التقى عدد من الاقتصاديين والمصرفيين والخبراء الماليين في ندوة عُقدت، أمس، في فندق «لارامادا» في بيروت، من تنظيم «ملتقى حوار وعطاء بلا حدود»، حملت عنوان «آفاق الإصلاحات الإدارية والمالية في ضوء مقرّرات مؤتمر سيدر والحلول المقترحة». غالبية المشاركين في المؤتمر أقرت بثلاث مسلّمات: أوّلاً، نحن في قلب أزمة مالية تكبر باضطراد، وهي مهدّدة بالانفجار، وستكون تداعياتها خطيرة على المجتمع والاقتصاد. ثانياً، عدم أهليّة السلطة القائمة على إنقاذ المجتمع والاقتصاد منها وتفادي تبعاتها المُدمّرة.ثالثاً أن كلّ ما هو مطروح اليوم وفق مقرّرات «سيدر» وما سُمّي بـ«رؤية ماكينزي»، لا يسمن ولا يغني، وأن الحلّ لا يمكن أن يكون إلّا بقرار سياسي يرسم أسس الاقتصاد الجديد الذي نريد، ويحدّد من سيدفع ثمن الانهيار المقبل وما هي كلفته، وماذا ينتظرنا من بعده! اختار المنظّمون «مقرّرات سيدر» كمدخل لمناقشة الحلول وآفاق الإصلاحات للخروج من الأزمة، وانقسم المؤتمر إلى جلستين حواريتين، الأولى بعنوان «السياسات الاقتصادية وعجز الخزينة وخدمة الدين العام وخطّة النهوض الاقتصادي والحلول البديلة»، أدارها وزير المال الأسبق جورج قرم، وشارك فيها الاقتصاديون نجيب عيسى وحسن خليل وكمال حمدان وشربل قرداحي. أمّا الثانية فحملت عنوان «الإصلاحات الإدارية والمالية تبعاً لخطة ماكينزي ومقرّرات مؤتمر سيدر»، وأدارها الوزير الأسبق شربل نحّاس وشارك فيها الاقتصاديون إيلي يشوعي وغسان العيّاش وحسن حمادة بالإضافة إلى أمين صالح ورياض صوما.
يلخّص التقديم الذي عرضه نحّاس صورة والوضع الاقتصادي اللبنانية بطريقة مجازية قائلاً: «ثمة سيّارة تسير نحو الهاوية، وفيها راديو يردّد أغنية محدّدة. أمّا الناس فهم إمّا خارج السيّارة أو داخلها ويناقشون جمالية الأغنية. حسناً ماكينزي وسيدر هما الأغنية في واقعنا الحالي، في حين أن التعامل مع السلطة يجب أن يكون منطلقاً مما تفعله ومما لا تفعله. هذه الدولة لم تفعل شيئاً ولم تقدّم الحسابات ولا الموازنة، وتمعن بالكذب من دون أن تنسى إبرام الصفقات. المطلوب هو أن ننظر إلى الواقع لا أن نستمع إلى الأغنية في الراديو. نحن أمام تغييرات حاسمة في الاقتصاد السياسي، أي في تحديد من سيتحمّل أعباء أي انهيار؟ ومن سيخسر ومن سيربح؟ وكم؟ وفي هذه الحال يفترض أن تكون قرارات السياسة العامّة واضحة، ويفترض بالمواطنين أن ينظروا إلى الوقائع، لا أن يردّدوا الأغنية».

سيدر وماكينزي: الوظائف لغير اللبنانيين
نجيب عيسى، استاذ في العلوم الاقتصادية وعلم السكّان



