تشهد القارة الأوروبية انتخابات برلمانية تبدأ اليوم وتنتهي في 26 أيار الجاري، لانتخاب 751 عضواً في البرلمان الأوروبي. انتخابات شهدت تحشيداً كبيراً من قِبَل الداعمين للاتحاد الأوروبي والمعارضين له. وقد كانت من أبرز تجلّياتها خطابات ودعوات لمواجهة «المدمّرين» ضمن المعسكر الأول، وأخرى داعية الى إطاحة «النظام» القائم في بروكسل ضمن المعسكر الثاني.قبل أيام قليلة على انتخابات البرلمان الأوروبي، حذّر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، من «الخطر الوجودي» الذي يحيط بالاتحاد الأوروبي. لاحت أمامه مشاهد كثيرة، من اللقاءات التي جمعت «الشعبويين» والقوميين المشكّكين في الاتحاد، إلى الخطابات عن ضرورة وضع حدّ للنظام الحاكم في بروكسل، وربّما انتهى به الأمر إلى تخيّل غالبية «شعبوية» تسيطر على إحدى أهم مؤسسات التكتل، وتؤثّر إلى حدّ كبير في سياساته. ماكرون بدا واقعياً؛ فانتخابات عام 2014، والتي حقق فيها معارضو الاتحاد تقدماً ملحوظاً، كانت «بروفة» لما ستنتجه الانتخابات الحالية. وعلى رغم أن الجدل في شأن أوروبا شهد، منذ ذلك الحين، تحوّلات كثيرة، إلا أن الاصطفافات والتحالفات التي ظهرت في الفترة الماضية كان لها دورها في إبراز تناقض أكبر وانقسام أوسع بين المعسكر «الشعبوي» ومعسكر «التيارات الحاكمة».
وانطلاقاً من هذه الثنائية، شهدت الأسابيع الأخيرة الكثير من الخطابات التصعيدية بين الجانبين. خلالها، كان «الشعبويون» يجولون في أرجاء القارة، مقدّمين أنفسهم على أنهم جبهة موحدة ستضرب المؤسسة السياسية، وتسجّل خرقاً في انتخابات البرلمان الأوروبي. آخر لقاء لهم جرى في ميلانو، حيث جمعهم زعيم «حزب الرابطة» الإيطالية ماتيو سالفيني. وضمن تحالفه «أوروبا الأمم والحريات»، حضرت «أيقونة» اليمين الفرنسي المتطرّف، مارين لوبن، التي تتزعّم «التجمّع الوطني»، وحوالى 12 زعيماً، بينهم ممثلون عن «حزب الحرية» النمساوي، وحزب «فلامز بيلانغ» أو «المصلحة الفلمنكية» البلجيكي. ومن هناك، هاجم هؤلاء «حكّام بروكسل» والمهاجرين والإسلام، ووعدوا ببزوغ فجر حقبة قومية جديدة.
تتسابق 7 تيارات للفوز بالأغلبية ليترشّح بعدها الفائز على منصب رئيس المفوضية


لم يكد ينتهي هذا «اللقاء ــــ الكابوس»، حتى قابله القادة الأوروبيون بمحاولة للتحشيد، مستفيدين من الأيام القليلة المتبقية على انطلاق الانتخابات. سعى هؤلاء إلى مواجهة المدّ المتنامي لـ«الشعبويين»، عبر تحريك مؤيديهم وتنشيط المشاركة في حدث يشهد تقليدياً إقبالاً خفيفاً، فدعا ماكرون إلى «قيام ائتلاف تقدمي كبير» بمواجهة «من يريد تدمير أوروبا من خلال القومية»، في حين دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل المسؤولين السياسيين الأوروبيين إلى الوقوف «بشكل قاطع» بوجه «التيارات التي تريد تدمير أوروبا».
