لم تحقق الصيغة النسبية التي اعتُمدت في الانتخابات النيابية الأخيرة ما كان مفترضاً أن تحققه لجهة قيام تحالفات سياسية لا انتخابية بحتة كما كان يحصل في السابق. بل على العكس، شهدت الانتخابات تحالفات مستغربة، وخطابات سياسية متناقضة بين الحلفاء في اللائحة عينها تستحق دراسة منفصلة.
حافظ تحالف حزب الله وحركة أمل، بشكل عام، على حجمه لدى المقترعين الشيعة، مع تسجيل تراجع أو تقدم طفيفين في بعض الدوائر(مروان بوحيدر)

غير أنه، مع هذه الصيغة الجديدة، وبفضل الصوت التفضيلي، أصبح بإمكاننا تحديد الحجم الحقيقي للقوى السياسية. فالصوت التفضيلي هو تعبير لا لبس فيه عن اختيار الناخب لمرشحه، وبالتالي (في معظم الأحيان) للحزب أو التيار السياسي الذي ينتمي إليه. هذا الأمر لم يكن ممكناً في السابق، إذ كان يصعب تحديد الأصوات الفعلية التي تعود إلى حزب أو تيار سياسي ضمن التحالف الانتخابي.
في ما يأتي قراءة لتوزُّع أحجام بعض القوى السياسية كما أفرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة من خلال تحليل نتائجها، ومقارنتها حيث أمكن مع نتائج انتخابات 2009.

معايير التقييم
جرى تقييم أحجام الأحزاب والقوى السياسية وفق المنهجية الآتية: لكلّ حزب أو تيار سياسي، احتُسِبَت الأصوات التفضيلية التي تعود إلى مرشحيه المنتسبين في اللوائح لتحديد حجمه الانتخابي الفعلي على المستوى الوطني ولدى الطوائف. وفي ترتيب ثانٍ، أضيفت إليها الأصوات التفضيلية لحلفاء الحزب السياسيين أو الانتخابيين لتبيان الحجم «الظاهر». أما في ما يخصّ حزب الله وحركة أمل، فقد احتسبت أصواتهما كلّ على حدة عندما كان لكلّ منهما مرشحوه، ولمصلحة التحالف عند وجود مرشح واحد للطرفين (محمد نصر الله في البقاع الغربي مثلاً، أو أنور جمعة في زحلة).
ولا بد من الإشارة إلى انه في بعض الحالات، لا يمكن الأصوات التفضيلية أن تعبّر عن الخيار الحزبي، ولا سيما بسبب غياب مرشح للحزب أو التيار السياسي في الدائرة الصغرى. فمثلاً، في البترون وزغرتا وبشري، لم يتمكن الناخبون القوميون من منح أصواتهم التفضيلية لمرشح الحزب القومي عن المقعد الماروني في زغرتا، فصوّتوا إما للائحة فقط، وإما لأحد الحلفاء كطوني فرنجية. كذلك الأمر في بعبدا حيث وزّع تيار المردة أصواته لمرشحي حركة أمل وحزب الله بسبب غياب مرشح له.

إلى هذه النتائج، تجدر الإشارة إلى بعض التفاصيل، ومنها ما يخصّ حزب الله وحركة أمل، إذ تكشف النتائج أنه في دوائر بعلبك - الهرمل وبعبدا وبيروت الثانية وصور وبنت جبيل ومرجعيون حاصبيا، حيث كان لكلّ من طرفي التحالف مرشحوه، أظهرت النتائج تفوقاً لمرشحي حزب الله: (265569 صوتاً اي 45.6% من مجمل مقترعي هذه الدوائر، مقابل 124396 صوتاً أي 21.4%). أما في دوائر الزهراني وجبيل وزحلة والبقاع الغربي وراشيا حيث صوّت مناصرو «الثنائي» للمرشح نفسه، فقد نال التحالف 76044 صوتاً، أي 13.1%.
وفي ما يخصّ قوى «الحراك المدني»، التي حازت 3.7% (59420 صوتاً) على المستوى الوطني، فهي انقسمت بحسب الطوائف إلى 7.2% لدى المقترعين الدروز، 5.7% لدى المسيحيين، 2.7% لدى السنّة، 1.4% لدى الشيعة، و0.5% لدى المقترعين العلويين 0.5%. ونعني بـ«الحراك المدني» لوائح: «كلنا وطني» و«الإنماء والتغيير» (بعلبك - الهرمل) و«المجتمع المدني المستقل» (الشمال 2)، و«نساء عكار» و«مدنية» (جبل لبنان 4) و«المجتمع المدني» (البقاع الغربي وراشيا) و«كلنا بيروت» (بيروت 2) و«شبعنا حكي» (الجنوب 3).
كذلك حققت بعض الشخصيات المنفردة نتائج لافتة، مثل النائب ميشال المر الذي حقق 0.7% على المستوى الوطني (12412 صوتاً)، و12.8% (10993 صوتاً) لدى المسيحيين في المتن، مقابل: 23.1% للتيار الوطني الحر (19793 صوتاً)، و18.8% للكتائب اللبنانية (16120 صوتاً)، و10.1% للقوات اللبنانية (8692 صوتاً).
مقارنة بانتخابات 2009، تراجع تيار المستقبل لدى المقترعين السنّة بنسبة بلغت 28.4 نقطة مئوية


