كالعادة في الأشهر الأخيرة، بعد كل عملية إرهابية، اتجهت الأنظار إلى مخيم عين الحلوة بعد التفجير الانتحاري الذي ضرب حارة حريك أمس. فيما لوحظت حركة غير عادية لعدد من عناصر بقايا «جند الشام» و«فتح الإسلام» داخل الأحياء التي يتمركزون فيها كحطين والطوارئ، من دون أن تتطور إلى استنفار مسلح. علماً أن هؤلاء، في العادة، يفضلون التحرك ليلاً لدواع أمنية، لكن تلك الحركة لم تؤثر في يوم المخيم، أو تغيّر في معاناة أبنائه المعيشية من ضيق الحال وبطالة الشباب إلى انتشار المخدرات وسوء أشغال البنى التحتية وبدائية الطبابة وضغط النازحين السوريين... لا يسقط المخيم من حسابات السياسة والأجهزة الأمنية اللبنانية والدولية، التي تضع بعض أبنائه في دائرة الشبهة كلما توتر الوضع لبنانياً. ولا تزال الأنظار محدقة بعين الحلوة لاكتشاف خليفة أمير «كتائب عبد الله عزام» السعودي ماجد الماجد. بورصة الأسماء كثيرة، وتتنوع جنسيات المرشحين من سعوديين إلى يمنيين أو حتى باكستانيين.

قبل انفجار أمس، زج بالمخيم مجدداً في تفجير الهرمل الانتحاري الأسبوع الماضي، إذ تكاد ترسو الاحتمالات على هوية الانتحاري على أحد أبناء المخيم، بعدما أظهر فحص الحمض النووي أن الصيداويين حسن غندور وحسن الغزاوي ليسا الانتحاري، برغم مغادرتهما للقتال في سوريا. وتدقّق الأجهزة الأمنية في مصير شاب غادر إلى سوريا قبل أربعة أشهر وفقد الاتصال معه. وقبل أن تُحدّد هويته، انتحر شاب آخر. فهل يقحم آخر الانتحاريين، عين الحلوة في دائرة الاتهام أيضاً؟
في حديث الى «الأخبار»، أكد القائد السابق للكفاح المسلح العميد محمود عيسى «اللينو» أن هوية انتحاري الهرمل «لم تحدد، برغم أن الأجهزة الأمنية تشتبه في احتمال أن يكون من عين الحلوة»، مشيراً الى أن العشرات غادروا المخيم وسواه إلى سوريا للقتال الى جانب الجماعات المسلحة «ويتوقع أن يستخدم بعضهم في عمليات إرهابية في لبنان».
التقارير الأمنية تشير إلى تواصل وتنسيق بين بعض المجموعات الموجودة في حي الطوارئ وغيره في المخيم، بالمسلحين في سوريا. فيما ورد ذكر عدد من الإسلاميين في بعض العمليات الإرهابية التي حدثت أخيراً، مثل نائب أمير «كتائب عبد الله عزام»، توفيق طه، وهيثم الشعبي والشيخ بهاء الدين حجير وسواهم. فهل يوافق المخيم على تسليمهم إذا طلبت الأجهزة الأمنية؟ اللينو جزم بأن المخيم «غير جاهز لتسليم المطلوبين للدولة اللبنانية»، عازياً ذلك الى «عدم وجود توافق بين القوى الإسلامية والفصائل الفلسطينية على تسليمهم، برغم النوايا والشعارات الإيجابية وإرادة التعاون التي يطلقونها عند كل خضّة». القائد الميداني الذي أقصته «فتح» برغم إثبات قدرته على مقارعة المتشددين وتمددهم، ألقى بمسؤولية الخطر المحدق بالمخيم على الجميع. فماذا عن القوى الإسلامية التي تمثل صلة الوصل بين المتشددين والفصائل من جهة، وبينهم وبين الدولة من جهة أخرى؟
يتحفظ الناطق الإعلامي باسم «عصبة الأنصار الإسلامية» أبو شريف عقل على تصنيف عناصر الجماعات المتشددة في عين الحلوة بـ «التكفيريين». يرى في الوصف «تشويهاً للحقيقة»، مذكّراً بما عانته العصبة في هذا الإطار من تحريض واتهامات بالإرهاب في الفترة السابقة. لدى ذكر طه وإخوانه، يقول عقل إن «هؤلاء الشباب مطلوبون للدولة، لكن لا شيء مثبتاً ضدهم»، لافتاً إلى لقاءات دورية تجمعه بهم مع مسؤول العصبة أبو طارق السعدي، ورئيس «الحركة الإسلامية المجاهدة» جمال خطاب. «وفي كل مرة نلمس منهم حرصاً على أمن المخيم والجوار»، ينقل عقل. بالنسبة الى طه، الذي وجد فيه كثيرون الخليفة الأبرز للماجد لكونه كان نائبه وقائد «سرايا زياد الجراح»، يشير عقل إلى أن المجموعة الأخيرة التي يرأسها طه «مهمتها إطلاق الصواريخ على الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا تنفيذ أي عمل أمني في الداخل». من هنا، لا يعتقد بأن طه «يمثل خطراً على لبنان، ولو فعل لمنعناه». ولدى تذكيره بأن الرجل مطلوب ومحكوم بالإعدام غيابياً لتورطه في قضايا إرهابية، يذكّر عقل بأنه هو نفسه مطلوب للدولة مع السعدي وخطاب منذ سنوات عدة «ظلماً وبهتاناً». عقل محكوم بتسع مؤبدات في إطار قضايا إرهابية «لا أعلم عنها شيئاً». من هنا، ينقل تحفظ القوى الإسلامية عن تسليم المطلوبين في نظر الدولة، «كما لا نرضى الظلم لأنفسنا، لن نرضاه لغيرنا». وإذا ثبت تورط أحد أبناء عين الحلوة، يرفض عقل محاكمة المخيم كله، لافتاً الى أن من نفّذوا العمليات الانتحارية حتى الآن هم صيداوي وآخر من وادي خالد وفلسطيني ولد هو وأهله في البيسارية، ولم يزر عين الحلوة في حياته!