يجهد محمد بن سلمان في البحث عن «كبش فداء» يزيح عنه تهمة قتل الصحافي جمال خاشقجي، مع تلويح راعيه دونالد ترامب بمطرقة القاضي قبل انتهاء المهلة المعطاة لرأس المملكة الأوحد. لكن مسار التحقيق المصحوب بالتسريبات، يضع ولي العهد في طريق مجهول، بدأت ملامحه بالظهور أمس مع تصعيد غربي غير مسبوق في وجه الحاكم الفعلي للسعودية، قاده ترامب، ولاقاه ماكرون الذي أعلن، بالتنسيق مع ألمانيا وبريطانيا وهولندا، مقاطعة الرياض!تضيقُ فرص ولي العهد محمد بن سلمان، في التملص من مسؤولية قتل جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول. لم يعد من مهرب من حقيقة باتت ساطعة في دوائر إستخبارات الدول الحليفة للرياض، لا سيما الولايات المتحدة، التي أعرب رئيسها دونالد ترامب، أمس، عن قناعته بأن خاشقجي «قد مات»، محذراً الرياض من عواقب «بالغة الشدة». وفيما بدأت مطالبات كشف مصير الضحية، تطرق أبواب البيت الأبيض، أبدى ساكنه الضجر، أمس، ممهلاً ابن سلمان أياماً معدودة، حتى يصيغ «نهاية» تنزع عنه رداء المتهم، قبل أن تلتف وتشتد خيوط القضية حول رقبته، بمعيّة «تسريبات مقطّرة»، لم تترك أيّاً من السيناريوات الممكنة لإيجاد «كبش فداء»، بل تاركة سؤال «ماذا لديهم بعد؟» يطرق رأس ولي العهد، على رغم عدم تبنّيها «رسمياً».
مواقف حلفاء الرياض الغربيين، أمس، أظهرت أن ثمة حقيقة باتت مكشوفة لديها. وهو ما بدا في الخطوات التي اتخذتها قبل تبنى «رواية» رسمياً، إذ أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تعليق الزيارات السياسية إلى السعودية، بالتنسيق مع ألمانيا والمملكة المتحدة وهولندا، بالتزامن مع إعلان ترامب قناعته بموت خاشقجي، وأن عواقب ذلك ستكون «وخيمة» على الرياض، في حال ثبت تورطها. لم يترك ترامب الفرصة للسعوديين، التي أمهلهم إياها وزير الخارجية، مايك بومبيو، عقب اجتماعه مع الأخير، في المكتب البيضاوي، بعد عودته من الرياض وأنقرة، بالقول إن أمام الرياض «بضعة أيام» لتقديم توضيحات بشأن مصير خاشقجي. فرغم أن ترامب أعلن أنه في انتظار تفاصيل «نحو ثلاثة تحقيقات منفصلة حتى يتسنى لنا معرفة الحقيقة»، لكن تصريحاته أمس، بدت كإنذار أخير، بعد أن بدأت واشنطن تشعر بأن تكاليف «التستر» على ابن سلمان باهظة داخلياً، في ظل الضغوط التي بدأت تعرّض مستقبل ترامب للخطر في الكونغرس، وأن المسؤولية بدأت تُلقى على عاتقها دولياً، كون خاشقجي «عاش في الولايات المتحدة»، كما قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمس.