بغض النظر عن الدعوات المتناقضة، تبقى هذه الانتخابات مهمة في رسم مسار الاتحاد الأوروبي على مدى السنوات الخمس المقبلة. فعلى الرغم من أنه ليس من المتوقع أن يفوز «الشعبويون» بالعدد الأكبر من مقاعد البرلمان الـ 751، إلا أن المحلّلين يتوقعون خرقاً انتخابياً كبيراً سيعطّل، بشكل من الأشكال، السياسات الأوروبية. الفكرة هنا، هي خوف قادة الاتحاد الأوروبي من «خطر» وفرة «شعبوية» كبيرة ستؤدي إلى استحواذ هذه الفئة على المؤسسات أو شلّها من الداخل، مع ما لذلك من تداعيات على قدرة أوروبا على العمل، ولا سيما أن الهدف من تحرّك سالفيني الأخير هو جعل كتلة «أوروبا الأمم والحريات» ثالث كتلة، وهي مرتبة ينافس عليها أيضاً «تحالف الديموقراطيين والليبراليين لأجل أوروبا» الذي يضم النواب الفرنسيين من تيار الرئيس إيمانويل ماكرون.

من يتنافس؟
الأمر لا ينتهي هنا، فضمن هذه الكتل أو إضافة إليها، تتسابق سبعة تيارات بارزة للفوز بالأغلبية البرلمانية، ليحصل الفائز بأغلبية الأصوات على الحق في الترشح لمنصب رئيس المفوضية الأوروبية ــــ المنصب الأهم ــــ الذي يشغله حالياً جان كلود يونكر. أبرز الأحزاب المنافسة، هو حزب «الشعب الأوروبي»، الذي يقوده حالياً الألماني مانفريد ويبر، والذي يمثّله يونكر أيضاً. الحزب ينتمي إلى اليمين الوسط، وخاض ويبر حملة ترشحه تحت شعار «يجب إعادة أوروبا إلى الشعب». وعلى رغم أن ويبر يُعرف بموقفه المتحفظ من الهجرة، إلا أنه يعارض خطاب «الشعبويين» المناهض لها.
التحالف الثاني المنافس هو «تحالف الاشتراكيين الأوروبيين»، الذي يقوده في هذه الانتخابات وزير الخارجية الهولندي السابق فرانس تيمرمانز، ويمثّل تيار يسار الوسط. تميرمانز اشتُهر بدفاعه عن مبادئ أوروبية، مثل العدل والمساواة وحقوق المرأة، والتوصل إلى حلول الأزمات من خلال التعاون. وفي ما يخص أزمة المهاجرين، دعا تيمرمانز إلى أن يتبنى الاتحاد الأوروبي سياسة مختلفة وعادلة تجاه اللاجئين والمهاجرين، تعتمد على مشاركة المسؤولية والتضامن بين الدول الأعضاء. أما التحالف الثالث، فهو تحالف «حزب الخضر»، والذي تمثله في هذه الانتخابات الألمانية سكا كلير، والهولندي باس إيكهوت. وتخوض كلير هذه الانتخابات للمرة الثانية، إذ ترشحت عن التحالف ذاته في الانتخابات الأوروبية التي أجريت عام 2014.
التحالف الرابع المنافس هو تحالف «المحافظين والإصلاحيين»، والذي يقوده السياسي التشيكي جان زهراديل. يدعو هذا الأخير إلى إصلاحات في هيكل الاتحاد الأوروبي بما يقلّل من مركزيته، ويمنح المزيد من الصلاحيات للدول الأعضاء، كما يدعو إلى تبني سياسات نقدية متعددة. أما خامس التحالفات المتنافسة، فهو «تحالف الليبراليين والديموقراطيين من أجل أوروبا»، الممثل لتيار الوسط، ويقوده غي فيرهوفشتات ويضم «حزب الجمهورية إلى الأمام» الفرنسي، الذي ينتمي إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
سادس المنافسين هو تحالف «حزب اليسار الأوروبي المتحد» و«اليسار الأخضر الشمالي»، والذي يرشح لمنصب رئيس المفوضية السلوفينية فيوليتا توميتش، والإسباني نيكو كيو. التحالف السابع، الذي ينافس على المنصب، هو «تحالف أوروبا الحرة»، والذي يقوده السياسي الإسباني أوريل جونكيرس، الذي يخوض الانتخابات من السجن، حيث ينتظر محاكمته على اتهامات بالتمرد وإثارة الفتنة، على خلفية المشاركة في تنظيم استفتاء لاستقلال إقليم كاتالونيا، عام 2017.
