على رغم توقّف المعارك في محيط الحُديدة بعد محاولات تقدم ليلية عنيفة باءت جميعها بالفشل، رفض «التحالف» إقرار وجود هدنة على جبهة الساحل الغربي، معاوِداً تفعيل غاراته التي وصلت إلى ميناء المدينة. تصعيد ربما استهدف إسماع القيّمين على حراك وقف الحرب، الذي بدا أمس أنه سلك مساراً أكثر جدية، أنه لا تزال للسعودية كلمتها. ومع ذلك، يظلّ الحذر متقدماً على أيّ انطباع آخر.ألقت القوات الموالية لتحالف العدوان، ليل الأحد ـــ الاثنين، بثقلها كلّه في المعارك الدائرة على جبهة الساحل الغربي، لكنها لم تتمكّن من كسر النتيجة التي ثبّتتها مقاومة الجيش اليمني واللجان الشعبية على مدار عشرة أيام: مدينة الحديدة عصية على السقوط. فشل ترافق مع وقوع خسائر بشرية ومادية كبيرة في صفوف المهاجمين، حَملتْهم على التراجع، وهو ما انعكس هدوءاً يوم أمس على محاور القتال كافة. وصاحبت ذلك الهدوء عودة الزخم إلى الحراك المطالب بإنهاء الحرب والعودة إلى طاولة المفاوضات، مع زيارة وزير الخارجية البريطاني للسعودية والإمارات، يُرجّح ــ في حال نجاحها ــ أن تفتح الباب على صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار.
وسادت، أمس، حالة من الهدوء محيط مدينة الحديدة، بعد اشتباكات عنيفة بدأت ليلاً واستمرّت حتى ساعات الفجر. وأفادت مصادر ميدانية، «الأخبار»، بأن الميليشيات المدعومة إماراتياً حاولت التقدم باتجاه المدخل الشمالي للمدينة، بهدف قطع «خط الشام» الرابط بين الحديدة وصنعاء، إلا أنها جوبهت بمقاومة شرسة أجبرتها على العودة إلى محيط شارع الخمسين. وأضافت المصادر أن تلك الميليشيات حاولت، كذلك، الوصول (انطلاقاً من محيط مستشفى 22 مايو) إلى فندق الاتحاد وجولة الأقرعي، قبل أن تصطدم بمواجهة شديدة أدت إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوفها، وتدمير 6 آليات عسكرية، لتعقب الاشتباكاتِ إغارةُ الطيران على الفندق المشار إليه وتدميره. وفي المحور الساحلي (أقرب محاور القتال إلى ميناء الحديدة)، عاودت القوات الموالية لـ«التحالف» مساعيها إلى عبور حي الربصة وسوق السمك، لكنها لم تستطع أكثر من التقدم إلى جوار الحي المذكور، لتُجبَر لاحقاً على التراجع إلى دوار الجمال، ويَثبت أن إعلانها اقتحام «الربصة» غير صحيح. هذه النتيجة اعترف بها مسؤولون في القوات الموالية لـ«التحالف» لـ«فرانس برس»، مؤكدين أن «المتمرّدين» نجحوا في صدّ هجوم واسع على الحديدة من اتجاهين، وأوقعوا أكبر الخسائر البشرية في صفوف المهاجِمين منذ انطلاق العمليات الأخيرة.
وعلى رغم توقّف الاشتباكات بنحو شبه كامل، إلا أن طيران «التحالف» استمرّ في التحليق والإغارة، مستهدفاً مناطق واقعة في محيط الميناء بعدة غارات أدت إلى إصابة 3 مواطنين بجروح. وفيما استُهدف محيط الجامعة والمطار بغارتين، سُجّلت ثالثة على منزل أحد المواطنين في مديرية الحوك. ومع ذلك، أتاح تراجع القتال لمئات الأسر بالنزوح من حيَّي الربصة و7 يوليو إلى مناطق أكثر أمناً، بعدما تساقطت قذائف المدفعية على منازلها، وأدت إلى سقوط ضحايا في صفوفها. تداعيات إنسانية جدّدت الأمم المتحدة، أمس، تحذيراتها من تفاقهما، خصوصاً «إذا ما حصل تدمير للميناء، فقد يؤدي ذلك إلى وضع كارثي بالتأكيد» وفق ما نبّه إليه الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش. اللافت أن غوتيريش وجّه انتقاداً مباشراً إلى العمليات التي يقودها «التحالف» على الساحل الغربي، قائلاً إنه «في الوقت الحالي، يبدو التحالف مصمّماً على السيطرة على الحديدة، وبرأيي هذا الأمر لا يزال يعرقل بدء حل سياسي فعلياً». وشدد على ضرورة «وقف المعارك وبدء النقاش السياسي»، متحدثاً عن «توافق من جانب الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا والعديد من دول المنطقة على أنه حان الوقت أخيراً لإنهاء النزاع»، مضيفاً أن «هناك إطاراً للحلّ قُدّم إلى الأطراف المختلفة».
