ليس التأثير الأميركي في الانتخابات الإسرائيلية أمراً جديداً أو طارئاً على العلاقات بين الولايات المتحدة والكيان العبري. إذ لطالما تركت واشنطن بصمتها على المشهد الانتخابي وتداعياته في تل أبيب. وإذا كانت الولايات المتحدة تسعى في ما مضى إلى تصعيد وجوه تساوق ما تدعيه بشأن رغبتها في إحلال «السلام» في الشرق الأوسط، فإنها اليوم تجتهد في تعزيز سيطرة اليمين، أملاً في إنفاذ خطتها المسمّاة «صفقة القرن».لطالما سعت الولايات المتحدة الأميركية إلى التأثير في الانتخابات الإسرائيلية، لإيصال رئيس حكومة يشاطر ساكن البيت الأبيض رؤيته، ويساعده في تنفيذ سياسته في منطقة الشرق الأوسط. خلال ولاية الرئيس الأميركي، جورج بوش الأب، ساءت علاقة واشنطن مع رئيس حكومة العدو الأسبق، إسحاق شامير، وذلك لعدم التزام الأخير الوعدَ الذي قطعه لبوش بإيقاف البناء الإستيطاني. في تلك الفترة، سعت الحكومة الإسرائيلية إلى الحصول على قروض إسكان بقيمة 10 مليارات دولار من واشنطن، لاستيعاب المحتلين الجدد من يهود الاتحاد السوفياتي، إلا أن بوش الأب رفض ذلك، ما ساهم في سقوط شامير في انتخابات عام 1992. كانت واشنطن تفضّل رؤية رئيس هيئة أركان جيش العدو السابق، إسحاق رابين، مكانه، لأنها رأت فيه شريكاً في عملية التسوية التي كانت تخطط لها في المنطقة، مدركة أن شامير وحكومته اليمينية لن يوافقا عليها.
بعد انتخابه رئيساً لحكومة العدو، تلقى رابين ضمانات بتلقي القروض التي سعى شامير للحصول عليها. وعلى إثر اغتيال الأول في عام 1995، واجه رئيس حكومة العدو المؤقت، شمعون بيريز، منافساً ومرشحاً قوياً، هو عضو حزب «الليكود»، بنيامين نتنياهو. مع اقتراب موعد الانتخابات، تحرك الرئيس الأميركي، بيل كلينتون، لمنع وصول نتنياهو إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، لأنه اعتبره من أشرس الداعين إلى رفض عملية التسوية مع الفلسطينيين، ومن أبرز المحرضين على اغتيال رابين. عمل كلينتون على تعويم بيريز، مستفيداً من أدوات أميركا في المنطقة. فدعا إلى عقد «قمة صانعي السلام» في شرم الشيخ عام 1996، لمواجهة المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، وللتأكيد أن بيريز الذي توسط الزعماء العرب هو الذي تراه الولايات المتحدة شريكاً في عملية التسوية. لم يكتف كلينتون بذلك، بل زار تل أبيب قبل الانتخابات، ثم استضاف بيريز لاحقاً في البيت الأبيض، ما عُدّ دعماً واضحاً له.
في عام 2018، أقرّ كلينتون بأنه عمل على «مساعدة بيريز لإعادة انتخابه، لأنه سيكون جيداً لعملية السلام». وفي مقابلة بثتها القناة العاشرة الإسرائيلية، اعترف الرئيس الأميركي السابق بأنه حاول «تحقيق ذلك دون التدخل مباشرةً». وقال: «حاولت مساعدته لأنني اعتقدت أنه داعم لعملية السلام. وحاولت القيام بذلك بطريقة تتوافق مع ما اعتقدت أنه في مصلحة إسرائيل، من دون قول أي شيء بخصوص الفروقات في السياسات الداخلية». هذا الاعتراف عاد كلينتون وأدلى به أمام نتنياهو بعد فوز الأخير وزيارته البيت الأبيض: «أريد أن أعلن أنه يعلم بأنني لم أدعمه، ولكنه انتصر علينا بكل الأحوال».
التأثير الأميركي ليس سراً، حتى داخل دولة العدو، وهو كان جزءاً من الدعاية الانتخابية التي شنّها حزب «الليكود» على خصومه خلال انتخابات عام 2015. حينذاك، أعلن اليمين الإسرائيلي أن إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، تدخلت «بنحو غير مقبول» في الانتخابات الإسرائيلية، من أجل وصول «حمائم» بدل نتنياهو.
وصول بومبيو إلى تل أبيب، أمس، جزء من هذا الدعم


حالياً، يؤدي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، دوراً كبيراً في التسويق لمرشحه المفضل، بنيامين نتنياهو. يريد ترامب بقاء صديقه «بيبي» في منصبه، إيماناً منه بأن ائتلافاً برئاسته أفضل من حكومة يتزعمها رئيس هيئة الأركان السابق، بني غانتس، لأن نتنياهو كان شريكاً في وضع ملامح «صفقة القرن» مع مستشار الرئيس الأميركي وصهره جاريد كوشنير، ومبعوثه للسلام في الشرق الأوسط جايسون غرينبلات. كذلك، يمكن حكومة يمينية قوية المضيّ في «صفقة القرن»، بينما من غير المرجح أن حكومة من «يسار ــ الوسط» برئاسة «غانتس ــ لبيد» ستتمكن من القبول بها.
