تجدّدت، مساء أمس، بمشاركة كثيفة من طيران «التحالف»، المواجهات العنيفة في محيط مدينة الحديدة، وتحديداً في جنوب غربها، في محاولة من الميليشيات المدعومة إماراتياً للسيطرة على «خط الشام» الرابط ما بين الحديدة وصنعاء. تطور من شأنه تعقيد الحراك الجاري في مجلس الأمن، الذي يُفترض أن يصوّت، خلال الأيام المقبلة، على مشروع قرار بريطاني، يحمل في طيّاته عودة ضمنية إلى المبادرة التي كان قد أطلقها رئيس «المجلس السياسي الأعلى» (سابقاً)، صالح الصماد، والقائمة على وقف الغارات مقابل وقف الصواريخ.مع إعلان «أنصار الله» مبادرتها بوقف إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة على السعودية والإمارات وحلفائهما في اليمن، استمرّ توالي المؤشرات على إمكانية التوصّل إلى اتفاق لإنهاء القتال، وإعادة إطلاق المسار التفاوضي الذي تعثّر في أيلول/ سبتمبر الماضي. وتعزّزت تلك الإمكانية، أمس، عقب تقدّم بريطانيا بمشروع قرارها الموعود إلى مجلس الأمن الدولي، توازياً مع زيارة لوزير خارجيتها جيريمي هانت لإيران، وضع الزائر على رأس جدول أعمالها جهود حلّ الأزمة اليمنية. حراك بريطاني مكثّف يضفي طابعاً من الجدية على الدعوات الدولية الأخيرة إلى وقف الحرب والتمهيد للتسوية السياسية، خصوصاً أن ثمة رسائل إيجابية موازية صادرة من السعودية والحكومة الموالية لها.
وبدأ مجلس الأمن، أمس، بحث مشروع قرار صاغته بريطانيا بشأن اليمن، تمهيداً للتصويت عليه، من دون أن يتحدّد موعد لذلك. ويدعو المشروع إلى وقف «الأعمال العدائية» في محافظة الحديدة الساحلية، وإنهاء الهجمات على المناطق السكنية في أنحاء البلاد كافة، وتعليق الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة على «دول المنطقة وعلى المناطق البحرية» (يُشار، هنا، إلى أن «أنصار الله» كانت عرضت مراراً على تحالف العدوان وقف الغارات مقابل وقف القصف الصاروخي، ما يعني أن «المجتمع الدولي» يعود عملياً إلى مربع المبادرات الصادرة من صنعاء). كما تدعو المسوّدة إلى السماح بتدفق المساعدات الإنسانية والواردات الضرورية إلى جميع المناطق في غضون أسبوعين من صدور القرار، وضخّ العملة الأجنبية سريعاً وبكميات كبيرة في الاقتصاد من خلال البنك المركزي. ومن شأن الخطة البريطانية، إذا ما تمّ إقرارها، أن تمثّل تقدماً كبيراً باتجاه إنهاء الحرب، على اعتبار أنها تتضمّن معظم جوانب عملية «بناء الثقة»، التي يريد المبعوث الأممي مارتن غريفيث إتمامها، قبيل بدء الجولة التفاوضية المقبلة المنتظرة أواخر الشهر الجاري في السويد.
الأجواء الإيجابية التي أشاعها توزيع مشروع القرار البريطاني على أعضاء مجلس الأمن، عزّزتها زيارة لوزير خارجية المملكة المتحدة إلى إيران، هي الأولى لمسؤول غربي منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. وتأتي هذه الزيارة بعد أسبوع من جولة إقليمية لهانت أخذته إلى كلّ من السعودية والإمارات، والتقى خلالها مسؤولي الدولتين إلى جانب ممثلين عن حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، ما يجعل خطوة الوزير البريطاني تجاه طهران متصلة بحراك بلاده على خطّ اليمن. وهو ربط أكّده هانت بنفسه عندما قال للصحافيين إن «هذا الجزء من العالم هو بصراحة برميل بارود، وربما تسير فيه كثير من الأمور بشكل خاطئ»، مضيفاً أن «إيران هي أحد الأطراف الرئيسة»، مؤكداً «(أننا) حريصون للغاية على التقدم باتجاه السلام. هذه أولويتنا الرقم واحد حالياً». تصريح يصبّ في صالح تزخيم الجهود الديبلوماسية المبذولة لـ«خلق مناخ مؤات لانعقاد المشاورات»، مثلما دعا إليه غريفيث في معرض تعليقه على مبادرة «أنصار الله»، التي أبدى ترحيبه بها، آملاً «استمرار جميع الأطراف في ضبط النفس».
ولم تتأخّر وزارة الدفاع في حكومة الإنقاذ في ملاقاة البيان الصادر مساء الأحد عن رئيس «اللجنة الثورية العليا» محمد علي الحوثي، إذ رحّبت أمس بمبادرة وقف إطلاق الصواريخ والطائرات المسّيرة، مُعلنة تأييدها لها «مع الاحتفاظ الكامل بحق الرد على أي خرق أو تصعيد من قِبَل قوى العدوان ومرتزقتهم». وفي قبالة المرونة التي تعاملت بها «أنصار الله» مع مقترحات غريفيث، برزت علامات تراجع في الخطاب الذي ألقاه الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، أمام مجلس الشورى، حيث غابت السردية المعتادة عن «الميليشيا الإرهابية» التي «تهدّد أمن السعودية والأمن الإقليمي والدولي»، واقتصرت على تكرار الادعاء أن العدوان إنما جاء «نصرة للشعب اليمني» على «الميليشيات الانقلابية المدعومة من إيران». على أن الأهم في كلمة سلمان هو تأكيده «دعمنا الوصول إلى حلّ سياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن 2216، والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني الشامل».
أعلنت حكومة هادي أنها سترسل وفدها التفاوضيّ إلى السويد


وهي «مرجعيات» ترى السعودية والحكومة الموالية لها ضرورة التمسّك بها لفظياً من باب رفع السقف، على رغم أن الحراك الجاري حالياً يبدو متجاوزاً ـــ على الأقل ـــ القرار 2216 (نيسان/ أبريل 2015)، الذي كان مُوجّهاً بكامله ضد «أنصار الله»، وشكّل غطاءً نموذجياً لاستمرار العدوان وتصاعده. وجدّدت حكومة هادي، أمس، تشديدها على ضرورة «التوصل إلى حل سياسي» على أساس تلك «المرجعيات»، مُعلِنة في الوقت نفسه أنها سترسل وفدها التفاوضي إلى المشاورات المنتظرة في جنيف. ودعت غريفيث إلى «الضغط» على «أنصار الله» من أجل «الحضور إلى المشاورات من دون قيد أو شرط»، مطالبة إياه بـ«اتخاذ موقف حازم إزاء أي تعطيل». وبمعزل عمّا تنطوي عليه تحذيرات الحكومة الموالية للرياض من محاولات تضليل، فإن غريفيث يبدو حريصاً على تذليل العقبات التي حالت دون حضور «أنصار الله» إلى الجولة السابقة في أيلول/ سبتمبر، إذ إنه اقترح، في الإحاطة التي قدّمها الجمعة الماضي إلى مجلس الأمن، أن يسافر بشخصه مع وفد صنعاء التفاوضي إلى السويد «إذا كان ذلك ضرورياً»، ما يشي بأن ثمة إصراراً هذه المرة، يذكيه الحراك البريطاني في اتجاه تسهيل انعقاد المفاوضات.