وحقق النائب نعمه افرام 17.2% في كسروان، مقابل 23% للتيار الوطني الحر، و16.4% للقوات اللبنانية.
- فؤاد المخزومي 0.7% على المستوى الوطني (12178 صوتاً) و1.9% (10014 صوت) لدى المقترعين السنّة.

الأحجام الظاهرة
أما بالنسبة إلى الأحجام «الظاهرة»، أي الأصوات التفضيلية للأحزاب والتيارات، بالإضافة إلى حلفائهم السياسيين أو الانتخابيين (الذين يشكلون في معظم الأحيان خصوماً سياسيين)، فقد جاءت كالآتي:
- 26.9% من أصوات المقترعين المسيحيين (161556 صوتاً) للتيار الوطني الحر وحلفائه على المستوى السياسي (مسعود الأشقر، وإيلي الفرزلي، وغسان مخيبر)، يرتفع إلى 34% (204432 صوتاً) إذا ما أضفنا أصوات حلفائه الانتخابيين (أسعد نكد وميشال جورج ضاهر ومنصور البون ونعمه افرام وزياد بارود وسركيس سركيس وطلال أرسلان وفريد البستاني وميشال معوض).
- 23.9% من أصوات المقترعين المسيحيين (143882 صوتاً) للقوات اللبنانية وحلفائها (أنطوان الصحناوي وميشال فرعون).
- 86.5% من أصوات المقترعين الشيعة (503786 صوتاً) لثنائي حزب الله وحركة أمل والحلفاء في لوائحه (جميل السيد وإميل رحمه والحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث وأنور الخليل)، يرتفع إلى 90.2% (524904 صوتاً) إذا ما أضفنا الحلفاء الذين منحهم أصوات مناصريه في مختلف الدوائر (تيار المردة وجمعية المشاريع والحزب القومي وحزب الاتحاد وحزب البعث والتنظيم الشعبي وفيصل الداوود وعلي الحاج ووئام وهاب وإبراهيم عازار وميشال موسى وحسين السلوم ومصطفى حسين وأحمد عمران وفيصل كرامي وكمال الخير وجهاد الصمد وسليم كرم ونقولا فتوش)، باستثناء التيار الوطني الحر الذي حصد أصوات مناصري «الثنائي» أو حزب الله على الأقل، في البترون مثلاً وبيروت الثانية وبعبدا وعاليه والمتن. مع إضافة هذه الأصوات، يرتفع حجم «الثنائي» إلى 91.1% (529997 صوتاً).
- 61.1% من أصوات المقترعين الدروز (67896 صوتاً) للحزب التقدمي الاشتراكي مع حلفائه (راجي السعد وناجي البستاني).
- 6.2% من أصوات المقترعين المسيحيين (36987 صوتاً) لتيار المردة وحلفائه (فريد الخازن وملحم طوق وجهاد الصمد وسليم كرم).
- 49% من أصوات المقترعين السنّة (252352 صوتاً) لتيار المستقبل وحلفائه (تمام سلام وأصوات السنّة للائحة في زغرتا والبترون).

