يحبس الجميع الأنفاس. ترقب ومتابعة حثيثة في واشنطن حيث الرهان يكبر في البيت الأبيض. الجولة الأولى من العقوبات على إيران تدخل اليوم حيّز التنفيذ، مترافِقةً مع غليان في طهران على المستويات كافة، واستنفار في مختلف المؤسسات، إلى جانب تحركات في الشارع تترافق مع تأهب أمني. ومنذ اليوم، تدخل إيران أكثر من أي وقت مضى مرحلة حساسة في مختلف جوانبها الأمنية والاقتصادية والسياسية والتجارية، عنوانها اختبار عمل حكومة الرئيس حسن روحاني، ونجاعة خططها البديلة للمواجهة.
يساور السلطات القلق من أي خضّة في الشارع تترافق والضغوط الخارجية (أ ف ب )

اقتصادياً، لمس الإيرانيون، وقبل عودة الحظر الأميركي، التأثيرات على العملة والاقتصاد عموماً. لكن من المتوقع أن تحدث الحزمة الأولى من إجراءات الحظر تأثيرات أكبر، خصوصاً أن العقوبات تشمل عمليات شراء الدولار الأميركي فضلاً عن الريال الإيراني، قبل حزمة ثانية في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، تشمل تصدير النفط. بدءاً من اليوم، أمام الحكومة الإيرانية استحقاق مستعجل، يتمثّل بالاستعاضة عن الدولار في التبادلات التجارية الخارجية، وأبرزها تصدير النفط. وهو ما يفترض أن الحكومة أعدت له مسبقاً، واستبقته ببعض الخطط الموائمة للمرحلة، من بينها استخدام اليورو في المعاملات التي لا تزال تُغطَّى بالدولار، وفي أمكنة أخرى مبادلة النفط بالبضائع. على أن تبقى المرحلة الحالية أقل صعوبة في المواجهة من المرحلة الثانية من العقوبات، حيث سيكون الضغط الأميركي أكبر على كلٍّ من إيران والدول المستوردة لنفطها، بغضّ النظر عن العملة المستخدمة.
وفي موازاة الاستنفار الأمني لمنع انعكاس ضغوط الحظر الأميركي في الشارع، أعلنت الحكومة، أمس، خطة جديدة لقواعد الصرف المالي الأجنبي. وبموجب الخطة، يلغى الحظر على مكاتب الصرافة لبيع العملة الصعبة بالأسعار الحرة لأغراض مثل السفر. كذلك، تسمح الخطة للمصدرين ببيع العملة الصعبة إلى المستوردين، مع عدم وضع سقف لتدفقات العملة أو الذهب الداخلة إلى إيران. في الأثناء، أعلن القضاء الإيراني اعتقال مساعد البنك المركزي لشؤون العملات، إلى جانب أحد الصرافين وأربعة من السماسرة. ولم يذكر المتحدث باسم السلطة القضائية، غلام حسين إيجئي، اسم المسؤول، لكنه أشار إلى أحمد عراقجي الذي عُزل قبل أيام من منصب مساعد المحافظ لشؤون العملات. واكتفى إيجئي بالقول إن الموقوفين يواجهون «اتهامات اقتصادية»، في إشارة إلى المسؤولية على خلفية ما شهدته البلاد من انهيار للعملة، وسط ما تردد عن أن تجاراً ومسؤولين في الداخل يتحملون مسؤولية تتراوح بين التواطؤ أو المشاركة أو التقصير أمام التلاعب بالوضع الاقتصادي.
أعلنت الحكومة الإيرانية خطة جديدة لقواعد الصرف المالي الأجنبي


