الخرطوم | في أول زيارة خارجية بعد انطلاق ولايته الرئاسية الثانية في بداية الشهر الماضي، حطّت بعد ظهر أمس طائرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الخرطوم، في زيارة تستمر ليومين، يرافقه خلالها وفد عالي المستوى يضم وزراء الخارجية والدفاع والري والموارد المائية والزراعة، علماً بأنّها المرة الخامسة التي يزور فيها السيسي السودان منذ توليه السلطة في مصر.أول من أمس، كان السفير المصري لدى الخرطوم أسامة شلتوت قد أعلن أنّ من بين ما ستناقشه الزيارة قضايا سياسية وتجارية، إلى جانب تفعيل عدد من الاتفاقات، منها الربط الكهربائي وفتح المعابر، بالإضافة إلى التباحث في شؤون أمن البحر الأحمر والأمن المائي المهدد إقليمياً، وملفات جنوب السودان وليبيا. في الأثناء، يبدي مراقبون اعتقادهم بأنّ مدة الزيارة تشير إلى «إصرار الجانب المصري على عدم العودة بأنصاف الحلول». ووفق مصدر مطلع تحدث إلى «الأخبار»، فإنّ «حدوث التقارب الإثيوبي ـــ الاريتري أخيراً، عجّل في أهمية التواصل بين السودان ومصر، وبضرورة التوصل إلى تفاهمات مشتركة في ملف سد النهضة الذي سيكون الأبرز بين الملفات التي سيبحثها الرئيسان، لا سيما بعدما أكمل الجانب الإثيوبي أكثر من 70% من مخططات تشييد السد».
تستثمر القاهرة ورقة التقارب الإثيوبي الإريتري للضغط على الخرطوم


ويقول مصدر مطّلع إنّ القاهرة تستثمر حالياً ورقة التقارب الإثيوبي الأريتري للضغط على الخرطوم، خاصةً أنّ الأخيرة لا يريحها كثيراً هذا التقارب، على عكس القاهرة. ولا يستبعد المصدر نفسه أن تكون «التحالفات والصراع في القرن الأفريقي وشرقه حاضرين بقوة ضمن أجندة السيسي في الخرطوم؛ فمن ناحية هناك الحلف التركي القطري، ومن ناحية أخرى هناك الحلف السعودي الإماراتي المصري، والمحاولات لا تزال قائمة لسحب السودان نحو المعسكر الأخير».
بخصوص «سدّ النهضة»، يشرح الخبير لدى «البنك الدولي» سلمان محمد سلمان، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ النقطة المتبقية في هذا الملف، والتي تحتاج إلى توافق بين الدول الثلاث، هي مسألة ملء بحيرة السد التي تبلغ سعتها التخزينية 74 مليار متر مكعب من المياه، أي أقل من نصف سعة بحيرة السد العالي. ووفقاً لسلمان، فإنّ مصر تسعى إلى إطالة مدة ملء البحيرة للتقليل من تأثير ذلك على حصتها من مياه النهر، فيما كانت الحكومة الإثيوبية تسعى لملء السد في أقصر مدة زمنية، بغية الاستفادة وتشغيل السد بكامل سعته التصميمية. ويوضح: «كلما قصُرت فترة ملء البحيرة، قلّت المياه المنسابة من إثيوبيا عبر نهر النيل الأزرق إلى السودان ومصر... وتقلّ هذه التأثيرات مع طول مدة ملء البحيرة».
جدير بالذكر أنّ زيارة الرئيس المصري إلى العاصمة السودانية تأتي في أعقاب عودة التعاون الأمني بين البلدين، الذي ظهرت إشاراته إثر منع السلطات في القاهرة أخيراً زعيم «حزب الأمة» المعارض، الصادق المهدي، من الدخول إلى أراضيها عقب مشاركته في مؤتمر للمعارضة السودانية المسلحة في برلين. ووفق مراقبين، فبالإضافة إلى ما يؤشر إليه منع المهدي، فإنّ تعيين ياسر خضر، كسفير جديد للسودان لدى القاهرة، وهو محسوب على الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) في الخرطوم، «يصبّ في اتجاه تكريس مرحلة جديدة في العلاقة بين العاصمتين، أبرز معالمها عدم إيواء المعارضين». ووفق مصدر مقرّب من الحزب السوداني الحاكم، فمن المرجح أنّ النظامين «قررا التعامل ببرغماتية مع ملف المعارضة، وثمة تعاون أمني خاص مع المعارضين وصفقة لتبادلهم، خاصةً أنّ تسربيات رشحت في المدة الأخيرة عن طلب السلطات في السودان من قيادات من جماعة الإخوان المصرية مغادرة أراضيها، وهذا ما جعل السلطات في القاهرة تمنع الصادق المهدي من الدخول إلى أراضيها».