وبحسب أحدث التوقعات، هناك ثلاث مجموعات يمينية مشكّكة في الاتحاد الأوروبي، وهي «أوروبا الحرية والديموقراطية المباشرة»، و«المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون»، و«أوروبا الأمم والحرية»، التي يتزعّمها سالفيني. ومع أن هذا الأخير يسعى إلى المرتبة الثالثة، إلا أن مجلة «ذي إيكونوميست» أشارت إلى أنه قد يصاب بخيبة أمل. فبناءً على آخر الاستطلاعات، بيّنت المجلة البريطانية أن تحالفه سيحلّ في المرتبة الرابعة. وفي هذا السياق، لفتت إلى أنه على الرغم من أن من المتوقع أن تحقق الأحزاب القومية مكاسب كبيرة، إلا أن ذلك لن يكون كافياً لكسر قبضة «الأحزاب» المؤيدة للاتحاد الأوروبي.
المشكلة التي يواجهها سالفيني هي أن المشكّكين في الاتحاد الأوروبي غير موحّدين، سواء في ما يتعلق بالعلاقة مع روسيا أو بحرية التجارة أو حتى بكيفية مكافحة الهجرة. هذا فضلاً عن أن هناك صعوبة أخرى أمامه، وهي أن الأصوات المناصرة للاتحاد عادت لترتفع، وخصوصاً بعد الفوضى التي أحدثها «بريكست» في بريطانيا، ما أدى إلى غياب النسخ «المقلّدة» في بقية الدول، حيث طالبت أحزاب عدّة بالانفصال عن التكتل.
في انتظار ما ستتمخّض عنه هذه الانتخابات ــــ التي يبقى قائماً احتمال مخالفة نتائجها ما أظهرته الاستطلاعات ــــ حذّر «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية» من أن فوز القوى المعادية للاتحاد الأوروبي بأكثر من 33 في المئة من المقاعد قد يمنحها القدرة على تأليف أقلية يمكن أن تمنع بعض الإجراءات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي، وتجعل تبني التشريعات الجديدة أكثر صعوبة، «مع احتمال إحداث ضرر مؤثّر على فحوى السياسة الخارجية للتكتل، وأيضاً على جاهزيته المؤسساتية وصدقيته السياسية في ما يتعلق باتخاذ مبادرات في هذا المجال».



تراجع واضح لـ«الشعبي الأوروبي»


توقّعت استطلاعات الرأي الوطنية، التي أنجزتها المؤسسة الإعلامية الدولية «بوليتيكو»، فوز «الحزب الشعبي الأوروبي» في الانتخابات البرلمانية الأوروبية، بحصوله على 22.3% من المقاعد، متقدماً على «التحالف التقدمي للاشتراكيين والديموقراطيين» الذي سينال 19.8%.
ومنح الاستطلاع، أيضاً، «تحالف الديموقراطيين والليبراليين من أجل أوروبا» حوالى 14% من المقاعد، لتليه مجموعات من اليمينيين المشكّكين في أوروبا، والإيكولوجيين، واليسار الراديكالي. وبحسب الاستطلاعات، فإن «الحزب الشعبي الأوروبي» الذي يحوز حالياً 29% من المقاعد، سيسجل تراجعاً واضحاً بسبب تعثّر الأحزاب التقليدية في فرنسا وألمانيا وإيطاليا. كذلك، تشير التحليلات إلى تقدّم المشكّكين في أوروبا، المدعومين بفوز حزب «بريكست» الذي يتزعّمه نايجل فاراج في بريطانيا، والوزن الحالي لحركة «خمس نجوم» التي تتقاسم السلطة في إيطاليا مع «الرابطة» (اليمين المتطرف)، حيث من المنتظر أن تنتقل مجموعتهما السياسية في البرلمان الأوروبي، «أوروبا الحرية والديموقراطية المباشرة»، من 42 إلى 49 مقعداً.
أما اليمين المتطرّف، فسيعزّز موقعه عبر التحالف الجديد، الذي أسّسه زعيم «الرابطة» الإيطالية ماتيو سالفيني (الصورة)، وتقدّم «التجمع الوطني» في فرنسا، وهو ما سيمنحه 9.7% من مقاعد البرلمان، أي 73 مقعداً. وفي المجموع، يمكن للأحزاب المشكّكة في أوروبا أن تحصل على 179 مقعداً من بين 751، أي 23.8% من مجموع المقاعد في البرلمان الأوروبي.