ثلاثة محاور أساسية يفترض تناولها عند الحديث عن النموّ الاقتصادي وخلق فرص العمل، وهي:
1- السياسات الاقتصادية التي اعتمدها لبنان بعد الحرب أدّت إلى تهميش القطاعات الإنتاجية على حساب القطاعين المصرفي والعقاري، وبالتالي بات الشباب ينتظرون الهجرة إلى الخارج، في مقابل تشغيل غير اللبنانيين مكانهم. وتمثّلت النتيجة بنمو اقتصادي وسطي بمعدّل 3.5% سنوياً طوال هذه الفترة، فيما جاء نموّ التشغيل أكثر تواضعاً وبمعدّل 1% فقط، فبقيت معدّلات البطالة مرتفعة جدّاً وبنسبة 10% حتى عام 2010، ومن ثمّ ارتفعت إلى 20% وفق تقديرات البنك الدولي، علماً بأنها تفوق نسبة 30% عند الشباب والفئات ذات المستوى التعليمي العالي.
2- المعالم الأساسية للنموّ الجديد تفترض التحوّل إلى نمط اقتصادي بديل، لكن نتيجة لأوضاع لبنان الخاصة وحجمه الديموغرافي الصغير وارتفاع مستوى المعيشة فيه، يتطلّب هذا النموذج التركيز على أنشطة عالية الإنتاجية في اقتصاد المعرفة والتكنولوجيا، واستخدامه في كل القطاعات الإنتاجية.
3- استشراف المستقبل على ضوء سيدر وماكينزي، اللذين سيولّدان 75 ألف فرصة عمل، متوسّط الأجر الشهري فيها للعامل الواحد لا يزيد على 500 دولار أميركي، ما يعني أنها فرص عمل غير مستدامة ومؤقته ومتدنية الإنتاجية ولا تلبّي طموحات اليد العاملة اللبنانية. فيما رؤية ماكينزي لخلق 370 ألف فرصة عمل وخفض معدّل البطالة إلى 8% حتى عام 2035، وفق مندرجاتها غير قابلة للتنفيذ مباشرة، بل تحتاج إلى أن تتحوّل إلى مشاريع محدّدة وتخضع لبرنامج زمني محدّد.


سيدر والاقتصاد اللبناني: إلى مزيد من الاحتكار؟!
كمال حمدان، اقتصادي



ما تمّ عرضه كرؤية إنمائية أو خطّة اقتصادية في مؤتمر سيدر لا يرتقي إلى مستوى الخطة أو الرؤية، بل هو مجرّد تجميع لمخزون من الملفات الموجودة في الجوارير، ومن دون إجراء أي تقييم للحاجات الكامنة وراءها. وكما هو معروف، طرحت هذه البرامج على هامش احد اجتماعات بروكسل لمساعدة اللاجئين في مقابل الحصول على تمويل. وبطبيعة الحال لم تستهدف هذه البرامج القطاعات الاقتصادية الأخرى ولم تدرس تأثيراتها عليها، فضلاً عن أن الحديث عن خلق 100 ألف فرصة عمل لم يبنَ على أي علمية بل كان مجرّد كلام شعبوي. بالحصيلة، ستكون النتيجة زيادة الإنفاق الاستثماري نحو 4 مرّات إضافية عن القدرة الاستيعابية المقدّرة بـ500 مليون دولار سنوياً خلال ربع قرن، وهي عبارة عن كلفة المشاريع التي كانت تنفّذ عبر مجلس الإنماء والإعمار، واللافت أنها وزّعت وفق منطق التحاصص وتوزيع المشاريع، فضلاً عن تعميم فكرة الخصخصة بالملك والإدارة على رغم أن التجارب السابقة في لبنان من التعليم إلى الصحة والكهرباء والنفايات لم تنجح، وهو ما يخلق إشكالية مهمّة تكمن في تنفيذ مشاريع وفق قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص في ظلّ دولة ضعيفة، القطاع الخاص فيها مترسّخ ومحتكر وله ارتباطاته السياسية ونفوذه.


الإصلاح يتطلّب عدم الإبقاء على هذا النظام
غسان العياش، نائب سابق لحاكم مصرف لبنان


