الجديدة، يتحقق ذلك:
• عبر تطوير منطقة المرفأ، وإضافة كل التجهيزات المكمِّلة إليه كما في أنفه.
• وعبر استحداث منشآت ثقافية سياحية في محيط الآثار الفينيقية (المتحف في القلعة) ومنشآت تعليمية – سياحية، في منطقة المدرَّج الروماني، شرق ممر سكَّة الحديد.
• وعبر استحداث مساراتٍ سياحية– ثقافية– ترفيهية، تربُط الساحاتِ الموجودةِ أمام الكنائس، بالساحات الأخرى، وبالمرفأ، وبرصيفِ النزهةِ الملامِس للبحر.
• وعبر استحداث مسارات تعيد توحيد المدينة القديمة حتى حدودها شرق الطريق الدولي، وصولاً إلى تجمعات المباني التراثية عند ممر سكة الحديد، وفي الأحياء ذات النسيج المديني الجميل، التي تحوط المدرَّج الروماني هناك.
• وعلى الرؤية التنظيمية الموضوعية، هنا في البترون كما في أنفه، أن تدرس بعناية ديناميكية تطور العمران في المدينة خلال نصف قرنٍ مضى، عبر قراءةٍ نقديةٍ لتصوُّراتِ المرسوم 3362 تاريخ 26/5/1972، وكل التعديلات التي طالته. فتعيد صياغة المخطط العملاني والوظيفي للمدينة، في ضوء فهم ديناميكية تطور العمران الظاهر على الأرض الآن.

رأس الشقعة. موقع طبيعي مميز فريد بكل مكوناته. إنه ثروة وطنية حقيقية

■ فتُحافِظُ على المواقعِ المشجرة في المرتفعات، وعلى الأراضي الزراعية عند مصب نهر الجوز، رئة للتنفس، بين البترون وكبا، وحمايةً لمجرى النهر.
■ وتنظِّم بناء المجمَّعاتِ البحريَّةِ على الشاطئ، بين البترون وكفرعبيدا، حيثُ هي قائمةٌ الآن.
■ وتشجِّع امتداد العمران، بموازاة الشريان التجاري الممتد من قلب المدينة باتجاه التلال في بسبينا.
■ وتلحظ طريقاً سياحياً ثقافياً، يوصل البلدة التاريخية بقلعة المسيلحة، وبوادي نهر الجوز.
• وتكتفي الرؤية التنظيمية الموضوعية، بأن تشجِّع قريةَ كبا الصغيرة كي تبقى كما هي الآن، شريكة بلدة البترون في توجُّهها لحمايةِ مصب نهر الجوز. كما تقترحُ عليها أن تُواصل تمدُّدها في السفوح الجرداء قبالة البترون، تاركةً المرتفعاتِ الصخريةِ شبه الجرداء، تحميها من رياح الشمال.
• كما تكتفي الرؤية التنظيمية الموضوعية، باقتراح إقامة متحف لإنسان العصر الحجري في مغاور سلعاتا، شرط محاصرة الصناعة فيها، وإرغامها كي تتحول إلى صناعة نظيفة، لا تلوث الأرض والمياه بسمومها. كما تقتطع جزءاً من أراضي الإشغال الصناعيِّ، وتُلحقه بالإشغال المعمول به في شاطئ حنوش.
• وتقترح الرؤية التنظيمية الموضوعية، إعادة زراعة شجرة الخروب في بلدة سلعاتا، وإعادة إنتاج دبس الخروب فيها.
• وربما لعب الشاطئ في حنُّوش، دوراً بارزاً في حماية رأس الشقعة من التعديات، ومن التلوث أيضاً، ومصدرهُ الصناعة في سلعاتا.
• فيبقى رأسُ الشقعةِ، موقعـــاً طبيعيـاً فريداً رائع الجمال، وواحـداً مـن الأماكن النادرة في الشواطئ الشمالية، التي تحافظ على خصائصها الطبيعية الأصلية على اليابسة، وفي محيط الشاطئ.
ورأس الشقعــة، غني بالتنـــوع البيولوجي. إنه واحـــد من الأماكـــن القليلـــة المتبقية، التي تعيش فيها النباتات البحرية المتقدمة، كما توجد فيه ينابيع مياه عذبة وعدة كهوف.
وهو واحد من الأماكن التي تعيش فيها نباتات مستوطنة كشجرة الخروب.
إن هذا الجزء من الشاطئ، يوفِّر مناطق آمنة لأعشاش الطيور المقيمة، وللطيور المهاجرة.
والرؤية التنظيمية الموضوعية، تقترح رعاية رأس الشقعة بعناية خاصة، واعتباره ثروة وطنية لكل اللبنانيين، وحمايته بشكل ملائم، بالتعاون بين دير سيدة النورية، ومجلس بلديـة حامات، وبرعاية وزارة البيئة. مع التشديد على ضرورة تحريج المطلات وسفوحها، حيث يكون ذلك ممكناً، للحؤول دون انزلاقها.
■ أما حالة الشاطئ الممتد من الهري إلى آخر شكا، عند أطراف بلدة أنفه جنوباً، فهي نقيض حالته في حنوش، عند رأس الشقعة.
■ فقد اعتدت المجمَّعات على الأملاك العامة البحرية دون استثناء، ومزقت الشاطئ، وجزأته إلى نواد مغلقة، كما هي الحال تماماً في شاطئ نهر الكلب - طبرجا، أو في شاطئ طرابلس - القلمون. والتدخل المتاح في هذا الجزء من الشاطـئ، لأي رؤيـة تنظيمية موضوعية، ينحصر في تنظيم بناء المجمَّعات البحرية الجديدة، وفي الحد من التعدِّي على الأملاك العامة البحرية، وفي حماية الطرقات المؤدية إلى الفسحات المتبقية على الشاطئ، خارج النوادي المغلقة.
■ أما الباقي من الشاطئ وهو الأساسي، فقد التهمته الصناعة.
■ يبقى أن نقول في هذا الصدد أن الهري، هي قرية صناعية غير مأهولة تقريباً في فصل الشتاء، وتتحوَّل صيفاً إلى قريةِ اصطيافٍ تَعجُّ بالمصطافين، مُعظمهم من الكورة وزغرتا. يأتون في بداية الصيف، ويرحلون في بداية الخريف، وتكاد تفرغ القريةُ برحيلهم.
وفي القرية في فصل الصيف شحٌّ في الكهرباء، وفي الماء، وأعطال دائمة في الهاتف، وازدحام خانق للسيارات، وتلوث فاقع لمياه البحر بالمياه المبتذلة، وللأراضي المحيطة بالنفايات.
■ أما بلدة شكا فهي بلدة صناعية تقليدية، يسكنها أهلُها الأصليون، ويؤمها يومياً أعدادٌ كبيرة للعمل وللتجارة. إنها مركزٌ لصناعاتٍ كبيرة، ومركزٌ تجاريٌّ هامٌّ، ومركزٌ ماليٌّ هامٌّ أيضاً.
يتمدَّد العمرانُ في البلدةِ، داخل جزرٍ تحدِّدها طرقاتٌ موازية للطريق الدولي بيروت – طرابلس، وأخرى متعامدة معها.
وتتكرَّر جزر البناء هذه، بين محورين من الغرب إلى الشرق:
طريق الأرز القديمة، وطريق أميون، إهدن، الأرز الجديدة.
وتشكل المحاور الثلاثة هذه، الطريق الدولي، وطريقا الأرز، الشرايين التجارية للبلدة.
والطابع السكني هو الطابع الغالب على النسيج المديني فيها.
■ وعلى الرؤية التنظيمية الموضوعية، أن تسعى في بلدة شكا لتحقيق أربعة أهداف:
■ وقف البعثرة في انتشار البناء.
■ عدم المبالغة بالصفة التجارية المعطاة للطريق الدولي طرابلس – بيروت الذي يخترق البلدة، عَبْرَ تعديلٍ للأنظمة الارتفاقية المعمول بها هناك.
■ تشجيع توجه العمران باتجاه التلال عند ملتقى طريقي الأرز.
■ منع البناء في التلال المشرفة على البلدة، بجانب طريق أميون.
ذابت معظمُ البيوت التراثية في أنفه، تحت الطوابق التي أضيفت فوقها