أعلن ماكرون تعليق الزيارات إلى السعودية بالتنسيق مع ألمانيا وبريطانيا وهولندا


استطاعت تركيا، أن «تحقن» حلفاء الرياض، في لعبة انتظار نتائج «التحقيق الصامت»، المصحوب بـ«التسريبات»، التي باتت شبه نهائية في شأن تورط محمد بن سلمان شخصياً بدم خاشقجي. اكتمل أمس، كشف صلات «العصابة» التي نفذت اغتيال خاشقجي القريبة من ولي العهد. أولهم، المتهم بتنسيق العملية، العقيد السابق في الاستخبارات، ماهر عبدالعزيز مطرب، الذي كشفت «تسريبات» أول من أمس، أنه استأجر باسمه، الطائرتين الخاصتين اللتين حملتا منفذيها، وأنه أجرى اتصالات هاتفية يوم قتل خاشقجي، منها أربعة في مكتب سكرتير ابن سلمان. إذ نشرت قناة «الجزيرة» القطرية، أمس، أربع صور رصدت تحركات الأخير في إسطنبول، يوم دخول خاشقجي قنصلية بلاده في الـ 2 من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، تؤكد أنه دخل مبنى القنصلية قبل دخول خاشقجي بنحو 3 ساعات، قبل أن يتجه، بعد نحو 5 ساعات، إلى منزل القنصل محمد العتيبي، حيث يشتبه في وجود جثة خاشقجي، وقيامه مع فريقه بتسجيل إنهاء إقامتهم في أحد الفنادق القريبة (حُجزت لـ 4 أيام)، قبل أن يغادروا تركيا عبر مطار «أتاتورك» الدولي. أما فريق التنفيذ، فقد نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، هويات كل منهم، وفق جوازات سفر لـ7 منهم، حصلت عليها من مصادر تركية، وهم رئيس المجلس العلمي للطب الشرعي في الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، صلاح محمد طبيقي، المتهم بتقطيع جسد خاشقجي داخل مكتب القنصل وبحضوره، والعضو في الحرس الملكي، خالد عائض العتيبي، مشيرة إلى أنه دخل الولايات المتحدة 5 مرات على الأقل خلال عام 2014، ثلاثة منها تداخلت مع زيارات أجراها أفراد من آل سعود، والأعضاء في الحرس الملكي، ومحمد سعد الزهراني، الذي يصنف على أنه الحارس الشخصي لمحمد بن سلمان، وخالد عائض العتيبي، وعبد العزيز محمد الهوساوي. بالإضافة إلى الضباط: مشعل سعد البستاني (في سلاح الجو الملكي)، ونايف حسن العريفي (في القوات الخاصة)، ومنصور عثمان أبا حسين (في الدفاع المدني).
وفي ظل التساؤلات التي تشوب مسار التحقيق، والاتهامات لأنقرة بالتواطؤ في «صفقة» لإيجاد مخرج لابن سلمان، بالتزامن مع زيارة بومبيو، ردت تركيا عبر وزير العدل، عبد الحميد غل، أنه «من الضروري جداً الحفاظ على سرية التحقيقات»، داعياً إلى «عدم الأخذ في الاعتبار ما يصدر من تسريبات في قضيته». وبشكل غير مباشر، برر سبب عدم دخول المحققين الأتراك في وقت مبكر القنصلية، بالقول إن ذلك «يحتاج إلى قرار من الجهات المعنية»، وأن قرار المدعي العام «لا يكفي». أما عن أسباب السماح للقنصل، محمد العتيبي، بمغادرة البلاد قبل انتهاء التحقيق، فقال إن «هناك معاهدات دولية من الممكن الطلب بموجبها المطلوبين المعنيين»، لكنه لم يُجب على التساؤلات حول سبب تساهلها مع الرياض، بقبول طلبها بـ«التعاون» على رغم عدم ترجمته على الأرض، أو السماح لمسؤولي القنصلية، إدخال أي مواد (وإن كانت للتنظيف) إلى القنصلية قبل دخول فريق التحقيق بساعات.
كشف صلات ابن سلمان بـ«عصابة» الاغتيال، يمنع الأخير من جعل أي منهم «كبش فداء»، لكن إمكانية طلب المطلوبين عبر الإنتربول، في حال ثبُت ضلوعهم بقتل خاشقجي، يجعل ولي العهد في ورطة أخرى، لأن تسليمهم يُعد بمثابة التخلي عن «الصندوق الأسود» الذي يحفظ كامل ملابسات القضية، أما عدم تسليمهم، فيضع ولي العهد في قفص الاتهام بشكل أبدي.
وبعد أسبوعين على التحقيق، وعدم الخروج بنتيجة، على رغم دخول القنصلية مرتين، ومنزل القنصل، لا يزال البحث عن خاشقجي جارياً. بدأت الشرطة التركية، منذ أمس، تفتيشاً في ثلاث مناطق، يُعتقد بوجود جثة خاشقجي في إحداها، بحسب صحيفة «يني شفق»، مشيرة إلى أن تحديدها تم بناءً على حركة سيارات ديبلوماسية (عددها 16)، خرجت من القنصلية ليلة اختفاء خاشقجي، وفقد أثرها في حينها. ونقلت الصحيفة عن مصادر في الشرطة، أن هدف تلك السيارات كان التضليل، مشيرة إلى أن ماهر مطرب، يعلم مكان الجثة.