سُجِّل تراجع كل من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي


تراجع الأحجام مقارنة مع انتخابات 2009
وفي مقارنة مع نتائج انتخابات عام 2009، حيث كان ممكناً ذلك، أظهر التحليل تراجعاً في أحجام الأحزاب والتيارات السياسية كافة، فيما سجل تقدم لبعض القوى مثل حزبي الاتحاد والتوحيد العربي (وئام وهاب). وقبل الخوض في التفاصيل، نلفت إلى المنهجية المعتمدة في المقارنة: اعتبرت أصوات المقترعين السنّة للوائح قوى 14 آذار عام 2009 من حصة تيار المستقبل باستثناء طرابلس، حيث تشارك مع نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي وأشرف ريفي. واعتبرت أصوات المقترعين الشيعة لقوى 8 آذار من حصة ثنائي حزب الله وحركة أمل. بالنسبة إلى التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والمردة، انحصرت المقارنة في بعض الدوائر بسبب التحالفات المتغيرة بين 2009 و2018.
وبلغت نسب التراجع كالآتي: التيار الوطني الحر (بين 6 نقاط مئوية في جبيل و27 نقاط مئوية في كسروان)، القوات اللبنانية 8%، تيار المستقبل (بين 6 نقاط مئوية في بعلبك-الهرمل و32 نقطة مئوية في بيروت الثانية)، الحزب التقدمي الاشتراكي 11 نقطة مئوية لدى المقترعين الدروز، والطاشناق 23.7 نقطة مئوية. أما ثنائي حزب الله - حركة أمل، فقد تراجع 0.5 على المستوى الوطني و10 نقاط مئوية في جبيل، وسجل تقدماً في مناطق مثل صور والنبطية (6 نقاط مئوية).
وقد سجل التيار الوطني الحر تراجعاً لدى المقترعين المسيحيين، بلغ:
● 27.3 نقطة مئوية في كسروان (51.1% عام 2009 للائحة المؤلفة من التيار الوطني الحر حصراً مقابل 23.8% لمرشحي التيار عام 2018).
● 10.6 نقاط مئوية في المتن (44.5% عام 2009 لتحالف التيار الوطني الحر والحزب القومي والطاشناق مقابل 33.9% للتحالف عينه عام 2018).
● 18.5 نقطة مئوية في جزين (70.3% عام 2009 مقابل 51.8% في العام 2018).
● 6.1 نقاط مئوية في جبيل (49.4% عام 2009 مقابل 43.3% عام 2018).

