أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب موقفه النهائي من قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، مؤكداً وقوفه إلى جانب السعودية لكونها «شريكاً راسخاً» للولايات المتحدة. وفي بيانٍ حمل عنوان «أميركا أولاً» صدر يوم أمس، برّر ترامب تأييده المستمر للسعودية بكون الأخيرة تدفع مبالغ باهظة لبلاده ثمن صفقات السلاح، وبسبب «دورها في خفض أسعار النفط العالمية»، في وقتٍ استهل فيه البيان بالحديث عن دور إيران و«الخطر الأكبر» الذي تمثّله بالنسبة للعالم. إعلان ترامب، الذي انتظره العالم في الأيام الأخيرة، «قفز» على محتوى تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية التي خلُصت إلى أن وليّ عهد السعودية محمد بن سلمان كان على علم بمقتل خاشقجي، رافضاً تحميل الأخير المسؤولية، مع أن ترامب قال، في بيانه، إنه «قد يكون من الوارد جداً» أنه كان لابن سلمان علم بخطة قتل خاشقجي. ترامب أضاف، في حديثٍ إلى الصحافيين، أن «سي آي إيه نظرت في الأمر ولم تتوصّل إلى أيّ شيء قاطع».
وتحدّى ترامب ضغوط بعض المشرعين الأميركيين لفرض عقوبات أشد على السعودية، قائلاً إنه لن يلغي العقود العسكرية مع المملكة، لأن ذلك «حماقة» لن تفيد سوى روسيا والصين «اللتين تنافسان واشنطن في سوق الأسلحة». وأوضح الرئيس الأميركي المزيد في هذا السياق بالقول: «الأمر بالنسبة لي بمنتهى البساطة... أميركا أولاً... لن أدمّر اقتصاد العالم ولن أدمّر اقتصاد بلادنا بالتصرف بحماقة مع السعودية».
وفي كلمة إلى الصحافيين قبل التوجه إلى فلوريدا لمناسبة «عيد الشكر»، تحدث ترامب عن احتمال ضلوع ابن سلمان في قتل خاشقجي، قائلاً: «قد يكون من الوارد جداً أن ولي العهد كان على علم بهذا الحادث المأساوي، ربما كان على علم به وربما لا». كذلك، أشار ترامب إلى احتمال أن يلتقي بابن سلمان على هامش قمة مجموعة العشرين، المقرر عقدها الأسبوع المقبل في الأرجنتين.

«واشنطن بوست»: بيان ترامب «خيانة»
انتقدت صحيفة «واشنطن بوست» بيان ترامب، معتبرةً أن ردّه على مقتل خاشقجي هو «خيانة للقيم الأميركية».
وقال الناشر والمدير التنفيذي للصحيفة التي كان خاشقجي يكتب عموداً أسبوعياً فيها، إن «رد ترامب على القتل الوحشي للصحافي جمال خاشقجي هو خيانة للقيم الأميركية الراسخة في احترام حقوق الإنسان وتوقع الثقة والصدق في علاقاتنا الاستراتيجية». وأضاف فريد ريان، أن ترامب «يضع العلاقات الشخصية والمصالح التجارية فوق المصالح الأميركية برغبته في مواصلة القيام بالأعمال المعتادة مع ولي عهد المملكة العربية السعودية»، مشيراً إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية «حققت بشكل شامل في مقتل هذا الصحافي البريء وخلصت بثقة عالية إلى أنه كان بتوجيه ولي العهد. وإذا كان هناك سبب للشك في نتائج وكالة الاستخبارات المركزية، ينبغي على ترامب أن يجعل تلك الأدلة علنية على الفور».
وأكد أن ترامب على حق في القول إن العالم مكان «خطير للغاية» (وردت العبارة في بيانه)، لكن «استسلامه لهذه الجريمة التي أمرت بها دولة سيجّعل العالم أكثر خطورة». ريان لفت إلى أن الرجل البريء الذي قُتل بوحشية يستحق أفضل، وكذلك الحقيقة والعدالة وحقوق الإنسان. كذلك، دعا ناشر الصحيفة الكونغرس إلى التحرك، قائلاً إنه في ظل هذا الفشل في القيادة من الرئيس ترامب، يقع الآن على عاتق الكونغرس الوقوف للدفاع عن قيم أميركا الحقيقية ومصالحها الدائمة.