يزور جيريمي هانت السعودية والإمارات للدفع بالحلّ السياسي قدماً


هذا الدفع الأممي نحو تعليق القتال والعودة إلى طاولة المفاوضات لاقاه وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت، الذي يزور السعودية قبل أن ينتقل منها إلى الإمارات، بهدف «مطالبة جميع الأطراف» بالتزام العملية السياسية. وقال هانت، في بيان قبيل توجّهه إلى الرياض، إن «التكلفة البشرية للحرب هائلة»، مشدداً على أن «الحل الوحيد الآن اتخاذ قرار سياسي بتنحية السلاح، والسعي إلى السلام». ورأى الوزير البريطاني، الذي التقى أمس المسؤولين السعوديين ويُنتظر أن يجتمع بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، أن «هناك نافذة لإحداث فرق، و(إنجاح) جهود المملكة المتحدة في مجلس الأمن الدولي»، في إشارة إلى المساعي التي أعلنت بلاده ــ مطلع الشهر الجاري ــ أنها تقودها بهدف استصدار قرار من مجلس الأمن «يضمن تنفيذ وقف لإطلاق النار بشكل كامل». وسبق موقفَ هانت تجديد وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، ليل الأحد ــ الاثنين، دعوة الولايات المتحدة إلى «وقف الأعمال القتالية، وجلوس جميع الأطراف إلى الطاولة للتفاوض على حلّ سلمي للنزاع». ورأى وزير الخارجية الفرنسية، جان إيف لودريان، بدوره، أنه «لا يمكن أي طرف أن يخرج منتصراً»، معتبراً أن «على المجتمع الدولي أن يقول كفى. هذا ما تقوله الولايات المتحدة وما نقوله نحن ويقوله البريطانيون كذلك».
وخلّف ترافق تلك التحركات والتصريحات مع انحسار المعارك في محيط الحديدة تفاؤلاً لدى المسؤولين الأمميين، الذين عدّوا ذلك «إشارة إيجابية»، و«موضع ترحيب شديد» على حدّ تعبير منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن ليز جراندي. لكن المتحدث باسم تحالف العدوان، تركي المالكي، عاد وأحاط مؤشرات التهدئة بالغموض، بقوله في مؤتمر صحافي في الرياض إن «عملية الحديدة مستمرة، وليس صحيحاً أن هناك وقفاً لإطلاق النار». موقف يُحتمل أن يكون هروباً من الاعتراف بأن «موازين القوى تتغيّر لمصلحة القوى الوطنية بعد المحاولة الرابعة لاحتلال الحديدة»، وفق ما أكد عضو المكتب السياسي في «أنصار الله» محمد البخيتي، خصوصاً أن السعودية سبق لها أن تبرّأت من العملية الأخيرة قبل أن تعود لتبنّيها. وفي انتظار اتضاح مآل «التهدئة» التي استمرّت حتى مساء أمس من دون أن يخرقها سوى تبادل محدود للقصف المدفعي غرب مطار الحديدة، فضلاً عن غارة لـ«التحالف» أوقعت 3 قتلى عند مدخل الميناء، تتجه الأنظار إلى ما سيسفر عنه الحراك الأممي والدولي المتجدد، الذي استأنفه مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، أمس، بلقائه قيادات حكومة الرئيس المنتهية، ولايته عبد ربه منصور هادي، في الرياض.