وتراجع تيار المستقبل لدى المقترعين السنّة بنسب بلغت:
● 28.4 نقطة مئوية على المستوى الوطني (75.2% لقوى 14 آذار عام 2009 مقابل 46.8% للوائح المستقبل في 2018).
● 34.2 نقطة مئوية في طرابلس (66.4% عام 2009 لقوى 14 آذار مقابل 32.2% عام 2018 للائحة المستقبل بعد فقدانها نجيب ميقاتي وأشرف ريفي).
● 31.6 نقطة مئوية في بيروت الثانية (89.6% عام 2009 لقوى 14 آذار مقابل 58% عام 2018).
● 29.2 نقطة مئوية في زحلة (67.7% عام 2009 لقوى 14 آذار في مقابل 38.5% لتيار المستقبل عام 2018).
● 27.1 نقطة مئوية في المنية (77.5% عام 2009 لقوى 14 آذار مقابل 50.4%عام 2018).
● 10.3 نقطة مئوية في عكار (78.7% عام 2009 لقوى 14 آذار مقابل 58% عام 2018).
● 17.2 نقطة مئوية في الضنية (63.3% عام 2009 لقوى 14 آذار مقابل 46.1% عام 2018).
● 12.7 نقطة مئوية في البقاع الغربي وراشيا (70.8% عام 2009 لقوى 14 آذار مقابل 58.1% عام 2018).
● 11.3 نقطة مئوية في صيدا (68.5% عام 2009 لقوى 14 آذار مقابل 47.5% لائحة المستقبل بعد فقدانها مرشحي الجماعة الإسلامية عام 2018، وقد نالا معاً 58.4%).
● 2.5 نقطة مئوية في بعلبك-الهرمل (70.2% عام 2009 لقوى 14 آذار مقابل 67.7% للائحة المستقبل عام 2018).
● الشوف، في عام 2009 حققت لائحة قوى 14 آذار 73.5%، فيما حقق تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي مضافاً إليهما أصوات الجماعة الإسلامية 67.6% في عام 2018 بتراجع بلغ 5.9 نقاط مئوية لأطراف التحالف.
أما تحالف حزب الله وحركة أمل، فقد حافظ بشكل عام على حجمه لدى المقترعين الشيعة، مع تسجيل تراجع أو تقدم طفيفين في بعض الدوائر. فقد سجل تراجعاً بلغ:
● 0.5 نقطة مئوية على المستوى الوطني (91.6% في عام 2009 لقوى 8 آذار مقابل 91.1% في عام 2018).
● 10.6 نقاط مئوية في جبيل (89% في عام 2009 لقوى 8 آذار مقابل 78.4% في عام 2018).
● 6.8 نقاط في زحلة (91.6% في عام 2009 لقوى 8 آذار مقابل 84.8% في عام 2018).
● 2.9 نقطة مئوية في بعلبك-الهرمل (95.4% في عام 2009 لقوى 8 آذار مقابل 92.6% في عام 2018).
● 2.4 نقطة مئوية في بعبدا (87.3% في عام 2009 لقوى 8 آذار مقابل 84.8% في عام 2018).
● 1.3 نقطة مئوية في الزهراني (92.7% في عام 2009 لقوى 8 آذار مقابل 91.9% في عام 2018).
● 0.7 نقطة مئوية في البقاع الغربي وراشيا (91.9% في عام 2009 لقوى 8 آذار مقابل 91.2% في عام 2018).
فيما سجل «الثنائي» تقدماً بلغ:
● 6.5 نقاط مئوية في النبطية (86.2% في عام 2009 لقوى 8 آذار مقابل 92.7% في عام 2018).
● 3.6 نقاط مئوية في صور (91.9% في عام 2009 لقوى 8 آذار مقابل 95.5% في عام 2018).
● 2.9 نقطة مئوية في مرجعيون وحاصبيّا (92.5% في عام 2009 لقوى 8 آذار مقابل 95.4% في عام 2018).
● 1.9 نقطة مئوية في بنت جبيل (93.5% في عام 2009 لقوى 8 آذار مقابل 95.4% في عام 2018).
أما الحزب التقدمي الاشتراكي، فقد تراجع لدى المقترعين الدروز بنسب بلغت:
● 11.1 نقطة مئوية على المستوى الوطني (72.2% عام 2009 لقوى 14 آذار مقابل 61.1% للوائح الحزب التقدمي الاشتراكي عام 2018).
● 13.4 نقطة مئوية في الشوف (84% عام 2009 لقوى 14 آذار مقابل 70.6% للائحة الحزب التقدمي الاشتراكي عام 2018).
● 6.6 نقاط مئوية في عاليه (67.6% عام 2009 لقوى 14 آذار مقابل 61% للائحة الحزب التقدمي الاشتراكي في عام 2018).
● 3.3 نقاط مئوية في بعبدا (77.9% عام 2009 لقوى 14 آذار مقابل 74.6% للائحة الحزب التقدمي الاشتراكي في عام 2018).
● البقاع الغربي وراشيا، لدى المقترعين الدروز في عام 2009 حققت لائحة قوى 14 آذار 68.1%، فيما حققت لائحة الحزب التقدمي الاشتراكي 75.1% في عام 2018 بتقدم بلغ 7 نقاط مئوية .
وتراجع الحزب الديموقراطي اللبناني في عاليه. ففي عام 2009، نالت قوى 8 آذار التي ضمت الحزب الديموقراطي اللبناني والحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب التوحيد، 25.6% من المقترعين الدروز. وفي عام 2018، نال تحالف الحزبين الديموقراطي اللبناني والقومي 22.5%، مقابل 5.2% لحزب التوحيد، فتكون الأحزاب الثلاثة معاً قد تقدمت بـنقطتين. وفي الشوف، تقدمَ حزب التوحيد العربي لدى المقترعين الدروز 9.6 نقاط مئوية (5.7%عام 2009 لتحالف قوى 8 آذار الذي ضم حزبي التوحيد والقومي وطلال أرسلان مقابل 15.3% للائحة حزب التوحيد في 2018 من دون حلفاء الانتخابات السابقة).
وتراجع حزب الطاشناق 23.7 نقطة مئوية لدى المقترعين الأرمن (74.3% في انتخابات 2009 مقابل 50.6% عام 2018)، كذلك تراجعت القوات اللبنانية 8.2 نقاط مئوية في بشري (74.6% عام 2009 مقابل 66.4% عام 2018). وفي زغرتا، تراجعت القوات اللبنانية والكتائب، وتقدم تيارا المردة والوطني الحر، فيما أظهر ميشال معوض قدرته على الانتقال إلى المعسكر «الخصم» من دون خسارة في قواعده. ففي عام 2009، نال تحالف تياري المردة والوطني الحر 55.7% لدى المقترعين المسيحيين، مقابل 39.4% لتحالف ميشال معوض والقوات اللبنانية والكتائب. وفي عام 2018 حققت لائحة تيار المردة 53.4%، مقابل 23% لميشال معوض و10.1% للوطني الحر، و9.5% لتحالف القوات اللبنانية والكتائب.
وتقدمَ حزب الاتحاد 13.9 نقطة مئوية لدى المقترعين السنّة في البقاع الغربي وراشيا (24.8% لقوى 8 آذار عام 2009 مقابل 38.7% للائحة عينها، وبعد أن انتقل أحد مرشحيها إلى لائحة المستقبل في عام 2018).
في كسروان، نالت لائحة التيار الوطني الحر 30340 صوتاً عام 2009 (51.1% من المقترعين المسيحيين مقابل 26714، أي 45% للائحة تحالف القوات اللبنانية والكتائب ومنصور البون وفريد هيكل الخازن). وفي 2018، نال الخازن 9058 صوتاً (14.8%) مقابل 14080 صوتاً للتيار الوطني الحر (23%).