«لا يمكن الحديث عن أي تعايش سلمي معهم». هذه الجملة التي قالتها المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زخاروفا، في حديثها عن الفصائل الإرهابية في «جيب إدلب»، قد تكون مفتاحاً لاستقراء ما قد تفضي إليه جولة المعارك الأخيرة، التي اقتصرت على ريفَي حماة واللاذقية. إذ ترسم المعطيات المتوفرة من الميدان، والغائبة من أروقة التفاوض الروسية ــــ التركية، مشهداً بعيداً عن التهدئة التي سادت منطقة «خفض التصعيد» منذ توقيع «اتفاق سوتشي». ولا يبدو أن الاتصالات المكثّفة بين أنقرة وموسكو قد تمكّنت حتى الآن من اجتراح صيغة «مقنعة» تتيح تنفيذ «مذكرة التفاهم» الخاصة بإدلب بين الطرفين، خارج الإطار العسكري. وساهمت مجريات المعارك في الأيام الأخيرة في تعزيز احتمال المواجهة الواسعة، إذ شكّل اجتماع الفصائل تحت قيادة «هيئة تحرير الشام»، وبمشاركة وحدات «الجيش الوطني»، وسيطرتها على بلدة كفرنبودة، محطّة جديدة قد تعيد أحلام «معركة وقُلِ اعْملوا» التي أطلقتها «تحرير الشام» في آذار عام 2017، واضعة هدفاً لها «الوصول إلى مدينة حماة». هذا الائتلاف الميداني الجديد بين الفصائل يشي بوجود إرادة تركية لإظهار بعض أوراق الضغط الميداني القابل للاستثمار على طاولة التفاوض، لكنه في المقابل يجعل من كل تلك الفصائل عرضة للاستهداف العسكري من قِبَل دمشق وحلفائها، وهو فعلياً ما يجري عبر عشرات الضربات الجوية والمدفعية التي تستهدف مواقع في أرياف اللاذقية وحماة وإدلب.
لم يصدر أي تصريح إيراني لافت حول التطورات الأخيرة في إدلب

وعلى رغم أن حدّة الاشتباكات على خطوط التماس انخفضت أمس بالمقارنة مع معارك الأيام السابقة، إلا أن التحركات الميدانية تبدو مقدمة لعودة التصعيد من أوسع أبوابه. فإلى جانب تكثيف الغارات الجوية، يجري الحديث عن الإعداد لفتح معبرين للمدنيين الراغبين في مغادرة «جيب إدلب» نحو مناطق سيطرة الحكومة السورية، في محيط بلدة صوران في ريف حماة، وقرب بلدة أبو الضهور في ريف إدلب الشرقي. وستكون المعابر مستعدة لتقديم الخدمات الطبية والمساعدات من قِبَل الجانبين الحكومي والروسي. ويذكّر هذا الإجراء بما جرى في عدد كبير من مناطق «خفض التصعيد» قبل انطلاق عملية عسكرية واسعة فيها. وتشير مصادر ميدانية إلى أن الجيش السوري دفع بتعزيزات إلى ريف حماة الشمالي استعداداً لتوسيع رقعة الاشتباكات هناك. وقد تختلف طبيعة المعارك المحتملة عما جرى خلال الأسابيع الفائتة، إذ يُتوقّع أن يسخّن الجيش عدداً أكبر من المحاور، وهو ما قد يحفّز هجمات من جانب الفصائل على جبهات لا تزال مضبوطة حتى الآن، مثل محيط مدينة حلب. واللافت أن تلك الجبهة التي تشهد وجوداً عسكرياً إيرانياً لم تنزلق إلى التصعيد الأخير، على رغم كثافة القذائف التي سقطت على أحياء حلب. وأتى ذلك وسط غياب شبه تام لأي تعليق بارز من جانب طهران على تطورات الميدان الأخيرة. وبينما غابت أيضاً بيانات وزارة الدفاع السورية حول مجريات العمليات الأخيرة، تولت وزارة الدفاع الروسية مهمة إحصاء خسائر المسلحين فيها. وبرز أول من أمس تطوّر لافت، عبر توسيع رقعة استخدام الطائرات المُسيّرة من قبل الفصائل، فبعدما تركّزت هجماتها على قاعدة حميميم لمدّة طويلة، تعرّض كل من مطار حماة ومحطة الزارة لتوليد الكهرباء لاعتداء نُفّذ بطائرات مسيّرة. وتمكنت وسائط الدفاع الجوي من إسقاط طائرة في محيط المطار العسكري، وبيّنت الصور أنها تماثل ما تم إسقاطه سابقاً من أجواء قاعدة حميميم الجوية.

دفع الجيش السوري بتعزيزات جديدة إلى ريف حماة الشمالي


وبدا لافتاً أمس، في موازاة التطورات الميدانية، تصريح المتحدّث باسم حزب «العدالة والتنمية» التركي، عمر جليك، الذي اعتبر فيه أن اللقاء بين مسؤولين أمنيين أتراك وسوريين سيكون طبيعياً «في ضوء بعض الاحتياجات». ولم يؤكد جليك حدوث أي لقاء على هذا المستوى، لكنه قال أمس إن «وكالات المخابرات التابعة لنا وعناصرنا في الميدان (ضمن سوريا) بإمكانها عقد أي اجتماع تريده في الوقت الذي تراه مناسباً لتجنّب وقوع أي مأساة إنسانية أو في ضوء بعض الاحتياجات». وجاء التعليق رداً على تقرير نشرته إحدى وسائل الإعلام التركية، أفاد بوجود اتصالات رفيعة المستوى بين ممثلين كبار عن تركيا وسوريا. إذ كانت صحيفة «آيدينليك» التركية قد نقلت عن صحافيين «التقوا الرئيس السوري بشار الأسد» قولهم إن «لجنة سورية التقت مع رئيس المخابرات التركية حقان فيدان». وحينها، خرج بيان عن الرئاسة السورية أكد أن أي تصريحات للرئيس تصدر عبر القنوات الرسمية فقط.