في عام 2017 سجّلت المصارف إيرادات بقيمة 11.8 مليار دولار 65% مصدرها المال العام (45% مصدره مصرف لبنان و20% الخزينة العامة). من أصل مجمل هذا المبلغ سجّلت المصارف أرباحاً بقيمة 3.1 مليار دولار سددت عليها ضريبة بقيمة 440 مليون دولار. ما تبقى لجيوب أصحاب المصارف يبلغ 2.6 مليار دولار. هذا النمط من الربحية مستمرّ منذ مطلع التسعينيات. لا نموّ الأرباح توقف ولا مصادر الأرباح تغيّرت. جرى تبرير هذا النمط بضرورة نموّ الأرباح سنوياً لخلق «ثقة» بالقطاع المصرفي الذي يسهم في تدفّق رؤوس الأموال. بهذه التدفقات يبقى النموذج الاقتصادي قائماً. تبقى الليرة مستقرّة. وعلى رغم هذه الأهمية الاستثنائية، كما يسوّق لها، إلا أن أصحاب المصارف لا يكفّون عن تكديس الأرباح وتدويرها في رؤوس أموالهم وتوزيعات المساهمين. يرفضون أي طرح لزيادة أجور الموظفين، ويرفضون منحهم دراسة جدوى لصندوق يعطيهم الأمل بالحصول على راتب تقاعدي.تزعم جمعية المصارف أن أجور موظفي المصارف هي من الأعلى في لبنان. بحسب التقرير السنوي للجمعية، فإن معدّل كلفة الموظف يصل إلى 6.4 مليون ليرة شهرياً تشمل الراتب والتقديمات الأخرى (تعويض نقل، مرض وأمومة، عائلية…). على هذا الأساس رفضت المصارف إعادة درس ملف الأجور والرواتب وملحقاتها مع اتحاد نقابات موظفي المصارف. كل ما طلبه الاتحاد هو أن يكون هناك تعديل للمادة 18 من عقد العمل الجماعي المتعلقة بتحديد كيفية دفع الزيادات للموظفين.
في الواقع، هناك فئات من الموظفين في القطاع المصرفي. فعلى سبيل المثال، إن الإدارة العليا للمصارف التنفيذية وغير التنفيذية والرقابية تستحوذ على حصّة كبيرة من مجموع الرواتب والأجور المصرّح عنها في ميزانيات المصارف. فمن أصل 26 ألف موظف في القطاع، هناك 941 مديراً يمثّلون 3.6% من مجموع الموظّفين وهم يكسبون 210 ملايين دولار سنوياً (316 مليار ليرة)، أي بمتوسط 223 ألفاً و86 دولاراً في السنة للواحد، أو 18 ألفاً و590 دولاراً شهرياً. حصة الإدارة العليا من مجمل الأجور والرواتب المدفوعة تبلغ 15.8%. أما مجمل قيمة الرواتب المدفوعة فهي تبلغ 1996.9 مليار ليرة.
كلما تدنت فئات الموظفين كلما كان متوسط الرواتب أدنى. فإذا استثنيت رواتب الإدارة العليا، فإن متوسط بقية رواتب الموظفين لا يزيد على 5 ملايين ليرة شهرياً، وهذا الرقم يصبح أقل بكثير إذا استثنيت رواتب مديري الفروع ومديري الوحدات على اختلاف أنواعها.
على أي حال، يأتي طرح الاتحاد بعد أربع سنوات على آخر مفاوضات فعلية بين جمعية المصارف واتحاد الموظفين. والمفاوضات القائمة حالياً، لم تصل إلى نتيجة بسبب مماطلة الجمعية وامتناعها عن مناقشة طروحات الاتحاد بشكل جدّي، ما أوصل المفاوضات إلى طريق «الوساطة في وزارة العمل».
وكانت المفاوضات قد انطلقت بين الاتحاد وجمعية المصارف في 20 أيلول 2017 بعد مبادرة الاتحاد في 28 آب 2017 إلى مراسلة رئيس جمعية المصارف جوزيف طربيه. وبحسب اتحاد نقابات الموظفين، فقد كلفت الجمعية أمين الصندوق ورئيس مجلس إدارة البنك اللبناني السويسري تنال الصباح قيادة هذه المفاوضات. إلا أنه من دون أي مبررات، تأخر انعقاد الجلسة الأولى حتى الأول من تشرين الثاني 2017.
في الجلسة الأولى، قدّم الاتحاد عرضاً لبدء المفاوضات وضمّنه ثلاثة بنود أساسية هي: تصحيح الأجور في القطاع المصرفي، زيادة المنح المدرسية والجامعية، نظام التقاعد الخاص بمستخدمي المصارف. يومها تذرّع ممثلو الجمعية بأن الظروف العامة لا يمكن تجاهلها إذ إن الواقع الاقتصادي والقطاع المصرفي في أزمة!
مجدداً عادت الجمعية إلى المماطلة، وبدلاً من أن تردّ جواباً على مطالب الاتحاد في أواخر شهر تشرين الثاني، مررت الوقت حتى تاريخ 21 كانون الأول 2017. وفي الجلسة الثانية، لم تقدم الجمعية أي ردّ، لجأت إلى المزيد من المماطلة وطلبت من الاتحاد تقديم عرضه خطياً… الجلسة الثالثة عقدت في 28 شباط 2018 وعرض فيها الصباح ردّ الجمعية الذي يرفض مناقشة ما يتعلق بتصحيح الأجور، ورفض دراسة الراتب التقاعدي، والموافقة المشروطة على تعديل المنح المدرسية والجامعية بعد اتفاق اتحاد المدارس الخاصة ولجان الأهل ووزارة التربية على نسبة الزيادة على الأقساط المدرسية.