يقدّر عجز الموازنة بنحو 6 إلى 7 مليارات دولار، فيما من المتوقّع أن يدرّ سيدر نحو 1 إلى 1.5 مليار دولار سنوياً، وهو رقم صغير ولا يسمح بالانتقال من عجز إلى فائض. إلّا أن الخوف الفعلي في ظلّ سياسة تجميع الدولارات للحفاظ على سعر صرف الليرة، هو الاحتفاظ بهذه المبالغ لدى مصرف لبنان لهذه الغاية. في الواقع، هناك خلل في العلاقة بين السياستين النقدية والمالية ينتج فساداً من نوع آخر وهو أمر يتطلّب معالجة. في المبدأ، السياسة المالية تمارسها الدولة من خلال الموازنة وتهدف إلى تسريع أو تخفيف النموّ وزيادة الثروة الوطنية. امّا السياسة النقدية فهي من الادوات التي يستعملها المصرف المركزي ووظيفتها الحفاظ على استقرار الأسعار، أي منع التضخّم فقط. في لبنان، فرض النظام السياسي على مصرف لبنان العمل لتحقيق هدفين مهمّين للطبقة السياسية وهما تمويل العجز عبر الاقتراض مباشرة منه أو عبر إجبار المصارف على تقديم التمويل. في الواقع، لم يكن الحفاظ على سعر الصرف الهمّ الشاغل للنظام السياسي وإنّما كان الهدف منع أي انهيار اجتماعي لتفادي أي خضّات تؤثّر على وضعيتهم في السلطة. وقد قام مصرف لبنان بتمويل العجز والمحافظة على سعر الصرف لهذه الغاية، بحيث سيطرت السياسة المالية على السياسة النقدية. بالحصيلة، كبر حجم الدين وتمّ صرفه على النفقات الجارية لكل الحكومات المتعاقبة، وكذلك جرت الاستدانة بالدولار وهي استدانة خطرة لأنه قد يأتي وقت وندخل في عجز عن تأمين هذه الدولارات لسداد الدين. الإصلاح يتطلّب بكل بساطة عدم الإبقاء على هذا النظام!


وهم الليرة وسوء أمانة الودائع
حسن خليل، خبير اقتصادي



من المعروف أن كلّ بلدان العالم تستدين، إلّا أن قصة الدين العام في لبنان مختلفة. بدأ الخلل في الاستدانة في لبنان عام 1995، حين شكّلت نسبة سندات الخزينة بالليرة اللبنانية التي فتحت لعامة الناس نحو 38%، في مقابل 43% للمصارف التجارية، ووصلت الفائدة عليها إلى 40%، فيما كانت الفائدة على سندات الدولار 6 - 7% فقط. فما هو اللغز؟ في الواقع، بنيت هذه السياسة على تثبيت سعر الصرف حيث تنعدم فعلياً المخاطر على العملة، لكن مع إعطاء فوائد عالية جدّاً على الديون بالليرة، بما يوحي بأن هناك مخاطر عالية. وهو ما ساهم في تكوين ثروات طائلة من الدين العام، وأدّى إلى تكبير حجم الكتلة النقدية بالليرة من دون أي مردود على الاقتصاد. في عام 1998، كان حجم الودائع 30 مليار دولار ووصل إلى 180 مليار دولار عام 2018، وهو ما سمح عملياً بالمزيد من الاستدانة والمزيد من طبع العملة، وبالتالي زيادة خطر الإفلاس.
طوال هذه الفترة، كان مصرف لبنان ملزماً بتمويل عجز الخزينة وعجز الميزان التجاري وتمويل الاستثمارات والقروض المدعومة، وكان يحصل على الأموال بالدولار من ودائع المصارف لديه، والأموال بالليرة عبر طبع المزيد من العملة. لكن مع تراجع الودائع، وتراجع التحويلات وتراجع السوق العقارية، زادت الأعباء وارتفعت المخاطر، وبات كلّ خطر يهدّد الدولة أو يؤدّي إلى تقاعسها عن الدفع ينعكس خطراً على ودائع الناس والمجتمع. ما يعني أن سعر صرف الليرة لم يكن سوى وهم! المطلوب اليوم هو ربط سعر صرف الليرة بسلّة من العملات ومنع طبع المزيد من الليرات إلّا بوجود عملات أجنبية توازيها.