أمنياً، وإن كانت الاحتجاجات لم ترقَ بعد إلى مستويات حساسة، لكن ذلك لا يمنع قلق السلطات في إيران من أي خضة في الشارع تترافق والضغوط الخارجية، وتتناغم معها في هدف إضعاف موقف النظام، إذ تتوسع مخاوف طهران بشأن التحركات الاحتجاجية في الشارع. ورصدت السلطات، وفق المتحدث باسم وزارة الداخلية، جهات خارجية تقف وراء الدعوة إلى الاحتجاج. وأشارت الداخلية إلى أن الدعوات إلى التظاهر لم تواجه «إقبالاً واسعاً... ولم نشهد إلا عدداً قليلاً من هذه التجمعات»، لافتة إلى أن من بين المحتجين «من أرادوا بالفعل طرح مشكلاتهم الاقتصادية، لكن العناصر الرئيسيين والمُحرِّضين لهذه التجمعات حاولوا استغلال الغلاء والوضع المعيشي لإثارة البلبلة»، فيما سياسة الحكومة تتمثل في «السيطرة على تجمعات كهذه بأقل نسبة توتر، وتسوية الموضوع عبر الحوار».
إلى حينه، ينظر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، نحو سياسته التي وضعها لـ«خنق» إيران بعين الرضى والتفاؤل، وهو يلمس تضرر الاقتصاد الإيراني. وكرر ترامب احتفاءه بنجاعة خطط الضغط على طهران، بالتنويه بأن «إيران واقتصادها تسوء حالتهما وبشكل سريع». هذا ما يعطي الرئيس الأميركي شعوراً بأن الإيرانيين سيحتاجون إلى التفاوض، لإبعاد آثار العقوبات. وبذلك، يبقي ترامب «الحوار»، يليه «اتفاق جيد»، هدفاً تحققه الآثار «المؤلمة» للعقوبات. لا شيء واضحاً في طهران بشأن إمكانية ملاقاة ترامب عند شكل من أشكال التفاوض مع الأميركيين. وكذلك، ليس ثمة ما يمنع مبدأ التفاوض، وفق جملة تصريحات من مسؤولين إيرانيين في الأيام الأخيرة. ومردّ الغموض الإيراني، بحسب البعض، اختلاف وجهات التيارات السياسية في طهران، فيما يُرجّح البعض الآخر انتظار وساطات وأطر جديدة لتفاوض «مناسب».
عدم استبعاد إمكانية تكرار تجربة مماثلة لتجربة كوريا الشمالية، ترجّحه طريقة التعامل الإيرانية مع التصعيد الأميركي. وهي تتمثل في رفع السقف مقابل التصعيد، والتلويح بأوراق القوة، وبينها إقفال مضيق هرمز، وكذلك البدائل التجارية والاقتصادية والعلاقات الإقليمية والدولية، فضلاً عن نقاط القوة للنفوذ الإيراني في المنطقة. وبذلك، تخفف طهران من طموح ترامب لمحاصرتها، وتجعل أي عملية تفاوض محصورة في أطر «معقولة» وأكثر واقعية، يكون معها الحوار على قاعدة متوازنة، لا تضطر معها إيران إلى تقديم تنازلات من جانب واحد أو التخلي عن الأوراق والمكاسب بلا مقابل. وفق قراءة البعض في طهران، فإن تحقيق هذا «التوازن» قبل أي تفاوض يبدو بلا نتيجة في ظل الإدارة الأميركية الحالية، بعد تجربة الانقلاب على الاتفاق النووي. وهو ما يجبر الحكومة الإيرانية على تركيز مواجهتها صوب إيجاد البدائل، وتحصين الداخل أمنياً واقتصادياً للتعايش مع الحظر الأميركي. وإذا كان هذا الخيار هدفه إحباط الرهان الأميركي على ضرب إيران من الداخل، فإنه سيبقى في اعتقاد كثيرين قراراً مرحلياً ينتظر التوقيت المناسب في طهران، لاستئناف حوار على حافة الهاوية، كالذي يخبره الإيرانيون جيداً ويجيدون اتباعه. على أن سلوك أي منحى تفاوضي، وبغض النظر عن التوقيت، سيبقى، وفق المواقف الإيرانية الرسمية، رهن عودة واشنطن إلى المربع الأول والتراجع عن سياسة الضغوط، والتخلي عن فكرة ترامب للتفاوض تحت نير العقوبات، الأمر الذي تتكفل الأشهر المقبلة بتبيانه، وإيضاح ما إذا كان الأميركيون على استعداد للتراجع خطوة إلى الوراء واتباع لغة مختلفة مع الإيرانيين، رغم غياب مؤشرات في واشنطن على توجه مماثل.



السعودية تتأهّب «نفطياً»
أعلن الحرس الثوري الإيراني إجراء مناورات عسكرية في الخليج في الأيام الماضية. ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن المتحدث باسم «الحرس»، رمضان شريف، قوله إن التدريب البحري «أجري بهدف ضبط وحماية أمن الممر المائي الدولي، وفي إطار برنامج تدريبات الحرس العسكرية السنوية». وأضاف شريف أن قائد الحرس الثوري، محمد علي جعفري، أبدى رضاه عن «التدريبات البحرية الناجحة للحرس»، مشدداً على الحاجة «إلى الحفاظ على التأهب الدفاعي وتعزيزه، وكذلك على أمن الخليج ومضيق هرمز لمواجهة التهديدات والمغامرات المحتملة للأعداء». وتأتي هذه التصريحات بعد إعلان القيادة المركزية الأميركية رصد أنشطة مكثفة للبحرية الإيرانية امتدت إلى مضيق هرمز. في غضون ذلك، وعشية دخول العقوبات الأميركية حيز التنفيذ، كشفت وكالة «بلومبيرغ» أن السعودية بدأت تخزين النفط للاستفادة من العقوبات الأميركية على إيران، عن طريق ملء صهاريج التخزين، تمهيداً لتعويض النقص المرتقب في الإمدادات.