عمّان | كان نفَس المعتصمين المتعطّلين من العمل، والقادمين مشياً من محافظة معان الجنوبية (200 كلم من العاصمة)، إلى الديوان الملكي الأردني شرق عمّان، أطولَ من نفَس سابقيهم الذين قدموا راجلين أيضاً من العقبة، ثم انضمّ إليهم آخرون من الطفيلة، ومطالب هؤلاء كلّهم هي الوظائف. وبينما أفلح رئيس الديوان في إقناع متعطّلي مسيرة العقبة بالعودة إلى بيوتهم، فإن أهل معان لم يستجيبوا لوعود الديوان أو الحكومة، ولم يعدلوا عن اعتصامهم بعد أسبوعين من بدئه، على رغم الحالة الجوية السيئة والسيول التي اجتاحت المدينة في الأيام الماضية، بل بدأ بعضهم إضراباً عن الطعام، مع الإصرار على رفض أي مبلغ مالي. أما مطالب المعتصمين، فيمكن تلخيصها بتوفير فرص عمل في القطاع العام.كان بادياً الفشل الرسمي في التعامل مع قضية المعتصمين الذين توجّهوا في خطابهم إلى الملك عبد الله الثاني بوصفه المسؤول الأول، ولذلك لم تكن الزيارة التي قررتها الحكومة لمحافظتهم موفّقة، بل رفَض الأهالي مقابلة ممثّليها، ثم في تطور ملحوظ أُعلن أمس «عصيان مدني» شمل معان والبادية الجنوبية وبعض المناطق الأخرى. قد لا تنظر دوائر صنع القرار إلى هذه الخطوة إلا في جوهرها المتمثل بإضراب وإغلاق جزئي لبعض المحلات في مناطق طرفية غير حيوية في المملكة، مع أن رفع شعار كبير كهذا يُعدّ الأول من نوعه منذ تسلّم عبد الله الحكم عام 1999. ويراهن المسؤولون على عدم نجاعة هذه التحركات ما دامت بعيدة عن عمّان، متناسين أن هبّات قوية مثل «هبّة نيسان» عام 1989 انطلقت من الجنوب.
ولم يفلح رئيس الوزراء، عمر الرزاز، هذه المرة، في إخفاء نسبة الفقر مدة أطول، علماً أنه تسلّم الإحصاءات ذات العلاقة منذ آب/ أغسطس الماضي، ليعلن أخيراً أنه سيكشف النسب الأسبوع المقبل. وتتوقف دائرة الإحصاءات العامة عند عام 2010 في تقاريرها الخاصة بنسبة الفقر التي تصدر مرة كلّ سنتين. وبحسب البيانات الرسمية الموجودة، بلغت نسبة الفقر في المملكة 14.4%، وقد احتلت معان النسبة الأعلى بين المحافظات (26.6%)، فيما كانت العاصمة صاحبة النسبة الأقلّ (11.4%). أما في التوزيع النسبي للفقراء وفق المحافظة لعام 2010، فاحتلت عمّان المرتبة الأولى بنسبة 30%، فيما سجّلت جرش النسبة الأدنى (1.4%).

وعود «مبادرة لندن»
وعلى رغم محاولات الحكومة في إغراء المحتجين بما جَنته أخيراً من مشاركتها في مؤتمر «مبادرة لندن»، إلا أن ذلك لم يفلح في كبح جماح الغضب. وكان الوفد، الذي رأسه الملك عبد الله، عاد مُحمّلاً بكمّ كبير من الدعم المعنوي ووعود بقروض ميسّرة وضمانات ومذكرات تفاهم، حُصِّلَت جراء «المرونة» و«الإيجابية» في التعاطي مع مسألة اللجوء السوري والاستمرار في تحمّل أعباء هذه الأزمة (راجع العدد 3700 في 2019/3/1). وإلى جانب تلك الوعود، يراهن الفريق الوزاري على انفراجة قريبة متوقعة في الوضع الاقتصادي، في ظلّ انفتاح عمّان على بغداد ودمشق، والذي تجلّى مجدداً في «قمة اتحاد البرلمانيين العرب»، حيث كان الحضور السوري فاعلاً وذا أثر إيجابي، على رغم التشويش الأميركي على ذلك.
يراهن المسؤولون على عدم نجاعة التحركات ما دامت بعيدة عن عمّان


