بأي حق أوقفت القوى الأمنية، أمس، المواطن أجود العياش؟ ما من جواب منطقي، قانوني، قُدّم إلى الرأي العام. إذاً، نحن أمام «سلوك ميليشيوي» باسم الدولة. الاعتصام من أجل إقفال مطمر الناعمة قائم منذ أيام، وبالتالي كل كلام عن قمع حالة آنية لا معنى له، وبالتالي لا «جريمة مشهودة»، هذا على فرض اعتبار القوى الأمنية أن الاعتصام «جريمة».
بأي مسوغ قانوني حصل التوقيف لمواطن، هو من المعترضين على عيشه جنب النفايات السامة، وذلك لساعات داخل مخفر الدامور؟ أين القضاء من هذه العملية؟ النيابة العامة في جبل لبنان كانت غائبة عن السمع يوم أمس. حاولت «الأخبار» الاتصال بها ولكن من دون نتيجة. عندما بقي العياش لساعات طويلة داخل المخفر، هل أخذ رتباء التحقيق، أو رئيس المخفر، بصفتهم ضابطة عدلية، إشارة من النيابة العامة؟ المعلومات تشير إلى أن التوقيف لم يحصل بناءً على إشارة قضائية. النيابة العامة، في حالة أمس، جرى القفز فوقها وكأنها غير موجودة، وبالتالي يصبح السؤال مشروعاً: هل سيشعر القضاء بأن الأمن، باسم الدولة، قفز فوقه وتخطّاه، وبالتالي أهانه؟
في الواقع، يظهر ما حصل أمس قدرة «الزعامة السياسية» على القفز فوق كل القوانين، مرة أخرى، إذ تردد أن النائب وليد جنبلاط «طلب من وزارة الداخلية قمع الاعتصام، حفاظاً على سطوة زعامته ومصالحه في سوكلين، فكان له ما طلب». لا يمكن فهم ما حصل إلا على هذا النحو، خاصة مع عدم صدور أي توضيح من المسؤولين، في القضاء والأمن، لحقيقة ما حصل وسبب هذا التحرّك الأمني المفاجئ مع ساعات الصباح الأولى. اللافت أن قوى الأمن الداخلي، كمؤسسة رسمية، تسعى في الآونة الأخيرة لتأكيد حرصها على المعايير البيئية في عملها. وقد أعلنت أخيراً أن «ثكنة ضبيه هي ثكنة صديقة للبيئة، لناحية كل الأدوات المستعملة فيها، وسيطال هذا الأمر مختلف الثكنات لاحقاً، وذلك تعزيزاً لثقافة الأمن البيئي». الغريب أن هذه القوى الأمنية نفسها هي من تفض اعتصاماً بيئياً بالقوة، وتوقف أحد الناشطين في «اعتقال تعسفي»، ليصبح من الصعب تفسير هذه الخطوة بعيداً عن «التدخلات السياسية».
مسؤول أمني رسمي أبدى استغرابه لطبيعة ما حصل، لكون مطلب الأهالي المعتصمين محقاً، ولكن «عموماً لا يمكن القول إن ما حصل هو توقيف، فهذا الإجراء الرسمي لا يتم إلا بناءً على إشارة القضاء، وبعد الاستفسار تبين لنا أن العياش أخذ إلى المخفر لتهدئة الأجواء وليس بنية التوقيف». ويضيف المصدر في الإطار عينه: «فضّ الاعتصامات ليس بالضرورة أن يحوز إشارة من القضاء، والذي حصل بخصوص مطمر الناعمة مردّه إلى قرار السلطة الإدارية، التي تبدأ من المحافظ لتصل إلى وزارة الداخلية». حسناً، ماذا بعد سوق العياش إلى المخفر، وبقائه نحو 4 ساعات؟ ألا يحتاج هذا الأمر إلى إعلام النيابة العامة بالأمر؟ بالتأكيد هنا يمكن لوم القوى الأمنية، ولكن ما يفوق اللوم سيكون موجهاً إلى القضاء، الذي حتماً سمع بما حصل من دون أن يحرك ساكناً. الناشط لم يكن يمارس الشغب، بل خرج من منزله باكراً وكان يشرب القهوة في منزل المختار، قبل أن تحضر القوى الأمنية وتنادي عليه بالاسم ليخرج إليهم، ثم ليقتادوه إلى المخفر. الحديث أبداً لا يدور عن قمع شغب هنا، بل توقيف منهجي، أشبه بعمل الاستخبارات السرية. اللافت أن العياش يقول إن القوى الأمنية، داخل المخفر، مارست عليه «التهديد»، وطلبت منه التوقيع على تعهد بعدم الاعتصام مجدداً.
يُذكر أن المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية تنص على الآتي: «على الضباط العدليين أن يطلعوا النيابة العامة على ما يقومون به من إجراءات، ويتقيدوا بتعليماتها، ولا يحق لهم تفتيش منزل أو شخص إلا بعد استحصالهم على إذن منسبق من النيابة العامة. وكل تفتيش يجرونه، خلافاً لهذه الأصول، يكون باطلاً. كما يحظر عليهم احتجاز المشتبه فيه في نظارتهم إلا بقرار من النيابة العامة». الحديث هنا عن احتجاز «المشتبه فيه»، فكيف الحال مع احتجاز غير المشتبه فيه، كحالة المواطن العياش...؟ من يمكنه اليوم أن يفسّر هذا التعسّف؟

يمكنكم متابعة محمد نزال عبر تويتر | @Nazzal_Mohammad