في السياق نفسه، علقت محررة المقالات الدولية في «واشنطن بوست» كارين عطية على التصريح، وقالت إنه «مليء بالأكاذيب والتجاهل الصارخ للاستخبارات الأميركية».
جاء ذلك في مقالة لعطية حملت عنوان «جريمة خاشقجي ستبقى للأبد وصمة عار في جبين ترامب والولايات المتحدة». وأضافت في مقالتها: «يظهر (خطاب ترامب) تجاهلاً لا يغتفر لحياة السعوديين الذين يجرؤون على انتقاد النظام. هذا تنازل جديد»، مشيرةً إلى أن هناك أدلة قائمة على تورط محمد بن سلمان في عملية القتل.

مشرعون: انتهاك صارخ لحقوق الإنسان
بعد صدور البيان الرئاسي، سارع مشرّعون ديموقراطيون إلى اتهام ترامب بـ«تقويض عمل وكالات الاستخبارات والتقاعس عن مواجهة السعودية»، في ما يتصل بـ«انتهاك صارخ لحقوق الإنسان».
وقالت السيناتور ديان فاينستاين: «حقوق الإنسان أكثر من مجرد مصطلح. ينبغي أن تعني شيئاً. وهذا يعني التصدي لجريمة قتل من جانب حكومة أجنبية وإدانتها. كل من لعب دوراً في هذه الجريمة يجب أن يخضع للمساءلة».
من جهته، دعا العضو الديموقراطي البارز في لجنة المخابرات في مجلس النواب آدم شيف، إلى إنهاء دعم واشنطن للسعودية وقال إنه «من غير المتصور أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كان لا يعلم أو غير متورط» في مقتل خاشقجي. وقال، في بيان: «يجب أن ننهي على الفور الدعم الذي نقدمه للسعوديين في حرب اليمن ونضع حدّاً لذلك الصراع، ونعلق مبيعات الأسلحة للمملكة ونقلص اعتمادنا على الرياض في ما يتعلق بقضايا أخرى في المنطقة».
من جهتهما، طالب كل من السيناتور بوب كروكر والسيناتور بوب مينينديز ترامب، بتحديد علاقة ابن سلمان، بقضية مقتل خاشقجي. جاء ذلك في رسالة وجهها كروكر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي ومينينديز العضو في اللجنة ذاتها إلى ترامب.
في سياق متصل، أعرب السيناتور الجمهوري ليندزي غراهام، عبر موقع «تويتر»، عن ثقته بأن كلا الحزبين الجمهوري والديموقراطي سيدعمان فرض عقوبات صارمة على السعودية، بما في ذلك العائلة الملكية، في حال طُرح هذا الملف أمام الكونغرس. وأضاف قائلاً: «برغم أن السعودية تعتبر من شركائنا الاستراتيجيين، فإن تصرف ابن سلمان يعدّ إساءة لعلاقاتنا، وبالنسبة لي فإن ولي العهد قد سمّم نفسه».
وكانت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ قد بعثت برسالة مماثلة إلى الرئيس ترامب طالبت خلالها بفتح تحقيق في قضية مقتل خاشقجي، في إطار قانون «ماغنيتسكي لحقوق الإنسان والمساءلة».
بدوره، قال النائب الجمهوري فرانسيس روني، وهو عضو في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، إن واشنطن يجب أن تطبق ما يسمى بقانون ماغنيتسكي على المسؤولين عن مقتل خاشقجي.
‭‭‭‬‬‬وبموجب التشريع، يتم استهداف منتهكي حقوق الإنسان بتجميد أصولهم الأميركية، وحظر سفرهم للولايات المتحدة، ومنع الأميركيين من التعامل معهم.