أنصار اليوم ليس هو أنصار الأمس. هذه المسألة بات يعرفها القاصي والداني، فالفريق الأخضر الذي كان «لا يقهر» يوماً ما، بات سبباً لقهرٍ يعيشه محبوه بعدما تابعوه يسقط هنا وهناك ويترك ثوب الزعامة التي احتكرها لفترةٍ طويلة إلى فرقٍ أخرى مثل العهد والنجمة والصفاء.فوز الأنصار بكأس لبنان للمرة الـ 14 في تاريخه (رقم قياسي) في الموسم قبل الماضي لم يشفع له ولم يشكّل نقطة تحوّل في الموسم الأخير، لا بل تحوّل إلى سببٍ إضافي لزيادة مآسي النادي من خلال النتائج السلبية التي سجّلها الفريق في غالبية مبارياته في كأس الاتحاد الآسيوي.
الواقع أنه ورغم النشاط الكبير الذي عرفه الأنصار خلال الصيف على صعيد التعاقدات، لا يمكن أبداً التنبؤ بما سيقدّمه الفريق في الموسم الجديد. فالأمر عينه عاشه بطل لبنان 13 مرة (رقم قياسي أيضاً) في الصيف الماضي حيث أجرى سلسلة من الصفقات التي حملت أسماء معروفة إلى الفريق لعل أبرزها عباس عطوي «أونيكا» من العهد وخالد تكه جي من النجمة. كما أنه سجّل بداية قوية بتغلبه على طرابلس 5-1 في الجولة الافتتاحية، قبل أن يحقق نفس النتيجة في «الدربي» الشهير أمام النجمة في المرحلة الثالثة. استبشر الجميع خيراً بعد تلك الأمسية على ملعب مدينة كميل شمعون الرياضيّة، وما لم يتوقعوه هو أن المباراة المذكورة كانت «خاتمة أفراح» الأنصار إذا ما تحدثنا عن تحقيق النتائج الكبيرة والانتصارات اللافتة في المشوارين المحلي والقاري.
كذلك، فإن التحضيرات للموسم الماضي الذي أنهاه الأنصار رابعاً في الدوري (فاز في 9 مباريات، تعادل في 6، وخسر 7)، بدأت مع مدرب قبل أن تنتقل الراية إلى مدربٍ آخر لم يستطع بناء فريقه بحسب ما يراه فانطلق معه في الدوري على مضض. القصة عينها تكررت أخيراً، إذ بقي آخر «المدربين الناجين» من «مجزرة الإقالة» التي شهدها النادي تباعاً، وهو التشيكي فرانز ستراكا، لكن ليس لوقتٍ طويل، ففي خضم المعسكر التحضيري للفريق في طرابلس أُبلغ بقرار الإقالة من قبل لاعبيه قبل الإدارة بحسب ما تردد. صدمة المدافع الدولي السابق لمنتخب تشيكوسلوفاكيا ودموع لاعبيه الذين أحبوه لم تغيّر شيئاً، فوصل في صباح اليوم التالي الأردني عبدالله ابو زمع لتسلم الإدارة الفنية، وهو الذي تواصل معه الأنصار قبل أسابيع على اتخاذ قرار التخلي عن ستراكا. الدموع هي التي شبع من رؤيتها جمهور الأنصار، الذي تراجعت أعداده تباعاً في الملاعب خلال الموسم الماضي، فقد رأى الدموع تمتد حتى إلى أجانبه، إذ يذكر الكل كيف بكى المدافع الغيني ابو بكر كامارا على خروج فريقه الذي وضعه خارج حساباته، عند إقصائه من مسابقة كأس لبنان. استبعاد كامارا وقتذاك واستبداله بالسوري ثائر كروما بين مرحلتي الذهاب والإياب كان أحد الأخطاء الفنية الكبيرة (إلى جانب عدم منح الفرصة للسنغالي تالا نداي واستقدام الليبيري ثيو ويكس)، التي كثرت كالمدربين الذين أُعلن توليهم دفة التدريب ثم عن إقصاؤهم من منصبهم. وكذا الأجانب الذين جاؤوا في مستهل الموسم وأولئك الذين حضروا عند انتصافه، فوحده الهداف السنغالي الحاج مالك تال كان النقطة المشرقة في المشوار الأنصاري، حيث توّج هدافاً للدوري محققاً لقباً معنوياً لا يسمن ولا يغني.
عاش الأنصار هذا الصيف ظروفاً مشابهة لتلك التي عرفها في صيف العام الماضي 


من هنا، يعتبر البعض أن الاجواء نفسها تحيط بالنادي قبل انطلاق الموسم الجديد، لا بل كان التشاؤم حاضراً في نفوسهم عندما اصطدم الرئيس نبيل بدر بتيار المستقبل والرئيس سعد الحريري، فخافوا خروج بدر، وبالتالي عدم إيجاد شخصية بديلة تستطيع تمويل الفريق وإبقاءه على قدميه. كما حلّ التشاؤم في نفوسهم عند الاستغناء عن نجم الفريق ربيع عطايا فانقسموا حول هذا القرار، وهم الذين انتظروا عودة النجم الموهوب منذ أشهر طويلة ليروه يذهب إلى فريقٍ منافس هو نادي العهد في عزّ أزمة فريقهم.