وقد تمظهرت تلك الفاعلية في الدفع نحو تبنّي «القدس عاصمة أبدية لفلسطين» من دون الزجّ بكلمة «الشرقية»، إضافة إلى الإصرار على تجريم التطبيع. ومع أن عمّان منخرطة في تطبيع علني، إلا أنها تبحث عن دعم عربي وهي تخوض معركة الوصاية الهاشمية على المدينة المحتلة، ولا سيما بعد انفجار الوضع عند باب الرحمة، ومناكفة السلطات الإسرائيلية للجانب الأردني الذي يتجنب أي أزمة دبلوماسية مع تل أبيب في الوقت الراهن، وهذا ما يفسّر تراجع التحركات الملكية بخصوص القدس، لتتسلّم الملف وزارة الخارجية والأوقاف على نحو يبدو معزولاً عن رئيس الوزراء، وهو الأمر الذي بات مألوفاً، إذ يتولّى الملك ووزير الخارجية الملفات الخارجية، بل ينفردان منذ بداية العام بالملف الذي تشتعل ناره في واشنطن.

عبد الله في واشنطن
مطالب واشنطن من عمّان تتركز عليها الأنظار أكثر في هذه المرحلة، خاصة أن عبد الله يزور العاصمة الأميركية للمرة الثانية خلال أسبوعين. وكانت الزيارة الأولى في الـ19 من الشهر الماضي، واستمرّت نحو أسبوع، وأحيطت بسرية كبيرة، ولم تتسرّب منها إلا صورة وحيدة لاجتماع عبد الله مع وزيرة الأمن الداخلي الأميركية كريستين نيلسن، ووكيل الأمين العام لـ«مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب» فلاديمير فورونكوف.
أما الزيارة الثانية، فأعلن الديوان الملكي في شأنها سلسلة لقاءات مع عدد من رؤساء لجان الكونغرس وأعضائها، بشقَّيه الشيوخ والنواب، إضافة إلى لقاءات مع مسؤولين في الإدارة الأميركية. وحتى كتابة هذا التقرير، لم يُعلن إلا عن لقاء الملك بوزير الدفاع بالوكالة باتريك شاناهان، ولقاء آخر بوزير الخارجية مايك بومبيو. والملاحظ أن زيارات عبد الله تتركّز على الأذرع التشريعية في واشنطن، والتي تنظر إلى الأردن بوصفه حليفاً وصديقاً.
ويبدو أن الزيارة الجديدة، بجدول أعمالها، وتوقيتها الذي يسبق الانتخابات الإسرائيلية، وارتباطها بترتيبات «صفقة القرن»، هي الأهم من بين الزيارات الرسمية الأردنية إلى واشنطن، وسط رهان رسمي ـــ كما تقول مصادر مطلعة ـــ على أنه لن يكون بمقدور البيت الأبيض تغيير نهجه بسهولة تجاه عمّان، خصوصاً مع انطلاق مشاريع توسعة القواعد الأميركية في المملكة.
وتزامن بدء زيارة عبد الله مع جدل أثارته تغريدة لأخيه غير الشقيق، ولي العهد السابق الأمير حمزة، الذي تحدث عن أن هناك ما يُدبّر للأردن، وأن تفكّك النسيج الوطني سيفضي إلى «خسارة الأردن وخدمة من يريدون إضعافه لتحقيق مطامعهم على حسابه». ودائماً ما تلفت تغريدات حمزة الانتباه، منذ إحالته على التقاعد من الجيش مع اثنين من إخوته الأمراء غير الأشقاء في نهاية 2017. وكانت الشائعات قد انتشرت آنذاك، ما استدعى من الديوان نفي أخبار متعلقة بمحاولة انقلاب على الملك، أو وجود اتصالات بين الأمراء الثلاثة ودول خليجية أدت إلى عزلهم ووضعهم رهن الإقامة الجبرية.