حينَ جاهرَ الرئيس فؤاد السنيورة من منزل الرئيس سعد الحريري، في بيروت، بموقفه الرافض لدعم ترشيح ميشال عون لرئاسة الجمهورية، بدا كمن قرر أن يضحي بأي دور مستقبلي، وبالتالي الإكتفاء بالحفاظ على ألقابه «السابقة»، وأبرزها «دولة الرئيس». عزوفه عن الترشّح في الإنتخابات النيابية على لوائح «المُستقبل» في دائرة صيدا، شكّل خطوة في هذا الاتجاه. وقتذاك، كان صخب نادر الحريري في بيت الوسط أقوى من أي فراغ. مدير مكتب رئيس الحكومة (السابق) كان عنواناً لمرحلة معينة، ومن قرر معاكسة التيار ــــ المرحلة أصبَح إما مُهمشاً أو معزولاً.لم يعجز السنيورة ولم يستسِلم. صار نائب صيدا السابق مدمن سياسة. غيرَ أنه لم يكُن يتوقّع أفولاً سريعاً لنجم نادر الحريري، وأن عودته هو ستكون أسرع مما كان يقدّر. ما حصل هو سياق طبيعي، بعدما أصبح رئيس الحكومة المكلف وحيداً، يساعده نفر قليل من المستشارين؛ أبرزهم باسم السبع وغطاس خوري.
مُنذ فترة، توسّعت رقعة تحرك السنيورة الى جانب الحريري. دعوة إلى اجتماع رؤساء الحكومة السابقين في بيت الوسط (غداة حديث النائب اللواء جميل السيد عن مهلة التكليف). ثمّ إحياء مجموعة العشرين دعماً لموقف رئيس الحكومة، ثمّ اجتماع ثانٍ لرؤساء الحكومات. سلسلة زيارات للسنيورة؛ أبرزها تلك التي قام بها للرئيس نبيه برّي، ومن ثمّ للبطريرك الماروني بشارة الراعي. زيارات تصب في خانة «حماية» الدستور والطائف ومقام الرئاسة الثالثة. قبيل سفره اليوم الى الفاتيكان للقاء البابا فرنسيس، يرافقه وفد من مجلس العلاقات العربية والدولية، فُتح باب السؤال عن سر هذه العودة المتدرجة للسنيورة وعن تماهيه مع الحريري بعدَما كان من أشدّ المعارضين لسياسته وللتسوية الرئاسية ألتي أبرمها مع ميشال عون. فهل عادَ الحريري الى حضن الجناح المتشدّد في تيار المستقبل؟
عملياً، هذا الجناح هو الذي قرر إعادة التموضع الى جانب رئيس الحكومة بعدما أظهر الأخير تجاوباً مع دفتر الشروط السعودي في عملية تشكيل الحكومة. الدلائل كثيرة، وآخرها تراجع رئيس تحرير صحيفة «اللواء» صلاح سلام عن الطعن أمام المجلس الدستوري في نتيجة الانتخابات النيابية الأخيرة في بيروت. هذا التراجع لم يكُن قراراً فردياً اتخذه سلام، بحسب مصادر مجموعة العشرين، بل نتيجة اتصالات تلقاها الرجل من أكثر من مرجعية سنية أكدت له «ضرورة لمّ شمل الطائفة والالتفاف حول الحريري دعماً له ولمقام الرئاسة الثالثة». تمنيات مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان تندرج في السياق نفسه، «فالهجمة التي يتعرّض لها الحريري، وخصوصا ًما يستهدف صلاحيات رئاسة الحكومة، تستوجب وقفة شارعه معه»، كما أن «الطريقة التي يدير بها عملية تشكيل الحكومة ورفضه الخضوع لشروط فريق العهد يؤكدان تخلّيه عن نهجه السابق، ولو أنه يحاذر التصادم مع رئيس الجمهورية ويصر على تدوير الزوايا معه»، على حد تعبير المقربين من دار الفتوى.
تتسع تدريجياً رقعة تحرك السنيورة إلى جانب الحريري


في تيار المُستقبل من لا يُريد أن يستعجِل الأمور. وهو عندما يقول إن السنيورة قرر أن يعود سياسياً، إنما يلمّح الى دور أكبر ستتكشّف معالمه أكثر في الآتي من الأيام. يتلقف البعض في التيار الأزرق «بداية عودة السنيورة»، كما يسمونها، بطريقة إيجابية لأنه «يشكل، أولاً، نقيضاً لنهج التنازلات والانبطاح أمام العهد وجبران باسيل». وثانياً «لأن دوره بعد العودة لا يُمكن أن يكون محصوراً بمهمّة محددة».
بطبيعة الحال، لا يمثل السنيورة المشروعية. أي شخصية سنية تستمد قوة حضورها ومشروعيتها من عناصر ثلاثة: أولها وأهمها الدعم السعودي لها «وهذا واضح، في حالة الحريري، لأن المملكة لم تتبنّ حتى الآن، أي شخصية سنية أخرى غيره لرئاسة الحكومة». ثانيها، نتائج الانتخابات «فعلى الرغم من التراجع الذي سجّله تيار المستقبل في الانتخابات النيابية الأخيرة، كان سعد الحريري ولا يزال الزعيم الأول سنياً»، وهو الأمر الذي أهّله لأن يحتل موقع رئاسة الحكومة، وثالثها، دعم المرجعية الروحية التي يمثلها اليوم مفتي الجمهورية والمجلس الشرعي الإسلامي.
هذه العناصر الثلاثة مجتمعة شجعت، إلى جانب التعديل الذي أصاب موقف الحريري، السنيورة وغيره للعودة الى مربع «بيت الوسط» السياسي. هل يعني ذلك أن الوجهة في تيار المستقبل هي للمواجهة مع العهد؟ تجيب مصادر مستقبلية بارزة عن هذا السؤال بالنفي، مؤكّدة أن «الهدف هو إعادة التوازن». لن يكون السنيورة رأس حربة في مواجهة العهد، لكن عمله في المرحلة المقبلة سيتركز على الآتي:
تثبيت دورية اجتماع رؤساء الحكومات السابقين.
إحياء مجموعة العشرين، بشكل علني، وهي ستلتقي رئيس الحكومة دورياً وتصدر بيانات داعمة له.
توسيع اللقاءات مع الفاعليات والنخب البيروتية وغير البيروتية.
الاهتمام بالملف الاقتصادي والمالي والاستفادة من خبرته الكبيرة في هذا المجال.
تجيير العلاقات العربية والدولية التي تمكن من نسجها لمصلحة سعد الحريري.