لم يفضِ الاجتماع غير المعلن، بناء على طلب الرئيس المكلف سعد الحريري، بينه ورئيس الجمهورية ميشال عون مساء 22 ايلول - وهو الخامس منذ التكليف - الى ادنى تقدّم، سوى تأكيد الحريري بقاءه في قلب التسوية المبرمة مع رئيس الجمهورية منذ عام 2016، تحت عنوان المشاركة والتعاون. الموقف نفسه سمعه وزير الخارجية جبران باسيل من الرئيس المكلف عندما التقيا في اليوم نفسه، عشية سفر عون وباسيل الى نيويورك. حصل لقاء مماثل في 3 ايلول. تغدّى الحريري وباسيل الذي اطلع منه على مسودته للحكومة الجديدة، قبل الذهاب بها الى رئيس الجمهورية. من غير ان يبدي جواباً عنها، عبّر عن عدم موافقته على طريقة مقاربة الحريري توزيع الحصص والحقائب، وخصوصاً ما اعطى النائب السابق وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ناهيك بما اعطى حزب باسيل. كان ذلك ايحاء بالتحفظ عنها. بيد ان عون، عندما استقبل الحريري في وقت لاحق يومذاك، اعلن رفضه للمسودة في بيان رسمي. انقطع مذذاك التواصل المباشر بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف الى حين انعقاد اجتماعهما الخامس في 22 ايلول.
تبعاً للمطلعين على موقف رئيس الجمهورية حيال ما آلت اليه المراحل المستجدة لتأليف الحكومة، ثمة ملاحظات اساسية:
اولها، ان عون، منذ ما بعد انتخابات ايار وقبل الوصول الى تكليف الحريري ترؤس الحكومة في 24 ايار، وكان شاع انه سيكون على رأسها ولن يستغرق تأليفها اسابيع قليلة، تبلغ من «اصدقاء» في دولة اقليمية بعيدة معلومات رجحت له تأخير تأليف الحكومة اشهراً. دلّه اصحاب المعلومات تلك على جهات محلية سيكون منوطا بها عرقلة التأليف بعقبات متلاحقة.
ثانيها، ثمة اتفاق سابق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف على معيار تأليف الحكومة الجديدة، عنوانه تبني نتائج الانتخابات النيابية. تركز هذا المعيار على تعميم القاعدة النسبية في قانون الانتخاب على تأليف الحكومة، اخذاً في الاعتبار تمثيل الاكثريات بين الطوائف، ومن ضمن الطائفة الواحدة تمثيل الاكثرية من دون استثناء الاقلية، او اهمالها. لكن باحجام متفاوتة. بحسب وجهة نظر رئيس الجمهورية، وفق المطلعين اياهم، فإن التعويل على النسبية في الانتخابات النيابية افضى الى حرمان اكثر من فريق - من بينهم حزبه بالذات في دوائر المتن وكسروان وجبيل - من مقاعد حازها سابقاً، الا ان القاعدة هذه ادت الى تصويب التمثيل الشعبي وتصحيحه اكثر منها حسبانها خسارة مقاعد. الامر نفسه ينطبق على التمثيل الوزاري. مع ذلك، فإن مسودة الحريري للحكومة الجديدة لم تلتزم هذا المعيار بإفراطها في توزيع الحقائب.
بدا هذا الموقف منطلق عون عدم حصر مقاعد طائفة بفريق سياسي واحد، ما يضع بين يديه مفاتيح الميثاقية، ويمكّنه من تعطيل جلسات مجلس الوزراء. ناهيك بأنه يحرم الاقلية في الطائفة من تمثيلها في حكومة وحدة وطنية. في سبيل ذلك سُمع الرئيس اكثر من مرة يقول انه لن يوافق على الاطلاق على وضع المقاعد الدرزية الثلاثة لدى جنبلاط. هو الاكثر تمثيلاً في طائفته، لكنه ليس الوحيد. اما تتمة هذا الموقف، فهو ان عون لن يقصر تمثيل التيار الوطني الحر في الحكومة الجديدة على الحزبيين - وإن لهم الأولوية - بل سيشمل حلفاء كانوا في لائحته في اكثر من منطقة ومدّوه بكم كبير من الاصوات، ما يقتضي حجز مقاعد لهم في التمثيل من ضمن حصة التيار.
ثالثها، بعد الاستعداد الاخير لجنبلاط عقد تسوية بغية اخراج تأليف الحكومة من مأزقه، تلقفه رئيس الجمهورية، وابدى بدوره استعداداً للتجاوب معه، ولن يقف دونه ما دام يحترم «عدالة الاحجام». يستند هذا التساهل الى اقتراح يقول باحتمال وضع المقعد الدرزي الثالث في حصة عون، على ان يشغله درزي مستقل يوافق عليه الافرقاء الثلاثة، الرئيس وجنبلاط والنائب طلال ارسلان، مع تيقن عون ان ليس ثمة درزي مستقل شأن لا مارونياً او سنيّاً او شيعياً مستقلاً. في مسودة 3 ايلول التي حملها الحريري اليه، اقترح توليه هو المخرج بدرزي مستقل في حصته. بيد ان هذا الاقتراح لم يلقَ تجاوباً، وعُدّ وضع المقعد على نحو غير مباشر عند جنبلاط.
عون مع اعطاء حزب القوات لبنانية اربعة مقاعد، لكن ليس اربع حقائب


في جانب من المرونة والاستعداد للتسوية ابداه جنبلاط، تدخّل رئيس الجمهورية على اثر استعار السجالات غير اللائقة التي لم تخلُ من اهانات وشتائم بين انصار التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي عبر التواصل الاجتماعي، على نحو غير مسبوق، بيد انه خطير بتداعياتها على الفريقين اللذين اضحيا يتقاسمان زعامة جبل لبنان الجنوبي. في غياب باسيل في الخارج، اوعز رئيس الجمهورية الى نائب رئيس التيار رومل صابر اصدار بيان يطلب من الانصار التوقف عن سجالاتهم واشتباكهم مع حزب جنبلاط، اياً تكن ردود فعل الآخر. تلقى زعيم المختارة المبادرة بموقف مماثل، ثم اقرنه باظهار جهوزه للتفاهم على تسوية تنهي المشكلة الحكومية. تزامن ذلك مع اجتماعات عقدها ممثلون عن الحزبين هدّأت الارض، وشقت الطريق الى تفاهم في مسألة مختلفة هي التمثيل الدرزي في الحكومة.
رابعها، ان ابواب التسوية مع حزب القوات اللبنانية ليست موصدة تماماً. لا يمانع رئيس الجمهورية في حصوله على اربعة مقاعد، ولا على نيابة رئاسة الحكومة. الا ان المقاعد الثلاثة المتبقية ستحوز حقيبة خدماتية، وثانية عادية، وثالثة حقيبة دولة. لن تكون للمقاعد الاربعة حقائب اربع على نحو ما يطالب به جعجع، ولحظه الحريري في مسودته، ورفضه رئيس الجمهورية الذي امتعض تماماً من المسودة تلك اذ وضعت اثنتين من الحقائب الاساسية الثلاث للمسيحيين لدى حزب القوات اللبنانية، في مقابل حقيبة اساسية واحدة للتيار الوطني الحر وحلفائه في تكتله. كذلك انزعاجه من وضع ثلاث حقائب دولة عند رئيس الجمهورية وحزبه، وهي حصة المسيحيين من حقائب الدولة الست، بينما الحقائب الثلاث الاخرى للمسلمين تذهب بالتساوي الى الحريري وثنائي حزب الله - حركة أمل وجنبلاط.