لا يكفي، كما أنه ليس شرطاً، أن يكون للعمل الموسيقي عنوان له علاقة بالطبيعة ليكون كذلك. أساساً، شرح هذه العلاقة يبدو مسألة غاية في التعقيد ولا أحد، ولا أي مجال علمي يدّعي قدرته على ذلك، رغم حتمية وجودها.
هذه السنة، وضع «مهرجان البستان» عنوان «الموسيقى والطبيعة» لدورته. حتّم ذلك اتباع سياسة في البرمجة تتناغم معه. في الموسيقى عموماً، والكلاسيكية خصوصاً، نجد أعمالاً كثيرة لها علاقة، بشكل أو بآخر، بالطبيعة. في هذا السياق، نقع في برامج الأمسيات على أعمالٍ من البديهي أن تحضر في هذه الحالة، مثل إحدى القصائد السمفونية الشهيرة للتشيكي دفورجاك وهي بعنوان «في مملكة الطبيعة» (الافتتاح الليلة). على برنامج ليلة 22 الجاري السمفونية الأولى للروسي تشايكوفسكي، وتحمل اسم «أحلام الشتاء»، بالإضافة إلى عملٍ أوركسترالي آخر له، بعنوان «العاصفة» (The Storm). كذلك من روسيا، تؤدي فرقة Helikon Opera عرضاً لأوبرا Le rossignol (العندليب) لسترافينسكي (4/3). يليها في السادس من الشهر المقبل أوبراLa Finta Giardiniera لموزار (علماً بأنها دراما عاطفية لا علاقة مباشرة لموضوعها بالطبيعة). وعلى برنامج الأمسية الاستثنائية التي تجمع عازف البيانو فازيل ساي وعازفة الكمان باتريسيا كوباتشينسكايا (9/3) ثلاث سوناتات للكمان والبيانو من ريبرتوار بيتهوفن، كان من الطبيعي أن تكون بينها الرقم 5 التي تحمل اسم «الربيع». أما «رباعي لايبزيغ»، فاختار عملين من فئة رباعي الوتريات من عند هايدن بعنوان «شروق الشمس» و«القبّرة».
العملان اللذان كان من الضروري أن يزيّنا هذه الدورة هما «الفصول الأربعة» لفيفالدي (18/3) والسمفونية رقم 6 لبيتهوفن (الرعوية) لما لها من علاقة تصويرية لحالات من الطبيعة (أمسية الختام في 23 الشهر المقبل).
هذه أبرز الأعمال التي ترتبط بشكل مباشر بعنوان الدورة 21 لـ«البستان». لكن النقص الكبير لا يكمن في أعمال ذات صلة بالطبيعة، بل بمؤلف أثبت أنّ أعماله هي الأحب إلى قلب الطبيعة بمخلوقاتها البشرية والحيوانية، وكذلك النباتية وحتى الميكروبات! إنه موزار. صحيح أنه يحضر من خلال أوبرا ورباعي وتريات، لكن كان من الجميل تكثيف أعماله في معظم الأمسيات. فهناك إثباتات علمية على حبّ النباتات لموزار، فهي تنبت بشكل أسرع إذا بثثنا موسيقاه على «مسامعها»، وكذلك الحيوانات، إذ ثبُتَ أن الأبقار تدرّ حليباً أكثر على أنغام موزار. وثبُت أيضاً أن أطباء الجهاز الهضمي يعملون بدقة أكبر في معالجة الـ«قولون» بالتزامن مع استماعهم إلى أي عمل لموزار. أما ارتفاع الـ IQ (اختبار الذكاء) لدى من يسمع موزار، فبات أكثر من حقيقة علمية. ماذا بعد؟ تأثير موسيقاه على صحة ونفسية وذكاء الجنين والطفل؟ هذه من البديهيات! أما الأغرب، فهو تأثير موسيقاه الأكيد على الميكروبات (دراسة في برلين 2010) التي تعيش في المجارير، إذ تنشِّط عملية غذائها من الكتل الحيوية، ما يسهل ويوفّر في تنظيف مجاري الصرف الصحي!