الجزائر | فاجأ قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الانسحاب نهائياً من الحكم، وإن عبر خريطة طريق لم تُكشف تفاصيلها كاملة بعد، الجزائريين، بمن فيهم أنصار ترشحه لولاية رئاسية خامسة، فيما خرج بعضهم للاحتفال بما عدّوه «انتصاراً»، وأعلنت نقابات وقفها الإضراب العام الذي دعت إليه. لكن هذه القرارات، بقدر ما بدت تنازلاً كبيراً من قِبَل الرئيس، التقطها خصومه على أنها «مناورة جديدة» للبقاء رئيساً لمدة ثمانية أشهر أخرى، من دون إجراء انتخابات رئاسية حتى، وهو ما عدّوه تعدياً على الدستور. وفي مواقع التواصل الاجتماعي، تحول وسم (هاشتاغ) «لا للعهدة الخامسة» إلى«لا لتمديد العهدة الرابعة».ورغم التحول في خطاب السلطة، الذي دشّنه أول من أمس رئيس أركان الجيش المقرب من الرئيس، أحمد قايد صالح، بالقول إن الجيش يتقاسم مع الشعب «ذات القيم» و«النظرة المستقبلية الواحدة»، لم يجد مراقبون في قرارات بوتفليقة أمس أي تحقيق لأهداف الاحتجاجات الواسعة التي ترفض العهدة الخامسة وتطالب برحيله، خصوصاً في ظلّ تأجيل الانتخابات إلى أجل غير معلوم، بل من شأن تلك القرارات إبقاؤه مدة إضافية في السلطة، وهو ما كان يريده من العرض الأول الذي قدّمه، بعدم الترشح مجدداً في حال الفوز بعهدة خامسة، على أن يقصرها على عام واحد بدلاً من خمسة. لكن الرئيس أبدى لهجة أكثر تصالحية، أمس، إذ اعترف في مقطع من رسالته بأن ظروفه الصحية لم تعد تسمح له بمواصلة الحكم، رغم أنه فاجأ الجميع بالإعلان أنه لم ينوِ «قطّ الإقدام على طلبها»، نظراً لحالته الصحية وسنّه اللتين لا تتيحان له «سوى أن أؤدي الواجب الأخير تجاه الشعب الجزائري».
وأعلن بوتفليقة تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة يوم 18 نيسان/ أبريل المقبل إلى أجل غير معلوم، عازياً ذلك إلى «الاستجابة للطلب الـمُلِحّ الذي وجهتموه إلي»، بعدما خرج ملايين الجزائريين رفضاً لإجرائها بسبب ترشحه فيها. واستكمل ذلك بإعلان إقالة الحكومة الحالية التي يقودها الوزير الأول أحمد أويحيى المغضوب عليه شعبياً، واستبدال وزير الداخلية نور الدين بدوي به، مع تعيين وزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة الذي يحظى بقبول شعبي نائباً للوزير الأول. ورأى في التعديل الحكومي «رداً مناسباً على الـمطالب التي جاءته من الشعب».
رأى محتجون في قرارات الرئيس «انتصاراً جزئياً»، فيما عدّها آخرون «مناورة جديدة»


ولعلّ أهم ما جاء في رسالة بوتفليقة أنه عرض بالتفصيل كيف سيدير المرحلة التي سيبقى فيها رئيساً لترتيب خروجه من الحكم. إذ أعلن اعتزامه إطلاق «الندوة الوطنية الجامعة المستقلة التي ستكون هيئة تتمتع بكل السلطات اللازمة، لتدارس وإعداد واعتماد كل أنواع الإصلاحات»، وستتولى أيضاً «تنظيم أعمالها بحرية تامة، بقيادة هيئة رئاسية تعددية، على رأسها شخصية وطنية مستقلة تَحظى بالقبول والخبرة، على أن تحرص هذه الندوة على الفراغ من عُهدَتها قبل نهاية عام 2019»، على أن يُعرض «مشروع الدستور الذي تعدُّه الندوة الوطنية على الاستفتاء الشعبي». كذلك فإنها «هي التي ستتولى بكل سيادة تحديد موعد تاريخ إجراء الانتخاب الرئاسي، الذي لن أترشح له بأي حال من الأحوال».
وتعهّد بوتفليقة، بعد استكمال أعمال «الندوة الوطنية»، بتعيين حكومة كفاءات تنبثق من هذه الندوة، للإشراف على تنظيم الانتخابات الرئاسية. كذلك أعلن انسحاب الإدارة من تنظيم هذه الانتخابات، وذلك بإنشاء لجنة انتخابية وطنية مستقلة تشرف عليها، وهو المطلب الذي ظلّت المعارضة تنادي به منذ سنوات من دون استجابة.
وتشير مصادر «الأخبار» إلى أن المبعوث الأممي، الأخضر الإبراهيمي، هو الذي سيقترحه الرئيس بوتفليقة لإدارة الندوة، باعتباره يحظى برصيد معتبر لدى كل أحزاب السلطة كما المعارضة. وينتظر أن يظهر بوتفليقة مع الإبراهيمي في غضون الساعات المقبلة. لكن الإشكال الذي يواجه الأخير أنه أدى دور «شاهد الزور» على صحة بوتفليقة كما يتهمه بذلك بعض النشطاء، بسبب الاستعانة الدائمة به للظهور مع الرئيس كلما كثرت الشائعات حول تدهور صحة الأخير.
وفي أول رد فعل على قرارات بوتفليقة، حذّر الناشط فضيل بومالة من «تلاعب خطير جداً بحراك الشعب، ومحاولة لإجهاضه، بقرار طغمة لا هو دستوري ولا هو أخلاقي ولا يهدف إلا إلى تجديد النظام من الداخل، وبتحالف مع أحزاب وشخصيات مشبوهة، ومن ثم التمكين لعصب المال الفاسد وعصاباته». ودعا إلى «الاستمرار في حراكنا الشعبي بأي ثمن للوقوف في وجه مخططات النظام من أجل سيادة الشعب وتحرير الجزائر». في المقابل، رأى المحامي مصطفى بوشاشي في ما جرى «انتصاراً جزئياً»، داعياً إلى مواصلة الضغط لفرض من يريدهم الجزائريون لتسيير المرحلة الانتقالية.
ويعيب قانونيون على قرارات بوتفليقة عدم استنادها إلى أي قاعدة دستورية. ويعرب هؤلاء، في حديث إلى «الأخبار»، عن خشيتهم من أن يكون الرئيس قد اعتمد في قراراته على المادة الدستورية التي تتيح له إعلان الحالة الاستثنائية؛ إذ تنص المادة 107 من الدستور الجزائري على إمكانية إقرار الحالة الاستثنائية إن كانت البلاد «مهدّدة بخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية أو استقلالها أو سلامة ترابها»، وهو ما يتيح للرئيس اتخاذ القرارات التي يراها مناسبة، كتأجيل الانتخابات مثلاً. لكن الإشكال في إعلان الحالة الاستثنائية أنها تعطي للرئيس صلاحيات شبه مطلقة، وهو في حالة صحية متدهورة، ما يعني عودة الشكوك في مَن يقرر مكانه، وغياب ضمانات التزام كل تعهداته.