المهم أنه وبالنظر إلى الوضع الفني للفريق، يتبيّن أن الأنصار سيكون جاهزاً للمنافسة على مراكز متقدّمة في جدول الترتيب، إذ حتى مع خروج ستراكا هناك نوع من الإيجابية، فالنادي أنهى مرحلة تردد يعيشها على الصعيد الإداري - الفني وسط بروز عدم اقتناع بالمدرب التشيكي لأسباب قد تكون بعيدة عن عمله في الميدان، ولو أنه أثبت أنه غيّر من صورة الأنصار وبثّ روحاً إيجابية بين اللاعبين، وهو ما انعكس أداءً أفضل على أرض الملعب.
أضف إلى هذه النقطة طريقة العمل في إدارة ملف التعاقدات من حيث عدم التفريط في اللاعبين الذين كانوا مميزين في الموسم الماضي، فبقي الحاج مالك رغم كل شيء، وذلك بعد توقيع عقدٍ طويل الأمد معه حتى قبل العرض الذي تلقاه من نادي أُحد السعودي، بينما تمّ العمل بإصرار للتجديد للاعب الوسط الدولي عدنان حيدر، وذلك في موازاة تصحيح خطأ الموسم الماضي بإعادة الارتباط بالمدافع كامارا.
فعلاً عمل الأنصار على ترتيب كل خطٍّ من خطوطه بطريقة حذرة ومدروسة في آنٍ معاً، إذ حتى في صفقة انتقال عطايا إلى العهد، أخذ هذه المسألة بعين الاعتبار، فطلب لاعباً في كلٍّ من الخطوط الثلاثة: حسن بيطار في الدفاع، غازي حنيني في الوسط، وحسن شعيتو «موني» في الهجوم. ومن خلال هذه الأسماء الثلاثة لا يمكن إسقاط تبدّل صورة الأنصار في الموسم الجديد، إذ قدّم كل واحدٍ منهم مستوى ثابتاً لمواسم عدة، ولا شيء يمنع من مواصلة تقديم مستوى مميّز خلال المواسم المقبلة. الأنصار يمتلك التاريخ، والجميع ينتظر أن يعود «الزعيم» كما يُعرف في كرة القدم اللبنانيّة، إلى سكة الفوز وتحقيق البطولات، لأنه في حال استعاد الأنصار عافيته فإن ذلك ينعكس إيجاباً على كرة القدم اللبنانيّة، وتعود نكهة «الدربي» إلى سابق عهدها.



سوق انتقالات نَشِط
مرة جديدة كان الأنصار من الأندية الأكثر نشاطاً في سوق الانتقالات الصيفية، فهو إلى جانب تجديده التعاقد مع هدافه السنغالي الحاج مالك تال والمدافع الغيني ابو بكر كامارا ولاعب الوسط الدولي عدنان حيدر، عمل على سدّ ثغرات عدة وخلق خيارات إضافية للمدرب الأردني عبدالله ابو زمع، كونه يدرك بأنه يحتاج إلى مقعد احتياط جيّد ليتمكن من الذهاب بعيداً في مشوار البطولة.
كذلك خلق منافسة على المراكز، إذ على سبيل المثال ضم الظهير الأيمن يوسف عنبر (يمكن أن يشغل مركز الجناح) من التضامن صور، والظهير الأيسر حمزة علي من طرابلس، ليضعهما بالتالي في منافسة على المركزين الاساسيين مع الدوليين نصار نصار وحسن شعيتو «شبريكو» (وقّع على عقدٍ جديد معه لخمسة مواسم) على التوالي. وإلى جانب إضافة حسن بيطار إلى خط الدفاع، علم الأنصار بمشكلته الأساسية في الموسم الماضي، وهي في منطقة خط الوسط، فكان استقدام التونسي حسام اللواتي وغازي حنيني من العهد وعلي حوراني من شباب الساحل والفلسطيني محمد قاسم من الصفاء. كذلك قدوم حسن شعيتو «موني» سيحلّ من المشكلة الأخرى التي عرفها الفريق وهي غياب الهداف الداعم للحاج مالك الذي وفي المباريات التي لم يوفّق فيها في التسجيل أو عرف رقابة لصيقة، عانى «الأخضر» كثيراً للوصول الى الشباك، علماً أن «موني» وبالتساوي مع نجم النجمة حسن معتوق، حلّ وصيفاً للسنغالي (15 هدفاً) على لائحة ترتيب الهدافين في الموسم الماضي بتسجيله 13 هدفاً بقميص فريقه السابق العهد.