التأثير الأميركي لإعادة انتخاب نتنياهو والترويج له إعلامياً برز واضحاً خلال عقد «مؤتمر وارسو» الشهر الماضي، عندما جمع وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، نتنياهو مع وزراء خارجية دول عربية ورؤسائها على طاولة واحدة. والصورة التي التُقطت للمجتمعين تعيد إلى الذاكرة مؤتمر شرم الشيخ الذي عقد عام 1996، والذي كان بطله حينذاك بيريز. إضافة إلى ذلك، اتخذت واشنطن خطوات عملية لتثبيت نتنياهو زعيماً إسرائيلياً، عبر نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، بعد ضغط من أكبر مموّل يهودي للحزب الجمهوري ولنتنياهو أيضاً، شيلدون أديلسون، لتحقيق هذا الأمر.
كل ما تقدم لم يكن كافياً بالنسبة إلى إدارة ترامب، حتى بادرت إلى نزع صفة «الاحتلال» عن هضبة الجولان والضفة الغربية من تقرير وزارة الخارجية الذي صدر منذ أسبوع. كذلك طالب السيناتور الجمهوري، ليندزي غراهام، خلال زيارته إسرائيل، باعتراف أميركا رسمياً بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، قائلاً إنه «يسعى إلى الاعتراف بالجولان باعتباره جزءاً من دولة إسرائيل لأبد الآبدين»، وهو ما يسعى نتنياهو إلى تحقيقه قبل انتخابات التاسع من نيسان المقبل. وقالت «القناة الـ13» العبرية إن «نتنياهو يعمل جاهداً من أجل اعتراف إدارة ترامب بالسيادة الإسرائيلية في الجولان، ومنافسه، قائد حزب أزرق ـــ أبيض، بني غانتس، قلق من حدوث ذلك، ما يعزز شعبية نتنياهو». وهو ما أعلنه نتنياهو بوضوح خلال استقباله وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الذي حطّ في تل أبيب أمس، بقوله إنه «حان الوقت ليعترف العالم بالسيادة الإسرائيلية على الجولان».
بدورها، كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في تقرير لها (10 آذار) أن «البنتاغون أعلن يوم الاثنين (4 آذار) نشراً مؤقتاً لقوات أميركية في إسرائيل. وفي يوم الأربعاء (6 آذار)، نشر نتنياهو، الذي يمنعه القانون من استخدام الجنود الإسرائيليين لتدعيم حملته الانتخابية، فيديو وصوراً له محاطاً بالجنود الأميركيين بدلاً من ذلك». ولفت التقرير إلى أن «هذا يساعد نتنياهو كثيراً أمام الناخب الإسرائيلي (...) فلدى الإسرائيليين أسباب كثيرة للإعجاب بترامب: فقد أمطرت إدارته نتنياهو بهدية تلو الأخرى، بما في ذلك نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وخفض المساعدات للسلطة الفلسطينية، وتبني الرأي الإسرائيلي بخصوص اللاجئين الفلسطينيين».
حتى الانتخابات المقبلة، ستروّج إدارة ترامب لنتنياهو أكثر، ووصول بومبيو إلى تل أبيب، أمس، جزء من هذا الدعم. كذلك إن توجّه نتنياهو إلى واشنطن قبل أسبوعين من موعد الانتخابات المقرر إجراؤها في 9 نيسان المقبل، وإلقاءه كلمة أمام منظمة «إيباك» اليهودية، ولقاءه ترامب في البيت الأبيض الاثنين المقبل، كله سيصبّ في مصلحة «بيبي»، وسيكسبه مقاعد إضافية في وجه غانتس.
لكن بالطبع، كل هذا الدعم الأميركي لن يكون من دون مقابل إسرائيلي، إذ سيكون نتنياهو ودولة العدو جزءاً من حملة ترامب الانتخابية المقبلة لولاية رئاسية ثانية خلال عام 2020.



آخر الاستطلاعات: 68 مقعداً لليمين
أظهر استطلاع رأي نُشر مساء الثلاثاء، أن كتلة أحزاب اليمين والقوائم الحريدية ستحصل على 68 مقعداً في الكنيست من أصل 120 مقعداً، في ظلّ تعزيز تمثيل حزب «الليكود» زعامة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وتراجع «كاحول لافان» في انتخابات تجري اليوم. وبحسب الاستطلاع الذي نشره موقع «واللا» الإلكتروني، تحصل كتلة «كاحول ــ لافان» على 29 مقعداً، بينما ينال «حزب الليكود» 32 مقعداً. ويحصد تحالف «الجبهة والعربية للتغيير» 9 مقاعد، فيما لا يتجاوز تحالف «الموحدة والتجمع» نسبة الحسم. كذلك، يحوز حزب «العمل» 8 مقاعد، فيما يحصل تحالف أحزاب اليمين المتطرف («البيت اليهودي»، «الاتحاد القومي» و«عوتسما يهوديت») على 7 مقاعد.
وبيّنت نتائج الاستطلاع حصول كلّ من «اليمين الجديد» و«يهدوت هتوراه» و«ميرتس» على 6 مقاعد، فيما ينال «يسرائيل بيتينو» 5 مقاعد. ويحصد كلّ من «شاس» و«كولانو» و«زيهوت» 4 مقاعد، فيما يفشل «غيشر» بقيادة أورلي ليفي أباكسيس، في تجاوز نسبة الحسم. وبحسب الاستطلاع، سيتفوق معسكر أحزاب اليمين والحريديين على معسكر أحزاب «الوسط ـــ اليسار» والأحزاب العربية، بحيث سيحصل الأول على 68 مقعداً، والآخر على 52 مقعداً.
وحول الشخص الأنسب لقيادة الحكومة الإسرائيلية المقبلة، قال 46% إنهم يفضلون نتنياهو رئيساً للحكومة، مقابل 28% يفضلون غانتس، فيما قال 18% إن أياً من الاثنين غير مناسب للمنصب.