مع كلّ حدثٍ رياضي عالمي وتحديداً كروي تتكرر الأسئلة عينها لدى اللبنانيين: أين سنتابع منافسات هذا الحدث؟ كيف سيشاهد الجمهور المباريات؟ بأي وسيلة وعلى أي قناة؟ والأهم ما هي الكلفة؟ سيناريو عاشه اللبنانيون في الصيف الماضي مع بطولة كأس العالم. غالباً ما يتكرر السيناريو كلّ عامين وتحديداً عند البطولات الكبيرة، كأس العالم، كأس أوروبا. هذه المرّة اختلف الأمر. المشهد يتكرر بعد أشهر قليلة من المونديال، الحدث هو كأس آسيالم تجرِ العادة أن تحظى كأس آسيا لكرة القدم باهتمام الجمهور اللبناني، كما هو الحال هذه السنة. صحيحٌ أن كرة القدم هي اللعبة الشعبيّة الأولى في لبنان، لكن اهتمام الجمهور اللبناني غالباً ما يكون منصباً على البطولات العالميّة. من كأس العالم إلى كأس أوروبا، ودوري أبطال أوروبا، مروراً بالدوريات الأوروبيّة الخمسة الكبرى. هذه البطولات تأتي على رأس أولويات الجمهور اللبناني، وما يعنيه هو كيفية متابعة هذه المباريات على شاشة التلفزيون.
اليوم هناك بطولة جديدة دخلت في حساب اللبنانيين: كأس آسيا لكرة القدم. البطولة القاريّة التي انطلقت يوم السبت الماضي في الإمارات وتستمر حتى الأول من شباط/فبراير المقبل، ستكون مختلفة بالنسبة إلى الجمهور اللبناني عن النسخات السابقة. ففي هذه البطولة يشارك منتخب لبنان كأحد المنتخبات الأربعة والعشرين المتنافسة، وبالتالي فإن الاهتمام بهذه البطولة مختلف. وفي ظلّ الحقوق الحصريّة للبطولات الكبيرة على صعيد النقل التلفزيوني طُرِح سؤال كبير لدى الجمهور اللبناني: بأي طريقة سنشاهد مباريات المنتخب؟
هو السؤال الذي طرح سابقاً مع بطولة كأس العالم. حينها كانت الأمور طبيعيّة على صعيد الحكومة وأصبحت متابعة الجمهور اللبناني لكأس العالم أولويّة، جرى حلّها عن طريق تلفزيون لبنان وعبر مفاوضات من الحكومة اللبنانيّة مع شركة سما المالكة للحقوق في لبنان.
في كأس آسيا الحاليّة كان أمام الجمهور اللبناني ثلاث أفكار حول كيفيّة متابعة المباريات. تلفزيون لبنان، تلفزيون «MTV» كونه الناقل الحصري لمباريات الدوري اللبناني لكرة القدم، وهو يهتمّ بنقل مباريات المنتخب كامتداد لهذا التعاون والاهتمام بالكرة اللبنانيّة. الخيار الثالث كان عبر قناة «BEINSPORTS» القطريّة الرياضيّة التي تملك الحقوق في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
«MTV» بدأت مفاوضاتها قبل فترة طويلة مع القناة القطريّة للحصول على حقوق بث مباريات منتخب لبنان مع قطر والسعودية وكوريا الشمالية. حينها كانت الأمور تسير بشكل إيجابي خصوصاً بالنسبة إلى مباراتي قطر وكوريا الشمالية. مباراة السعودية لها حسابات خاصة بالنسبة للقناة القطريّة. بدا من خلال المفاوضات أن القناة لا ترغب ببيع حقوق أي مباراة للمنتخب السعودي وإبقاء حصرية مشاهدتها على القناة القطرية. قد يكون السبب هو إجبار السعوديين على متابعة مباراة منتخب بلادهم على قناة قطريّة لحاسابات سياسية تتعلّق بالخلاف السعودي-القطري المستمر منذ أشهر.
بقيت مباراتا قطر وكوريا الشمالية الأقرب للحصول على حقوق نقلها على القناة اللبنانية. تطوّر جديد قلب الأمور رأساً على عقب. خصصت قناة «BEINSPORTS» باقة مشفّرة لبطولة كأس آسيا على غرار ما قامت به في بطولة كأس العالم. أصبح على مشتركي هذه القناة دفع رسم إضافي للحصول على هذه الباقة. هذا الأمر أطاح بالمفاوضات بين القناة اللبنانيّة والقناة القطريّة على اعتبار أن الأخيرة وضعت هدفاً مالياً لها تريد الوصول إليه قبل بيع الحقوق إلى أي محطات أخرى. ثلاثون مليون دولار، هو المبلغ الذي تريد «BEINSPORTS» تحصيله قبل أن تعطي الحقوق لقنوات أخرى. هذا الأمر أجّل الحديث مع الـ«MTV» لحين بروز مستجدات أخرى.
لا يمكن للحكومة التفاوض بشأن نقل المباريات عبر تلفزيون لبنان لأنها في مرحلة تصريف الأعمال


عليه، أصبح أمام الجمهور اللبناني خياران: القناة القطريّة وتلفزيون لبنان. بالنسبة للخيار الأول يمكن شراء الباقة فقط للأفراد الذين يملكون اشتراكاً في القناة القطريّة. اتصال مع القناة القطريّة في الدوحة يأتيك المجيب الآلي بأن جميع الخطوط مشغولة. تحاول مرات عدّة قبل أن تنجح في الحديث مع المندوبة التي تفيدك بأن الاشتراك بباقة كأس آسيا بقنواتها الأربع المشفرة هو 25 دولاراً أميركيّاً. في بيروت يتشابه السعر لدى الاتصال بشركة الخطيب مع إضافة ثلاثة دولارات كضريبة على القيمة المضافة أي أن الكلفة 28 دولاراً إضافيّاً لمشاهدة مباريات كأس آسيا.
