جاء الموعد الجديد الذي ضربته وزارة الدفاع الأميركية لإنهاء آخر جيوب «داعش» على ضفاف نهر الفرات الشمالية الملاصقة للحدود السورية ــ العراقية، خلال أسبوعين، وسط أسئلة كثيرة عن مصير عناصر التنظيم وعائلاتهم، وكذلك عن الخطط الأميركية المفترضة لسحب القوات العسكرية من سوريا. ستة كيلومترات فقط هي المنطقة التي لا تزال تحت سيطرة «داعش» بحسب «قوات سوريا الديموقراطية»، في ظلّ غياب أرقام دقيقة عن أعداد المدنيين والمقاتلين في داخلها. وبعد معارك عنيفة شهدتها الجبهة هناك، وتخلّلها قصف جوي ومدفعي مكثّف من قِبَل «التحالف الدولي»، توقفت العمليات العسكرية أول من أمس، ليخرج مئات (أو آلاف) من المدنيين والمقاتلين المستسلمين من تحت الركام، إلى مخيمات ومراكز احتجاز تديرها «قسد». انهيار خطوط «داعش» هناك، يسّرته معلومات توافرت بعد القبض على مسؤول أمني بارز ضمن التنظيم، في بلدة الطيّانة، بحسب معلومات ميدانية. وخلال «الهدنة» الأخيرة، نُقل أعضاء التنظيم الذين استسلموا إلى قواعد أميركية بين ريف دير الزور والحسكة، من دون توافر تفاصيل عن مصيرهم. ووسط الإعلان الأميركي لموعد جديد لـ«إنهاء الخلافة»، تشغل عدة أسئلة متابعي العمليات في وادي الفرات، وأهمها مصير زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي، الذي انتشرت أنباء عن وجوده خارج الجيب المحاصر، في مناطق بين ريفي دير الزور والحسكة.
قد يناقش مجلس الشيوخ قانوناً معدلاً يتيح إبقاء قوات في الشرق الأوسط

وفي ضوء هذا المشهد المعقّد في أقصى الشرق السوري، كان لافتاً أمس ما نقلته وسائل إعلام فرنسية عن استعداد باريس لاستقبال دفعة من مقاتلي التنظيم مِمَّن يحملون الجنسية الفرنسية. إذ أفاد تلفزيون «BFM» الفرنسي بأن السلطات تنظّم عودة جماعية لنحو 130 رجلاً وامرأة ممن يشتبه في قتالهم إلى جانب «داعش» أو اتصالهم به، خلال الأسابيع القليلة المقبلة. ولا ينفصل هذا التطور عن سياق الانسحاب الأميركي المرتقب من شرقيّ الفرات، وفق ما أكده وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير، في تصريح للتلفزيون نفسه أمس، مضيفاً أنّ العائدين سيُحالون على القضاء مباشرة. وبينما أوردت وكالة «فرانس برس» الرقم نفسه على لسان مصدر أمني، لم تنفِ وزارة الخارجية الفرنسية هذا التوجه، إلا أنها لم تتبنّ العدد المتوقع للعائدين. وأشارت الوزارة في بيان إلى أنه «نظراً إلى تطوّر الوضع العسكري في شمال شرق سوريا وإلى القرارات الأميركية، وبغية ضمان أمن الفرنسيين، سندرس جميع الخيارات المتاحة لتجنّب فرار هؤلاء الأشخاص الخطيرين»، مضيفة أنه «إذا قررت القوات التي تحتجز المقاتلين الفرنسيين ترحيلهم إلى فرنسا، فسيُسلَّمون للقضاء على الفور».
الخطوة الفرنسية التي تُعدّ سابقة في هذا السياق، تلبّي واحداً من المطالب التي حملها مسؤولون في «مجلس سوريا الديموقراطية» و«الإدارة الذاتية» إلى باريس وغيرها من العواصم الأخرى. وهي مطالب ما زالت تصوّب على فكرة الهروب من «المنطقة الآمنة» المدارة تركياً، إلى منطقة تدار أممياً أو دولياً. وفي جولة لقاءات تجريها «الرئيسة المشتركة للهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديموقراطية»، إلهام أحمد، في الولايات المتحدة الأميركية، أكدت أن «المجلس» يخطط لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي، لأن واشنطن «لا تنوي التراجع عن قرار الانسحاب». ولفتت إلى أنها ستعمل على حثّ أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي على تغيير خطط الانسحاب، قبل أن يعود زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، ليعلن مساء أمس أنه أدخل تعديلاً على مشروع قانون موسّع في شأن الأمن في منطقة الشرق الأوسط، يدعو إلى «التزام مستمر» لحين هزيمة «القاعدة» و«داعش»، وغيرهما من التنظيمات الأخرى، ويشمل كلاً من سوريا وأفغانستان. وتتساوق تصريحات أحمد مع التوجه الفرنسي الذي يبدو مستعجلاً في حلّ ملفّ «الجهاديين الفرنسيين» قبل رحيل القوات الأميركية. وربطت مصادر متابعة وصول تعزيزات أميركية جديدة إلى شرق الفرات، بالعمل المكثّف المطلوب لحلّ ملف مقاتلي «داعش» غير السوريين، بما يتضمنه ذلك من تحديد هوياتهم والتحقيق معهم بهدف جمع معلومات استخبارية مهمة للغاية.