اللامركزية والخصخصة
ايلي يشوعي، استاذ في العلوم الاقتصادية


البلد انتهى وكذلك اقتصاده وماليته العامّة، وبالتالي أي إصلاحات ممكن عرضها لا يمكن إدراجها إلّا في خانة التمرين الفكري كون السلطة الحاكمة لن تبادر إلى تنفيذ أي منها. الحلّ المطلوب اليوم هو إحقاق توازن في الموازنة لا خفض العجز فيها، ويكون ذلك عبر: 1- وضع سقف لتطور الدين العام وتحرير السيولة ليستفيد منها القطاع الخاص. 2- الإصلاح الإداري عبر تشكيل هيئة وطنية عليا، تعمل على تلزيم كل مشاريع الخدمات العامة مع الاحتفاظ بملكيتها، إلى القطاع الخاص بهدف خفض النفقات. 3- معالجة مشكلة خدمة الدين العام التي رفعت الفوائد والأسعار وقتلت الاستثمار وهجّرت الشباب قسراً، علماً انها عملية لا تنطوي على أي مخاطر كما يشاع. إقرار اللامركزية الإدارية عبر انتخاب مجالس أقضية تقوم بجباية الضرائب لتمويل المشاريع المحلّية وتحويل القسم الباقي إلى الخزينة، ما يدفع إلى الحدّ من التهرّب الضريبي بعد ربط دفع الضريبة بالحصول على التنمية، مع التزام الدولة بمساعدة الأقضية الأقل ثراءً لتحقيق الإنماء المتوازن. وضع نظام ضريبي جديد عادل لا فرض ضرائب جديدة، وذلك عبر الحدّ من الضرائب غير المباشر (TVA وضريبة البنزين)، واستهداف الضرائب الشخصية واستخدامها لتحقيق العدالة الاجتماعية وتحفيز النمو الاقتصادي.

دخلنا مرحلة ما قبل انهيار الليرة!
حسن حمادة، خبير اقتصادي


بني النموذج المالي والاقتصادي على تقوية المصارف لجذب الأموال من الخارج. كان يفترض بهذا العمل أن يكون مثمراً لو تمّت الاستفادة من الأموال لتمويل القطاع الخاص، لكن ما حصل فعلياً هو زيادة حجم الودائع في المصارف واستعمالها لتمويل عجز الموازنة. اليوم، وصل هذا النموذج إلى حائط مسدود، وهو يشهد عجزاً مستمراً في ميزان المدفوعات منذ عام 2011، وتراكماً في عجز الموازنة، وارتفاعاً في حجم الدين العام، فضلاً عن تراجع نمو الإيداعات المصرفية. يعيش لبنان مراحل الانهيار المالي، وكلّ المؤشّرات تدلّ على ذلك، وتتمثّل بانخفاض أصول المؤسّسات المالية وبعض القطاعات الأساسية مثل العقارات، وارتفاع سعر الفائدة، وتنامي عجز الموازنة. لقد أنهينا المرحلة الأولى من الانهيار المالي ودخلنا في المرحلة الثانية التي تسبق انهيار العملة وتتمثّل بعجز المصارف عن استقطاب رؤوس الأموال، وبالتالي قدرة مصرف لبنان على حماية الليرة. أمّا أسباب العجز الأساسية، فهي: الكهرباء وتمويل الدين العام والفساد، ومعالجة هذه المشكلات لا يكون عبر أموال سيدر، وإنّما بقرار سياسي لمعالجتها.


الحلّ في النظام الضريبي!
شربل قرداحي، خبير اقتصادي



دخل الاقتصاد اللبناني منذ سنة مرحلةً من التقلبات والمخاطر التي تجلّت في انحسار معدلات نمو الناتج المحلّي الإجمالي، وارتفاع الفوائد، وانخفاض أسعار السندات اللبنانية في الخارج، بالإضافة إلى ارتفاع العجز في الحسابات المالية الى حدود غير مسبوقة، في ظلّ نمو مطّرد للدين العام وخفض للتصنيف الائتماني للسندات السيادية. كذلك، شهد ميزان المدفوعات عجوزات متواصلة. هناك ترابط أكيد بين السياسات الاقتصادية وعجز الخزينة وخدمة الدين العام، يتطلّب البحث عن حلول بديلة لتجنّب الأزمة وحماية الاقتصاد من صدمة في سعر الصرف، أو في تمويل الحساب الجاري، أو في أداء المستحقات السيادية، أو في تمويل نفقات الدولة اللبنانية. وهو ما يتطلّب بناء سياسة مالية قائمة على عدالة النظام الضريبي للحدّ من التهرّب الضريبي والتهريب وخفض معدّلات الضرائب غير المباشرة في مقابل زيادة معدّلات الضرائب المباشرة، على أن يترافق ذلك مع خفض النفقات العامّة من خلال حلّ مشكلة الكهرباء عبر إقرار الخطّة المعروضة ورفع التعرفة، مع استمرار الدعم حصراً للفئات المحدودة الدخل، وخفض الفوائد على الدين العام، وخصوصاً السندات الحكومية التي يحملها مصرف لبنان، وخفض كلفة القطاع العام ووقف كل أشكال المنافع والعطاءات والتقديمات، ووقف التوظيف لفترة تمتدُّ لسنوات.

