القاهرة | بدأت الحكومة المصرية الاستعداد للتعامل مع التحرير الكامل لأسعار المحروقات بحلول نهاية العام المالي الحالي، من خلال خطة للتعامل مع آلية تحديد مشتقات الوقود خلال الفترة المقبلة، بما يضمن عدم تحميل موازنة الدولة أية أعباء مالية، بصرف النظر عن الاضطرابات السائدة في السوق العالمية.وتسعى الحكومة في الوقت الحالي إلى الانتهاء من تقييم العروض المقدمة للتأمين من مصارف وشركات كبرى، حيث تتجه وزارة المالية للموافقة على التعاقد بسعر 70 دولاراً للبرميل خلال السنوات الثلاثة المقبلة، ما يضمن استقراراً في الأسعار، بالرغم مما يحمله ذلك من خسارة للدولة في حال تراجع أسعار النفط عالمياً إلى ما دون الخمسين دولاراً للبرميل، كما كانت الحال من قبل، وهو ما يُبحَث بنحو مستفيض داخل قطاعات حكومية عدة، في خطوة يرى اقتصاديون أنها تأخرت كثيراً.
وتفاضل الحكومة بين طريقة الشراء المثالية في الوقت الحالي، سواء عبر التعاقد بنظام خيار الشراء أو العقود الآجلة، حيث تُجرى الدراسات على الطريقة المثالية للشراء، في وقت تميل فيه الآراء إلى التعاقد بنظام العقود الآجلة، التي تتضمن الاتفاق على شراء كميات محددة على فترات زمنية واضحة، وبالتالي في حال انخفاض الأسعار، لن تستفيد الحكومة المصرية منه بشيء.
وتخفض الحكومة ميزانية الدعم الموجه إلى الوقود منذ عام 2014، ملتزمة برنامجاً اقتصادياً سلّمته لصندوق النقد، يتضمن إنهاء دعم الوقود (في ما عدا البوتاغاز) اعتباراً من العام المالي المقبل، مع التوسع في برامج الحماية الاجتماعية للفئات الأقل دخلاً، لتخفيف آثار تحرير أسعار المحروقات، فيما ألغت مشروعاً كان يفترض أن تنفذه لتوزيع المحروقات عبر حصص للمواطنين لتجنب توافر السلعة بسعرين في السوق.
ولا تفضّل وزارة المالية المصرية تطبيق سياسة متغيرة في أسعار المحروقات بشكل يومي مع التحرير الكامل بنهاية العام المالي الحالي، نظراً لصعوبة تنفيذ ذلك على أرض الواقع والعقبات الإدارية التي قد تنجم عن تلك الخطوة، وبالتالي فهي تفضل خلق سعر ثابت للمحروقات.
وبالرغم من أنّ تقرير فريق بعثة صندوق النقد الدولي بشأن المراجعة الأخيرة للإصلاحات الحكومية، قد أشاد بالاقتصاد المصري، إلا أنه حذّر في الوقت ذاته من مخاطر تتصل بأعباء السياسات الاقتصادية وتداعياتها المجتمعية، وكذلك المخاطر الخارجية الناجمة عن سياسات لا دخل للحكومة المصرية بها، ولا طاقة لها على احتوائها، ومنها سياسات الانكفاء على الذات، والاتجاه نحو الانغلاق، والحروب التجارية، التي تعطي حافزاً للتدفقات الأجنبية لكي تعود أدراجها إلى مواطنها، ما يهدد بخروج الاستثمارات الأجنبية، علماً أن مرونة سعر الصرف في مصر، وتحسّن المناخ الاقتصادي نسبياً باتا يشكلان عنصري توازن أمام تلك الضغوط.
حذّر «صندوق النقد» من مخاطر تتصل بأعباء السياسات الاقتصادية


وطلب صندوق النقد الدولي من الحكومة المصرية دراسة الطريقة المثلى للتعامل مع مسألة تسعير الوقود التلقائي بناءً على الورقة التي أصدرها في كانون الأول عام 2012، والتي ناقشت الصعوبات التي تواجه الاقتصادات الناشئة، نتيجة التقلب في أسعار الوقود، والتي تتضمن حثاً حكومياً على زيادة الإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية.
