يمثُل اليوم الرئيس الأسبَق للحكومة فؤاد السنيورة أمام الرأي العام في أول جلسة دفاع عن نفسه في قضية الحسابات المالية. لم ينتظِر النائب السابق أن يقول القضاء كلمته ويحدّد من هُم المتورطون في هذه القضية، عِلماً أن الجهات التي أنجزت هذا الملف (وزارة المال)، أو التي أثارته أمام الإعلام (النائب حسن فضل الله حالياً، والنائب إبراهيم كنعان قبل سنوات)، تحاشَت تسمية المسؤولين عن الهدر والفساد والسرقة بأسمائهم. وعوضاً عن ذلك حصرت كلامها بفترة زمنية تعاقب عليها أكثر من رئيس حكومة ووزير مالية، وتركت للقضاء الكلمة الفصل. فلماذا اعتبر رئيس كتلة المستقبل النيابية سابقاً نفسه المعني والوحيد، وقرر عقد مؤتمر صحافي اليوم «للرد على الوثائق بالوثائق»؟
صحيح أن السنيورة لا يملك حصانة نيابية لكنه سيخوض معركته «متحصّناً بالطائفة» (هيثم الموسوي)

لا شك في أن السنيورة لمسَ بأن فتح باب الحسابات المالية ومبلغ 11 مليار دولار التي أنفقتها حكومته الأولى (2005 - 2008) من دون قانون موازنة وخارج القاعدة الاثني عشرية، ليسَ الغرض منه رفع حدة الخطاب السياسي ولا التحريض الشعبي. فالخطاب السياسي الذي تحكمه التسوية بين غالبية الأفرقاء في مكان، وإثارة ملف الفساد في مكان آخر. الرجل مقتنِع بأن حزب الله «يُريد أن يفتح دفاتر قديمة، ويصفّي حسابه معه بصفته الرجل الأكثر ثباتاً في مواجهته منذ عام 2006»، على حد قول مقربين من الرئيس السابق للحكومة. تنبّه السنيورة لهذا الأمر، كما يقول مقرّبون منه، فـ«قرّر أن يخوض معركة استباقية قبل أن تتوسّع الحملة ضدّه. فهو لا يريد أن يذهب فرق عملة، لا سيما أنه يشعر، أقله حتى اللحظة بأنه وحيد في هذه المعركة». يؤكّد هؤلاء أن السنيورة «سيفاجئ الجميع اليوم في مؤتمره لجهة ما يملكه من مستندات». وهو الذي بدأ بتوثيقها «منذ أكثر من 5 سنوات، حينَ بدأت بعض الجهات السياسية بالتصويب عليه من باب الحسابات المالية»، مشيرين إلى أن «القضاء في حال اطلع عليها فإنه لن يجِد فيها ثغرة واحدة».
في الشكل، اختار السنيورة أن يعقد مؤتمره في نقابة الصحافة لأنه «أراد استقطاب أكبر حشد سياسي وإعلامي» بعدما نصحه الفريق المحيط به بهذا الأمر. أما في المضمون، فسيردّ على الذين لمحوا إلى دوره «المشبوه» في اتجاهين، محاولاً استمالة المحايدين إلى صفه: الأول تقني - إداري عبر «إبرازه الأرقام بدقة»، والثاني سياسي من خلال «تأكيد أن ملف الحسابات المالية يستهدف بالدرجة الأولى نهج الحريرية السياسية». ومن جملة الأمور التي سيتطرق لها هي «الفصل بين الأموال التي كانت تدخل إلى موازنة الدولة، والأموال التي كانت تبقى في مصرف لبنان، إذ إن بعض الجهات الخارجية التي قدّمت الأموال كانت هي نفسها تشترط أن لا تدخل هذه الأموال إلى موازنة الدولة». كما سيؤكّد أن «طريقة الإنفاق لم تختلف بعد خروجه، لكن الفرق أن بعض الوزراء حصنوا أنفسهم عبر قوانين صادرة عن مجلس النواب في جلسات تشريع الضرورة، وهو ما لم يكُن متاحاً في عهده بسبب أزمة سياسية أدت إلى إغلاق أبواب المجلس النيابي آنذاك».
سيقول السنيورة إن ملف الحسابات المالية يستهدف بالدرجة الأولى نهج الحريرية السياسية


حال السنيورة هذه الأيام يصفه المقربون منه بـ«المرتاح». صحيح أنه فقد حصانته النيابية باستبعاده عن مقعد صيدا، كما فقد إلى حدّ ما الحصانة السياسية حين تمّ تغييبه بشكل متعمّد عن تيار المُستقبل في ظل استبعاد الرئيس سعد الحريري كل الطاقم الذي لم يكُن راضياً عن التسوية مع الرئيس ميشال عون، إلا أن الحريري وتيار المستقبل وبقية قوى ما كان يُعرف بـ14 آذار لن يتخلوا عنه. وبدأ المقربون من الرئيس الأسبق للحكومة بث «شيفرة» التحريض الطائفي، لتجييش الجمهور وفق الأساليب التي اعتُمِدَت بعد عام 2005.
ورداً على صمت الرئيس سعد الحريري الذي لم يُعلن حتى الآن موقفاً واضحاً من كل ما يجري، اعتبر المقربون من السنيورة أن «بيان كتلة المستقبل كان كافياً في هذا الصدد»، ويبقى الرئيس الحريري «الذي ربما ينتظر المؤتمر اليوم، وبعده سنرى حملة التضامن معه»، خصوصاً أن السنيورة «لديه ما يكفي من الوثائق التي تظهر بأنه أكبر من الحملات التي تسعى إلى تشويهه».