لليوم الثاني على التوالي، يقضّ أنصار تيار «المستقبل» هدوء العاصمة بيروت وبعض المناطق الساحلية ومدينة طرابلس بقطع الطرقات وإحراق الإطارات وإرهاب المواطنين. والذريعة، كلام للوزير السابق وئام وهّاب بحقّ الرئيس سعد الحريري اعتبره «الجمهور الغاضب» مسيئاً، فيما لم يكن ردّ كتلة المستقبل النيابية وبيان التيار في منطقة الإقليم أقل إساءةً منه بحق وهّاب.هل هو تمرين على استعادة خيار الشارع عند الرئيس المكلّف، العاجز حتى الآن عن تشكيل الحكومة بسبب تعنّته ورفضه لنتائج الانتخابات النيابية؟ هل هي بروفا على إعادة تخويف اللبنانيين بأمنهم وتذكير بالأيام السوداء، من يوم «أحداث الجامعة العربية» الشهيرة، إلى أيام قطع الطرقات والاعتداء على المواطنين على الخط الساحلي الجنوبي؟
أكثر من مصدر أمني وحزبي اتصلت بهم «الأخبار» أمس خففوا من دلالات ما يحصل وإعادة تحريك شارع تيار المستقبل، واضعين الأمر في خانة الانفعال وفشّة الخلق بسبب تصريحات وهّاب.
غير أن «فشّة الخلق» تلك، عندما تتحول إلى عادة أو نمط في العمل السياسي، تصبح أمراً خطيراً على قاعدة «مش كل مرّة بتسلم الجرّة». فمن يضمن أن لا تجرّ تلك التحركات تحركات مضادة في الشارع، «عفوية» بدورها؟ أو من يكفل أن لا يتطور أي حادث فردي في الشارع إلى ما هو أبعد من ذلك، أو أن لا تستغل إحدى الجهات ما يحصل لافتعال إشكالات تعيد البلاد سنوات إلى الوراء؟ لقد حان الوقت ليتوقّف تيار المستقبل عن الوقوف على حافة الهاوية في الشارع، الذي ما عادت أحجامه مخيفة إلّا من الفوضى، ولأن البلاد لم تعد تحتمل.
ومن الشارع، إلى عملية تأليف الحكومة، لا يزال الحريري عند رفضه عدم إعطاء موعد للنواب الستة، ضارباً بذلك كل أعراف العمل السياسي والبروتوكول. وإذا كان الحريري قد قرّر ابتزاز القوى السياسيّة بإصراره على عدم التنازل عن أي من المقاعد التي يعتبرها من حصته، ولا عن التكليف، فإن الوزير جبران باسيل، قرّر التحرّك أمس في محاولة لحلحلة الأزمة، بداية من عين التينة، لكن على قاعدة عدم التنازل عن أي مقعد من حصة العهد والتيار الوطني الحرّ، أو عن الـ 11 وزيراً (الثلث المعطّل في الحكومة).