لكن ماذا يفعل الجمهور الذي لا يملك اشتراكاً خاصاً؟ لا يبقى أمامه سوى محطات اشتراك «الكابل» أو تلفزيون لبنان. الخيار الأول ليس متاحاً للجميع حيث أن بعض المحطات لا تبث قنوات «BEINSPORTS»، لكن بعضاً آخر يبثها. بالنسبة للخيار الثاني تبدو الأمور معقّدة ولا تشبه ما حصل في كأس العالم.
في وزارة الشباب والرياضة، لا يوجد كلامٌ عن إمكانية نقل المباريات على تلفزيون لبنان. فتجربة كأس العالم لا يمكن تكرارها الآن لأسباب لوجستية بحسب مصدر من داخل الوزارة. حينها كان هناك حكومة، ومجلس وزراء يجتمع. في ذلك الوقت بادر وزير الشباب والرياضة محمد فنيش وطرح مسألة متابعة الجمهور لكأس العالم على قناة تلفزيون لبنان، حيث جرى تشكيل لجنة من ثلاثة وزراء: الإعلام، الاتصالات والشباب والرياضة لمتابعة الموضوع.
حالياً لا توجد اجتماعات، والحكومة في فترة تصريف الأعمال وموضوع بثّ المباريات يتعلّق بشكل رئيسي بوزير الإعلام ملحم رياشي. وأي قرار يجب أن يصدر عن مجلس الوزراء، لتكليف طرف ما مفاوضة القناة القطرية أو من يمثلها باسم الحكومة اللبنانية. فتقديم المباريات أو بيعها للبنان سيكون عن طريق الدولة اللبنانيّة لتلفزيون لبنان، وهذا لا يمكن أن يحصل مع حكومة تصريف أعمال. فرئيسها سعد الحريري حصر الأعمال التي يمكن القيام بها بالحد الأدنى، وبالتالي لا يمكن عقد اتفاقيات وتوقيع عقود من قِبل وزير في حكومة تصريف أعمال كما يقول المصدر. فعقود النفط على سبيل المثال جرى توقيعها بشكل استثنائي وبـ«سيناريو» على الطريقة اللبنانيّة.
في تلفزيون لبنان يتحدث مدير الإنتاج والبرامج حسن شقور إلى «الأخبار» عن هذه المسألة وحظوظ نقل مباريات على الشاشة الوطنية، خصوصاً أن تجربة نقل كأس العالم عليها كانت ناجحة جداً وسمحت للبنانيين متابعة المباريات دون كلفة. «الحظوظ 50-50. لا مؤشرات حتى الآن بإمكانية نقل المباريات رغم وجود كلام بين وزارة الإعلام ورئاسة الحكومة». كلام يؤكّده الوزير رياشي خلال حديثه مع «الأخبار»، فيقول: «هناك كلام مع الـ«BEIN». ما يعرقل المسألة مجموعة أمور برأي شقور. فالحكومة غير موجودة. والبلد في مرحلة تصريف الأعمال، «وفي حال ظلّ الانقسام السياسي العمودي، والقلق الاقتصادي والمالي من الصعب طرح موضوع كهذا في هذا الوقت، خصوصاً إذا ما كان هناك كلفة ماليّة لشراء الحقوق»، يقول شقور.
وتشير المعلومات بحسب مدير الإنتاج والبرامج في تلفزيون لبنان إلى أن كلفة بث مباريات لبنان فقط قد تلامس المليون دولار، «أما بث مباريات البطولة بشكل عام فقد يحتاج إلى أربعة أضعاف ثمن مباريات لبنان فقط»، يضيف شقور لـ«الأخبار».
قد تبدو الأرقام مفاجئة، لكن استعراض ما حصل في تجربة كأس العالم وشراء حقوقها لتلفزيون لبنان، على القناة الأرضيّة فقط يعطي فكرة عن حجم الأموال المطلوبة لشراء أي حقوق لبث المباريات. إذ يكشف شقور أن كلفة شراء حقوق كأس العالم وصلت إلى عشرة ملايين دولار دفعت شركة «MTC» للاتصالات أربعة ملايين دولار، ونظيرتها «ألفا» ثلاثة ملايين، وشركة الإعلانات التي حصلت على الحقوق في تلفزيون لبنان مليون دولار، وتم دفع مليوني دولار من مصادر أخرى.
عند كل حدث عالمي يعاني الجمهور اللبناني لمشاهدة مباريات كرة القدم، وهو يترقّب دائماً مبادرة حكومية أو أيّ تحرّك من الدولة اللبنانيّة لنقل المباريات، ومساعدته على توفير بدل الاشتراك الذي يعتبر مرتفعاً، والتخفيف عن المواطن في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
يخوض منتخب لبنان مباراته الأولى غداً مع قطر ضمن المجموعة الخامسة. لا يبدو أن الجمهور اللبناني سيستطيع مشاهدتها إلّا على قنوات «BEIN»، لكن تبقى مباراتان يمكن أن يتم نقلهما على تلفزيون لبنان، لكن الحظوظ ضعيفة والوقت ضيّق وهناك أولويات سياسيّة أكبر من مسألة نقل مباريات كرة قدم على الشاشة الوطنية حتى لو كانت مباريات منتخب الوطن.