وعندما أظهر الاتحاد تماسكاً في مطالبه ملوّحاً باللجوء إلى القوانين المرعية التي تتيح لها اللجوء إلى وساطة وزارة العمل، ردّت الجمعية مجدداً برفض مقترحات الاتحاد فيما عدا النظر برفع الرواتب الدنيا للمستخدمين ولحاملي الشهادات بقيمة 75 ألف ليرة شهرياً (تحتسب على 16 شهراً)، إضافة إلى زيادة المنح المدرسية بحدود 25%.
يرى الاتحاد أنه لا يمكن التغاضي عن مطلب تصحيح الأجور لأنه من الثابت أنه باستثناء أجور قلة تمثل الكوادر العليا في المصارف، لا تؤمن هذه الرواتب الحد الأدنى من مستلزمات الحياة اللائقة فضلاً عن أنها لا تؤدي إلى تكوين تعويض يحترم نهاية الخدمة عند بلوغ الموظفين سن التقاعد. وبحسب رئيس الاتحاد جورج حاج، فإن «المصارف اعترفت أن أجور أكثرية العاملين في القطاع المصرفي، باستثناء أجور الكوادر العليا، لا تشكل أكثر من 50% من كتلة أجور العاملين في القطاع الذين يمثّلون أكثر من 80% من مجموع المستخدمين». أما الزيادات الإدارية فحدث ولا حرج. هناك نسبة كبيرة من الموظفين يحصلون على ما بين 20 ألف ليرة و40 ألف ليرة شهرياً، وهو مبلغ متواضع جداً قياساً على الأرباح الهائلة التي تحققها المصارف سنوياً، فضلاً عن استنسابية ظالمة مطبقة في المصارف، «فيُحرم المئات من دون وجه حق ولعدة سنوات ومن دون مفعول رجعي». ويجزم الاتحاد أن عدداً من المصارف يتوسّع في تفسير وتطبيق نصوص العقد الجماعي بشكل تعسفي لجهة تمديد دوام العمل وتوزيع الزيادات الإدارية والاستنساب في تطبيق نصوص العناية الطبية والامتناع عن تطبيق نظام الاستشفاء بعد التقاعد.
أما بالنسبة للمنحة المدرسية، فإن الزيادات التي حصلت خلال الأعوام الأربعة الماضية على الأقساط تفوق ما نسبته 25% بكثير، وبالتالي بات لزاماً منح الموظفين زيادة ملائمة لتعويض حقهم بتعليم أبنائهم بشكل لائق. المنحة المدفوعة حالياً لا تمثّل أكثر من 60% من قيمة الأقساط المدرسية ما يجبر المستخدمين على الاستعانة برواتبهم من أجل تعليم أولادهم.
3.6% من مجموع الموظّفين يكسبون 210 ملايين دولار سنوياً


يضاف إلى ذلك كلّه، أن اللجنة المعنية بالتفاوض مع اتحاد المصارف تعاملت بفوقية كبيرة مع اتحاد الموظفين: «فهل من المعيب دراسة جدوى إنشاء صندوق للراتب التقاعدي؟ إذا كان الصندوق غير مجد فالموظفون لا يوافقون على الدخول فيه»، وفق الحاج.
المشكلة أن أصحاب المصارف «يتعاملون مع الموظفين على أنهم خدم وعبيد لديهم، لكن الموظفين سيثبتون في المرحلة اللاحقة أنهم بمستوى أرقى وأعلى من خلال الخطوات التصعيدية التي سنبدأ بها فور انتهاء وساطة وزارة العمل. هم يوهمون الجميع بأن المصارف تدفع من أرباحها أجور ورواتب العاملين فيها، فيما الواقع أن هذه الأكلاف يتم تحميلها للزبائن. هل هم مستعدون لتسوية تحفظ حقوق الموظفين في مقابل استقرار القطاع والهدوء الذي يسعى إليه المسؤولون عن السياسات النقدية في لبنان؟ يخطئ من يظن بأن الاتكال على وزير العمل سيحقق المطالب، فالمطالب لن تتحقق إلا بقوة الاتحاد والتفاف زملائنا المصرفيين حول اتحادهم من خلال المشاركة في الجمعيات العمومية والاعتصامات والتظاهرات، وأخيراً الإضراب، في حال فشل وساطة وزارة العمل»، يجزم حاج.



الحق بالراتب التقاعدي
يقترح مجلس الاتحاد إنشاء صندوق يستفيد منه المستخدم بعد تركه العمل ببلوغه السن القانونية (64 سنة) من راتب تقاعدي يسدد له شهرياً ويستمر في تقاضي الراتب التقاعدي حتى تاريخ الوفاة على أن تقتطع المصارف سنوياً نسبة مئوية من أجور العاملين لديها لتغذية إيرادات الصندوق.
كذلك تخصص المصارف سنوياً نسبة مئوية موازية للنسبة المقتطعة من أجور العاملين لديها تسدّدها كمساهمة إلزامية في تغذية صندوق التقاعد، وأن تُشكّل لجنة من ستة أعضاء، اثنان يمثلان الجمعية، واثنان يمثلان الاتحاد، وخبيران اكتواريان يختارهما الطرفان تكون مهمتها وضع دراسة تفصيلية لنظام التقاعد. هذا الصندوق لن يكون منّة من المصارف، بل هو حق للموظفين في ظل عدم وجود نظام للشيخوخة والتقاعد في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.