لم تكن شخصية الأستاذ الكبير أنسي الحاج تلك الشخصية النرجسية التي تجعله يجلس في برج عاجي كمعظم زملائه في صرحي الشعر والصحافة، بل كان ذلك الإنسان البسيط الذي ينضح علماً ومعرفةً ويتمتع بلسان عذب ينطق بكل ما هو جميل، من دون أن يبخل على أي شخص بالإفادة من معينه.
عرفته منذ بداية عملنا في جريدة «الأخبار» يوم تأسست على إيقاع أصوات القصف الإسرائيلي للضاحية الجنوبية، إذ كان حديثنا الأول عن زاويته المشهورة «خواتم 3» التي واظبتُ كل صباح يوم سبت على انتظارها لأفتتح بها مطالعاتي، وأشارك بها أصدقائي وصديقاتي في صفحات التواصل الاجتماعي. لم يكن سبر غور الشاعر رحلة مُرهقة بالنسبة الى صحافي شاب ينظر الى أستاذ كبير في الصحافة وعلم من أعلام الشعر الحديث، فقد كان الأستاذ أنسي قريباً لكل شخص منا أكثر من حبل الوريد. يناقشنا من دون تعال، ويوضح لنا بلا كلل أو ملل معلومة من هنا أو قضية تاريخية من هناك. لقد أعطانا، نحن زملاءه في «الأخبار»، اهتماماً أبوياً لم يتخذ خلاله دور الناصح أو الموجّه، بقدر ما كان يتعاطى بذهنية حوارية نقاشية استيعابية تؤكد أهميته العلمية وتواضعه في آن واحد، ولعل ميزته أنه كان إنسانياً بامتياز لا يعرف للإيديولوجيا طريقاً. لذلك كان منفتحاً على كل ما هو جميل وكل ما هو مفيد. لم يكن أنسي الحاج قبل أن أقابله شخصياً لأول مرة عام 2006 بتلك الصورة التي كوّنتها عنه سابقاً كشاعر كبير وعلم صحافي لامع يصعب الوصول اليه أو التحدّث معه، بل كان ذلك الصديق المُرهف الحس الذي يُقدّر عمل الآخر مهما صغر، ويثني عليه مشجّعاً ومحفّزاً وناقداً من دون أن يجرح. لذلك كان يتعاطى مع ما أكتبه من شعر، بجديّة كبيرة، رغم أني شخصياً لم أكن مقتنعاً بأن ما أكتبه شعراً. كان ينقّح لي كل قصيدة أكتبها ويصحّحها ويضع ملاحظاته عليها، كذلك كان يفعل مع مقالاتي التي كان لا يكتفي بقراءتها، بل كان يشرّفني بحضوره الى مكتبنا ليناقشني ببعض ما ورد فيها. كذلك كانت حاله مع كتابي «شريعة المفاسد ــ الاجتهاد الغائب عن فضاء النص الديني» الذي فاجأني بعد أقل من أسبوع من إهدائه إياه بأنه قرأه وكتب عنه في صفحته الشهيرة في «الأخبار» كلاماً جميلاً أعطاني جرعةً من مجد.
لطالما كنت سعيداً حين يدخل الأستاذ أنسي الى مكتبنا طالباً جريدة «النهار» وجريدة «الشرق الأوسط» أو «يديعوت أحرونوت»، كما كان يصفها مازحاً، فقد كان حريصاً على متابعة معظم المقالات رغم تدهور صحته في الأشهر الأخيرة.