تعديل ميزان القوى بالشراكة مع حزب الله
رياض صوما، محلّل سياسي



بعد الطائف، كان هناك تحالف إقليمي دولي، أعطى غطاءً لأي مجموعة محلية لأن تقوم بما تريده وما تراه مناسباً لها. وترافق ذلك مع انتصار الولايات المتحدة والليبرالية المتطرّفة على منطق الدولة الرعائية. فأتت الحريرية السياسية لتنفيذ خطط في لبنان، تلاها إضعاف الحركة النقابية واستبدالها بشبكة مكمّلة للسلطة وليست على استعداد لمواجهتها، وكذلك وضعت كلّ الأطر المالية والاستثمارية والسياسات التي اعتمدت لبنان على سكة المسار التدميري الذي وصل اليوم إلى نهاياته نتيجة تراجع قدرة الدولة على تأمين قيمة الفوائد على ديونها الخارجية وتراجع قدرتها على الاستدانة بفوائد مقبولة أو سد حاجات التنمية المحلّية. إضافة إلى ذلك، أعادت الانتخابات النيابية الأخيرة إنتاج السلطة نفسها، وهو ما يدلّ على مدى قوّة هذه السلطة وتجذّرها. وبالتالي في ظلّ هذا الواقع، لا يوجد ميزان قوى يسمح بأي معالجة أو بفرض سيناريو مخالف. ولذلك، الحلّ الوحيد للجم الانهيار وتجنّب الذهاب إلى حرب أهلية هو بخلق ميزان قوى يترجم بإنشاء تحالف بين قسم من السلطة، وتحديداً حزب الله الذي يخشى الانهيار الاقتصادي ويخشى على الناس من ذلك، وبين جزء من المجتمع المدني والحركة الشعبية وتحالفاتها السياسية، لخوض معركة التصحيح الاقتصادي لأن المعركة اليوم هي معركة لتحديد من سيدفع الثمن وكم سيدفع.

أين الحقيقة وراء الحسابات المالية؟
أمين صالح، المدير السابق للمحاسبة العامة في وزارة المال


ثمةَ ثلاث ركائز لقيام الدولة، هي: الموازنة، الحسابات المالية والرقابة المالية على إدارة المال العام. اللافت أن كلّ هذه الركائز معطّلة، وهو ما يعني أن هناك سلطة حاكمة لا دولة. المطلوب استرجاع الدولة من السلطة اللادستورية التي تتحكّم بها. تتمثّل الكارثة بصرف الأموال العمومية من دون أي موازنة منذ سنوات، وهو صرف مخالف للدستور وغير شرعي، وقد بلغ بين عامَي 2006 و2018 نحو 121 مليار دولار أميركي. الحلّ لا يكون إلّا بإحقاق التوازن في الموازنة العامة عبر: 1- معالجة الدين العام وفوائده، وخصوصاً أن قيمة الفوائد المدفوعة منذ عام 1992 بلغت 75 مليار دولار، وهي تشكّل 60% من واردات الدولة، مع العلم بأن هذه المعالجة سياسية لا تقنية. 2- إقرار نظام ضريبي عادل جديد، لا فرض ضرائب إضافية، وخصوصاً أن الإجراءات الضريبية الأخيرة خفّضت إيرادات الخزينة من ضريبة الدخل نحو 780 مليار ليرة، فيما رفعتها بقيمة 330 ملياراً ناجمة عن ضريبة القيمة المضافة، وهو ما يعني تحميل الفقراء أعباء إضافية، في مقابل تهرّب أصحاب رؤوس الأموال من موجب تسديد الضرائب. 3- معرفة كلّ الحقيقة الكامنة وراء الحسابات المالية المُعاد تكوينها، وخصوصاً أنها تشكّل الرقابة الأولى على الإنفاق الحكومي.