عند رئيس المجلس النيابي نبيه بري، قدّم باسيل ثلاث أفكار لحلّ الأزمة الحكومية، المتمثّلة بتمثيل النواب السُّنة من خارج تيار المستقبل. أما القاسم المشترك في أفكار باسيل الثلاث، فهي أوّلاًَ التشديد على أن أي توزير لن يضم أياً من أسماء النواب الستة، بل من يمثّلهم، وثانياً أن لا يتضمن الحلّ أي تنازل من حصة عون أو التيار الوطني الحر. وفيما لم يفصح بري عن مضمون الأفكار الثلاث التي عرضها باسيل، علمت «الأخبار» اثنين منها، وهي أن يجري التبادل بين حزب الله وحركة أمل من جهة والتيار الوطني الحر من جهة أخرى، بأن يحصل الثنائي على الوزير السُّني من حصة الرئيس، مقابل وزير شيعي من حصتهم، ليجري توزير من يمثّل النواب الستة، والفكرة الثانية أن يُزاد عدد الوزراء في الحكومة إلى 32 وزيراً، فيحصل الحريري على وزير علوي مقابل تنازله عن وزير سُنّي، ويحصل التيار الوطني الحر على وزير أقليات، وبذلك يكون الحريري قد حافظ على عدد وزرائه ولم يتنازل باسيل، الذي يحافظ على 12 وزيراً من أصل 32، أي الثلث المعطّل. وعلمت «الأخبار» أن رئيس المجلس النيابي، قطع الطريق على اقتراح التبادل، مؤكّداًَ أن أمل وحزب الله سبق أن حسما أسماء وزرائهما، وهما متمسكان بحصتهم. وأضاف برّي أمام باسيل أنه ليس واضحاً سبب إصرار باسيل على الحصول على 11 وزيراً أو الثلث المعطّل في الحكومة، ما دام لدى التيار حلفاء موثوقون في الحكومة. كذلك ذكّر رئيس المجلس وزير الخارجية بتنازل حركة أمل عن وزير شيعي لحساب توزير النائب فيصل كرامي في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، معتبراً أن التيار الوطني الحرّ ورئيس الجمهورية يمكن أن يكونوا الطرف الذي يجمع القوى السياسية ويحضن القوى الصغيرة التي من حقها أن تمثّل في الحكومة، وضمان عدم إقصاء أحد. كذلك استبعد رئيس المجلس خيار زيادة عدد الوزراء في الحكومة. وفي السياق، قال النائب عبد الرحيم مراد لـ«الأخبار» إن ما يحكى عن توزير من يمثّل النواب الستة، حلّ غير وارد، «فليشرح لنا دعاة هذا الحلّ السبب في استبعادنا ونحن نمثّل شريحة معتبرة من اللبنانيين. هذا الطرح غير مقبول بالنسبة إلينا». وعلى هذا الأساس، استبعد أكثر من طرف سياسي معني أن ترى الحكومة النور في وقت قريب، ما دام الجميع متمسّكين بعدم التنازل.
ذكّر بري باسيل باليوم الذي تنازلت فيه حركة أمل عن مقعد وزاري لمصلحة كرامي


ومن جهة ثانية، علمت «الأخبار» أن وزير الخارجية «مرتاح جداً» وأنه «متفائل بتذليل آخر العقبات وتشكيل الحكومة قبل حلول الأعياد». ووصفت مصادر التيار الوطني الحر لقاء بري - باسيل بـ«الإيجابي جداً»، وأكّدت أن الأجواء «إيجابية ومشجّعة... وسنصل إلى حل». وأوضحت أن رئيس التيار بحث مع رئيس المجلس في ثلاثة أفكار «تتمحور حول حل لا يكون على حساب أي طرف: لا الحريري ولا حزب الله ولا رئيس الجمهورية»، مشيرة إلى أن «في جعبة باسيل أرانب أخرى قد يخرجها إن لم تؤدّ الأفكار المطروحة إلى حلول». وعلمت «الأخبار» أيضاً أن باسيل أجرى أمس، إضافة إلى لقائه بري، مروحة واسعة ومكثفة من الاتصالات شملت كل الأطراف، على أن يستأنف اتصالاته عقب عودته غداً من صربيا التي يغادر إليها اليوم.
وقال برّي أمام زواره أمس: «لمست نية جدية وحماسة لدى الوزير باسيل، لكن ثمة أمور تحتاج إلى مراجعة رئيس الجمهورية والحريري والنواب الستة. الحركة ماشية ويأمل باسيل أن يؤدي تحركه إلى ولادة الحكومة قبل الأعياد». وأوضح بري أنه لا يزال يريد الحكومة أمس قبل اليوم، وقال: «لا أستطيع أن أجزم بالحل، لأن الأفكار تحتاج إلى بلورة. الأفكار الثلاث قابلة للمتابعة والمناقشة، لكن هناك صعوبة في أن تمرّ إذا لم يحصل تسهيل لها من كل الأطراف، وقد اتفقنا على استمرار التواصل». ورداً على سؤال عمّا إذا كان سيتدخل للوصول إلى حلّ، أجاب بري: «عندما تحصل خطوات معينة أتدخل، لكنني لا أستطيع تحديد موعد لذلك. أنا عرضت في كل من الأفكار الثلاث سلبياتها وإيجابياتها».