بعد مفاوضات شاقة امتدت ليومين، كُسرت حالة الجمود التي سبقت «محادثات فيينا» بشأن تخفيض إنتاج النفط، أمس، باتفاق الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» والمنتجين المستقلين (أوبك +)، على خفض أكبر من المتوقع، رغم ضغوط الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على «أوبك» لإبقاء الإنتاج مرتفعاً بما يخفّض أسعار الخام.الاتفاق الذي يدخل حيّز التنفيذ، في الأول من كانون الثاني/ يناير المقبل، سيفضي إلى رفع الأسعار التي هوت منذ مطلع تشرين الأول/ أكتوبر، جراء زيادة المعروض. وبينما كانت الرياض تقترح خفض الإنتاج بمقدار مليون برميل يومياً قبل الاجتماع، بعدما كان الاتفاق السابق (عام 2016) يحدد الخفض بمقدار 1.8 مليون برميل يومياً، توصّلت «أوبك +»، في ختام اجتماعات أمس، إلى اتفاق ينص على خفض الإنتاج بمعدّل 1.2 مليون برميل يومياً، انطلاقاً من مستويات الإنتاج في تشرين الأول/ أكتوبر، على أن يتم احتساب هذا الخفض لمدة ستة أشهر فقط وتتم مراجعته في نيسان/ أبريل المقبل، وفق ما أعلن متحدث باسم «أوبك».
الخفض المتفق عليه، سيتم بمعدل 800 ألف برميل يومياً للدول الـ 14 الأعضاء في «أوبك»، و400 ألف برميل لشركائها العشرة وبينهم روسيا. الأخيرة التي ستتحمل خفض «نحو 228 ألف برميل يومياً من الاتفاق الحالي»، كما أكد وزير طاقتها ألكسندر نوفاك بعد لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سان بطرسبرغ أول من أمس، أكدت أن تخفيض إنتاج النفط سيكون «بشكل تدريجي وسيستغرق بضعة أشهر»، فهي ترى أن الأمر يحتاج إلى عملية تدريجية على غرار الاتفاقات السابقة، التي استغرقت الشركات الروسية فيها شهوراً حتى وصلت إلى المستوى الذي كانت تتحمله من الخفض.
صدّرت واشنطن الأسبوع الماضي نفطاً أكثر مما استوردت لأول مرة منذ 75 عاماً


وقفزت أسعار النفط حوالى 5 في المئة متجاوزة 63 دولاراً للبرميل، لأن الخفض الإجمالي البالغ 1.2 مليون برميل يومياً أكبر من المستوى الذي توقعته السوق والبالغ مليون برميل يومياً. وفي رد وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، عن سؤال حول ما إذا كان القرار قد يلحق ضرراً بعلاقات الرياض مع واشنطن، قال للصحافيين إن المملكة مستعدة لضخ المزيد من الخام إذا حدث انقطاع كبير في الإمدادات. وأضاف إنه بالنظر إلى أن الولايات المتحدة أصبحت أكبر دولة منتجة للنفط، فإن شركاتها للطاقة «تتنفس الصعداء».
أما إيران، ورغم الجهود الحثيثة التي قامت بها الرياض لعدم منحها استثناء من التخفيض، فقد بدت «فائزة» بعد محادثات أمس، إذ حصلت على الإعفاء بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليها. ووافقت دول «أوبك» على الإعفاء بعد «وساطة» روسية. وكان وزير النفط الإيراني بيجن زنغنة، قد دعا في الجولات السابقة من النقاش إلى استبعاد بلاده من أي قرار يخص مستوى الإنتاج. وأكد أن بلاده «لن تشارك في أي اتفاق ما دام الحظر سارياً». ونقلت وكالة «رويترز»، عن مصادر أن إيران «تطالب بالنص صراحة في البيان الختامي على استثنائها من قرار خفض الإنتاج، طالما ظلت العقوبات الأميركية مطبقة عليها، فيما ترفض دول أخرى، من بينها السعودية، ذلك»، غير أن البيان الختامي لم يشر صراحة إلى ذلك. الإعفاء من خفض الإنتاج شمل أيضاً دولتين، هما: فنزويلا وليبيا، وفق ما أكد وزير الطاقة الإماراتي، رئيس الدورة الحالية لاجتماع «أوبك»، سهيل المزروعي.
على الصعيد الأميركي، وفي ظلّ عدم نجاح مساعي الرئيس دونالد ترامب، الذي مارس ضغوطاً لخفض سعر الخام، أظهرت أرقام نشرت بالتزامن مع اجتماع «أوبك +» أن الولايات المتحدة أصبحت مصدّراً صافياً للنفط الخام والمنتجات المكرّرة، للمرة الأولى منذ 75 عاماً، ما يسلط الضوء على مدى زيادة الإنتاج التي غيرت في معادلة المعروض في الأسواق العالمية. وتتنافس روسيا والسعودية والولايات المتحدة على صدارة منتجي الخام في السنوات الأخيرة، فيما لا تشارك الولايات المتحدة في مبادرات تقييد الإنتاج نظراً إلى وجود تشريعات «مكافحة الاحتكار» لديها. ونشرت «بلومبرغ» بيانات من إدارة معلومات الطاقة الأميركية تفيد بأنه للمرة الأولى منذ نحو 75 عاماً، صدّرت واشنطن نفطاً أكثر مما استوردت، وذلك خلال الفترة بين 26 تشرين الثاني/ نوفمبر و2 كانون الأول/ ديسمبر». وقالت الوكالة إن «الفارق اليومي بين صادرات وواردات الولايات المتحدة من الوقود الأسبوع الماضي، بلغ 211 ألف برميل لمصلحة الصادرات، وذلك للمرة الأولى منذ 1949، عندما كان هاري ترومان رئيساً». ووفقاً لـ«بلومبيرغ»، فإن ذروة صافي واردات النفط إلى الولايات المتحدة سجلت في عام 2005، وبلغت 12.5 مليون برميل يومياً. ونقلت الوكالة عن المحلل الأميركي مايكل لينش، قوله تعليقاً على تعاظم الصادرات الأميركية: «لقد أصبحنا قوة مهيمنة في سوق الطاقة في العالم، والتغييرات لا تزال غير كافية لإحداث ثورة عملاقة، لكنها ستكون كافية لتفرض على منظمة أوبك التفكير طويلاً خلال مفاوضات أعضائها لتخفيض الإنتاج».