-4- المجمعات البحرية الكبيرة، والصناعات، نقاط ضعف أساسية على الشاطئ.
المجمعات البحرية إذاً، في الهري وفي طرف أنفه الشمالي، هي نقطة ضعف أساسية في هذا الجزء من الشاطئ. إلا أن نقطة الضعف الكبرى فيه، هي صناعة الكيماويات في سلعاتا، وصناعة الإسمنت ومشتقاته، في الهري وفي شكا.
× بديهيٌّ القولُ إن هذه الصناعات هي صناعاتٌ مُنتجة، تُسهم بفاعليةٍ في زيادة الدخل الوطني، وهي تخلُق فرصاً للعمل. إلا أنها في الوقت ذاتِه، من أهمِّ مصادرِ تلويثِ الأرضِ، والبحرِ، والهواءِ، بالفضلاتِ، وبالسوائلِ، وبالغازات السامة.
■ وتـُمعنُ صناعة الإسمنت في تشويهِ مشهدِ التلال المطلة على البحر حيث أقامت محافرها. كما تمعن أيضاً بنقل التراب الأحمر من سهل الكورة المكسو كلياً ببساتين الزيتون.
■ وعلى الرؤية التنظيمية، الشاملة والموضوعية، أن تسعى إلى تحقيق عدة أهداف عامة أهمُّها:
■ الحدُّ من توسيع غير مفهوم لمساحات المناطق الصناعية، بمحاصرتها في سلعاتا، في شكا، وفي أنفه. وباقتطاع أجزاء منها حيث يبدو ذلك ممكناً.
■ المساهمةُ في إخضاع هذه الصناعاتِ، للشروطِ الفنية وللنصوص القانونية، الكفيلةِ بتحويلها إلى صناعات نظيفة.
■ المساهمةُ في إلزام هذه الصناعات، بتحمُّل قسمٍ من كلفة إعادة تنظيم المنطقة، كتعويضٍ عن الأَضرارِ التي ألحقَتْها بها.
■ المساهمةُ في إلزام هذه الصناعاتِ، بإعادة تأهيلٍ فوريَّةٍ، للمحافرِ التي شوَّهت مشهد الهضاب المُطلَّة على البحر.
■ المساهمةُ في منع السطو على التربة الحمراء في سهل الكورة.
* معماري لبناني
(1): نشير إلى أن مخيم نهر البارد، الذي دمّر وأعيد بناؤه، هو خارج البحث