الخرطوم | عادةً ما تستغل مصر اضطراب الأوضاع السياسية والاقتصادية في السودان لتحقيق مكاسب في مثلث حلايب وشلاتين الحدودي المتنازع عليه. وإثر الاحتجاجات الحالية التي تجاوزت شهرها الثالث، طرحت شركة «جنوب الوادي» المصرية القابضة للبترول (حكومية)، الأسبوع الماضي، أول مزايدة عالمية للبحث والتنقيب عن النفط والغاز، في 10 قطاعات في البحر الأحمر، بينها ما يقع ضمن حدود حلايب، ما دفع الخارجية السودانية، أمس، إلى استدعاء السفير المصري لدى بلادها، حسام عيسى، احتجاجاً على الطرح الذي ستقوم به في حزيران/ يونيو المقبل، بحسب تأكيدات مسؤول في وزارة النفط المصرية لوسائل إعلام محلية.وكون شركة «جنوب الوادي» تشرف على الأنشطة البترولية تحت خط عرض 28 شمال (جنوب مصر)، حذر السودان، أول من أمس، في بيان لـ«المفوضية القومية للحدود السودانية»، كل شركات الطاقة والتعدين الدولية والإقليمية، من العمل في أربعة قطاعات في منطقة حلايب المتنازع عليها (7 و8 و9 و10)، طرحتها مصر للتنقيب عن النفط والغاز والمعادن، ومن أي محاولة للاستثمار فيها أو استغلالها أو الاستثمار في الإقليم البري الذي يقابلها.
أكد رئيس المفوضية لـ«الأخبار» أن من حق السودان إيقاف الشركات بالقانون (أرشيف)

فبعد مراجعة خطوط الطول والعرض التي تحدد المواقع الجغرافية لهذه المربعات، تأكد للمفوضية أن هذه الخريطة توغلت في جزء من إقليم السودان الواقع تحت سيادته في مثلث حلايب والمياه الإقليمية والمناطق البحرية والجرف القارئ. وأوضح رئيس المفوضية، معاذ أحمد تنقو، لـ«وكالة الأنباء السودانية»، أنه سبق لوزارة النفط السودانية تحديد هذه المنطقة كمربع 16، ما يعني أن استناد الحكومة المصرية إلى اتفاقية عام 1899 (اتفاقية حكم ثنائي لإدارة شؤون السودان في ظلّ الاحتلال البريطاني لمصر والسودان)، «لا يصحّ وفق القانون الدولي، ولا ينطبق هنا، فهو لم يكن اتفاقية دولية أبداً بلسان من وقّعوه» في ذلك العام، كما قال، فمصر نالت استقلالها عام 1922، وانضمت إلى عصبة الأمم المتحدة في العام التالي، ولم تحسب مساحة كل من مثلث حلايب ونتوء وادي حلفا (أولى مدن السودان المرتبطة بمصر)، ضمن إقليمها.
في ضوء ذلك، يعتبر السودان أن أي عمل من هذا القبيل يُعرّض هذه الشركات للمساءلة القانونية، بحسب ما يؤكد رئيس المفوضية لـ«الأخبار»، لافتاً إلى أن «من حق السودان إيقاف الشركات بالقانون»، معتبراً «خطوة طرح مصر مثلث حلايب للتنقيب عن النفط والغاز، إمعاناً في احتلال أرض غير مصرية، ومحاولة لممارسة السيادة عليها»، وخصوصاً أن القاهرة كانت قد اتخذت إجراءات عدة العام الماضي، من بينها الإعلان عن بناء مئة منزل في حلايب، وبث برنامج تلفزيوني، وخطبة يوم جمعة من داخل المنطقة، وإنشاء سد لتخزين مياه السيول، وميناء للصيد في منطقة شلاتين. لكن السودان قدم، في نيسان/ أبريل من العام الماضي، شكوى لمجلس الأمن ضد مصر، بشأن إجراء الانتخابات الرئاسية في المثلث المتنازع عليه.
وقّع السودان اتفاقية إطارية مع السعودية للاستفادة من خيرات البحر الأحمر


إزاء ما تقدم، يرجح سياسيون ومسؤولون ومتخصصون سودانيون أن يؤدي مخطط مصر إلى توتر العلاقة بين البلدين من جديد. فعلى المستوى الرسمي، شدد وزير الدولة في وزارة النفط والغاز السودانية، سعد الدين حسين البشري، في تصريح إلى «الأخبار»، على تمسك حكومته بسودانية حلايب، وأكد أن «السودان هو من يعطي التراخيص لأي عمل في هذه المنطقة، سواء كانت جهة استشارية أو شركة تريد التنقيب». واعتبر أن «أي عمل يتم في مثلث حلايب من أي جهة غير قانوني»، مشيراً إلى أن «مصر فكرت في استغلال المعادن الموجودة في حلايب». كما كشف وزير الدولة في وزارة النفط عن توقيع السودان «اتفاقية إطارية مع السعودية للاستفادة من خيرات البحر الأحمر، لكن عملياً لم تطور حتى الآن».
ويوضح سفير السودان الأسبق لدى الولايات المتحدة، الرشيد أبو شامة، في حديث إلى «الأخبار»، أن «مصر دائماً تنتهز فرصة عدم هدوء الأوضاع في السودان لتنفيذ مخططاتها هناك»، مشيراً إلى أن «مصر طالبت السودان بعد حلّ الحكومة عقب الاحتجاجات، باستكمال الربط الكهربائي، وعندما اعتذر السودان بحجة أن وزير الكهرباء لم يُعين، قاموا بوقف هذا الربط»، وهو يعتقد أن مصر أرادت بهذا الإجراء «تثبيت ملكيتها على حلايب». وذكر أبو شامة أن «السودان في زمن (الرئيس الأسبق جعفر محمد) النميري (1930 - 2009) أتى بشركة للتنقيب في مثلث حلايب، لكن المصريين حذّروها باعتبار أنها ستعمل في أرض متنازع عليها»، موضحاً أن السودان يمكنه أيضاً «منع الشركات التي يتم اختيارها للعمل في المنطقة كون حلايب سودانية».
ورغم الدعم السياسي الذي أظهره الرئيس عبد الفتاح السيسي للبشير في ظلّ الاحتجاجات المطالبة برحيله، إلا أن العلاقة بين البلدين تعتريها الكثير من الشوائب، ليس في النزاع حول مثلث حلايب وشلاتين الذي ظلّ عقبة أساسية أمام تقدم العلاقة بين البلدين فحسب، بل أيضاً حول موقف السودان من سد النهضة، الذي لا يتطابق مع الرؤية المصرية، ما يمثل أزمة مكتومة بين البلدين.