الورقة تدور حول الضغوط الكبيرة التى تواجه الاقتصادات النامية مع استثناء منتجات الوقود التي تستهلكها الفئات الأكثر احتياجاً (مثل السولار) قدر المستطاع، مع أهمية أن يؤجل تطبيق الآلية التلقائية فى تسعير الوقود إلى حين انخفاض معدلات التضخم، وتراجع الأسعار العالمية للوقود بصورة ملحوظة، حتى لا يكون أثر تمرير الأسعار إلى الأسواق المحلية عنيفاً.
يأتي ذلك، في وقت يواجه فيه الاقتصاد المصري المشكلة التي تواجه الأسواق الناشئة اقتصادياً، بعد تزايد معدلات الفائدة على أذونات الخزينة، ما دفع وزارة المالية إلى التراجع عن طرح سندات خزينة جديدة قبل أيام، وذلك عقب تسجيل عوائد أذونات الخزينة وسنداتها أعلى مستوياتها في عام واحد، خلال الأسابيع الماضية.
وتلجأ الحكومة المصرية في الفترة الحالية إلى التفاوض مع جهات تمويل دولية للحصول على قروض ميسّرة طويلة الأجل لسدّ جزء من الفجوة التمويلية خلال العام المالي الحالي، علماً بأن الدولة تواجه عجزاً في ميزانية العام المالي تقدَّر على الأقل بمليار دولار مع استمرار تطبيق الإجراءات الاقتصادية خلال الأشهر المقبلة، ومنها طرح شركات حكومية رابحة في البورصة عبر توسيع قاعدة ملكية هذه الشركات، مع احتفاظ الحكومة بالحصة في غالبيتها مثل شركة «الشرقية للدخان».
وزير المالية محمد معيط، أكد أن الحكومة تبحث عن بدائل أقل تكلفة من إصدار أدوات دين محلية ودولية عقب ارتفاع أسعار العائد عليهما، مؤكداً أن هذا الأمر يُعَدّ تغييراً في استراتيجية الدين العام بسبب التغيّرات التي لم يظهر مدى تأثيرها بوضوح على مصر عند وضع الموازنة، مثل خروج الاستثمارات الأجنبية من الأسواق الناشئة، والاضطرابات المالية في الأرجنتين، التي من المحتمل أن تصل إلى البرازيل وجنوب أفريقيا.
وأضاف في تصريحات صحافية لنشرة «إنتربريز» الاقتصادية أن وزارة الاستثمار تجري مفاوضات مع جهات تمويل دولية، ومنها وكالة التنمية الفرنسية والوكالة اليابانية للتنمية والبنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية والبنك الأفريقي للاستيراد والتصدير، بهدف الحصول على تمويلات طويلة الأجل تصل إلى 30 عاماً بسعر فائدة يراوح بين 1 و2 في المئة، لسدّ جزء من الفجوة التمويلية خلال العام المالي الحالي.
ورفض الإفصاح عن حجم تلك التمويلات الميسرة إلى حين الانتهاء من المفاوضات.
وأكد الوزير المصري أن الوضع غير مناسب حالياً لطرق أبواب الأسواق العالمية، لكنه شدد على أن مراقبة السوق ستتواصل قبل اتخاذ أي قرار، لافتاً إلى أن إجمالي حيازة الأجانب لأدوات الدين الحكومية وصل حالياً إلى ما دون 19 مليار دولار، علماً بأن الحكومة اتفقت مع البنك الدولي على تمويل برنامج الإصلاح الاقتصادي بقيمة ملياري دولار على عدة سنوات.
وفي الوقت الذي بدأت فيه الحكومة تطبيق ضريبة التأمين الصحي على السجائر، هددت شركات تبغ عالمية بتجميد خطتها التوسعية في مصر خلال الفترة المقبلة، وذلك بعد ارتفاع أسعار السجائر، وتوقعات تراجع معدلات الشراء والاتجاه لنوعيات أخرى أرخص خلال الفترة المقبلة، حيث فشلت محاولات ممثلي الشركات مع وزارة المالية، التي طالبوا خلالها بتعديل الشرائح الضريبية للسجائر كي لا تتعرض نوعيات محددة لخسائر كبيرة نتيجة نسبة الضرائب المفروضة على المنتجات.