المعركة على رئاسة الحكومة الإسرائيلية وائتلافها بدأت قبل أن تبدأ الانتخابات الشهر المقبل، فيما التوقعات تشير إلى تعذّر تشكيل الحكومة على أيّ من الحزبين الكبيرين، «الليكود» و«أزرق أبيض»، من دون حزب «إسرائيل بيتنا»، ما يجعل زعيم الأخير، أفيغدور ليبرمان، يشعر بفائض القوة، ويطالب برئاسة الحكومة وإن بالتناوب.تعود نتائج استطلاعات الرأي في إسرائيل لتكرر نفسها، مع فروق بسيطة لا تغير في حجم أي من الأحزاب المرجّح فوزها في انتخابات أيلول المقبل: شبه تعادل دائم بين الحزبين الكبيرين، بما يقرب من 30 مقعداً لكل منهما، فيما معسكر اليمين مع الأحزاب الدينية، من دون «إسرائيل بيتنا»، سيكون عاجزاً عن تشكيل الحكومة وحده، على غرار «أزرق أبيض» وأحزاب الوسط واليسار، حتى وإن ضمّت إليها «القائمة العربية» الموحدة.
استناداً إلى تلك المعطيات، تسعى كل الأحزاب إلى تحسين نتائجها عبر إطلاق الوعود، بينما بدأت الكيانات الصغيرة تضع شروطها على تلك الكبيرة التي يرجّح تكليفها بتشكيل الحكومة، والتي تنتظر النتيجة لتبني عليها اتجاهاتها، وهي مقسّمة إلى كيانين اثنين: «الليكود» برئاسة بنيامين نتنياهو، وأزرق أبيض برئاسة بني غانتس.
هل يُكلَّف نتنياهو بوصفه رئيساً للحزب الأكثر قدرة على تشكيل الحكومة، أم يصطدم ذلك بشروط يضعها عدد من الأحزاب، من بينها «أزرق أبيض»؟ وماذا عن شروط ليبرمان الذي يعيش الآن نشوة أنه بات «بيضة القبان» ليطالب برئاسة الحكومة، وإن بالتناوب، ليس مع نتنياهو، بل مع مَن سيخلفه على رئاسة «الليكود»؟
هذه التطورات والشروط، إضافة إلى شبه ثبات نتائج استطلاعات الرأي، والترجيح بأن تتكرر معضلة التشكيل أمام نتنياهو كما حصل بعد الانتخابات الماضية، كلها تفتح باباً على إمكان تقبل شروط تنحيته، وتكليف غيره بتشكيل الحكومة من حزبه. وهو ما دعا إليه ليبرمان في حديث إلى القناة الـ«12» العبرية حيث قال: «إذا فشل نتنياهو في تشكيل حكومة بعد الانتخابات، فلليكود اختيار بديل عنه»، مقترحاً رئيس الكنيست يولي أدلشتاين (الثاني على قائمة الحزب) ليحلّ مكانه. بالطبع، يُعدّ الحديث عن نتنياهو واستبداله من لوازم الحملة الانتخابية لدى عدد من الأحزاب، لكنه في الوقت نفسه يتجاوز كونه فرضية نظرية، وهو ما حمل «الليكود»، بتحريك من نتنياهو على ما يبدو، على التعامل معه بأقصى جدية.
لا خلاف على برامج وأجندات بين المرشحين بل هي معركة على الشخص


استناداً إلى كل ذلك، جاءت «مبادرة التعهّد» الليكودية، التي تنص على تعهد المرشحين الأربعين الأوائل على قائمة «الليكود» بدعم نتنياهو من دون قيد أو شرط، وعدم استبدال آخر به بعد انتخابات الكنيست. ورداً على هذا التعهّد، رأى مصدر في حزب «أزرق أبيض» للإعلام العبري (يديعوت أحرونوت) أن «الليكود» يستعد لمرحلة ما بعد نتنياهو، وأن «أي تعهّد لا يمكنه إيقاف الاتصالات والمحادثات بين شخصيات من أزرق أبيض والليكود». وهو ردّ يشير إلى أن فرضية استبدال نتنياهو جدية، أو كانت جدية، وكان يعمل بالفعل على إنضاجها بين شخصيات الصف الأول من الحزبين.
قد تكون هذه أبرز التطورات في اليومين الماضيين على صعيد الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، وهي التطورات والمواقف نفسها التي يُقدَّر أن تبرز أيضاً في الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات: لا خلاف على برامج وأجندات سياسية وأمنية، ولا خلاف على بلورة سياسات اقتصادية واجتماعية، ولا خلاف على أساليب مواجهة التحديات الأمنية، كما لا خلاف على السياسة الخارجية ومرتكزاتها وأهدافها، والأهم من كل ذلك أن لا خلاف بين القوائم الإسرائيلية (عدا أطلال اليسار) على أن القضية الفلسطينية انتهت، وأن الخلاف هو على كيفية دفنها، وأيضاً لا خلاف على التعاون والتحالف و«الأخوّة» أيضاً مع الحكام العرب، وأن من لا يزال عدواً لإسرائيل هو إيران والمحور المتكاتف معها فقط.
إذاً، ما هو الخلاف؟ وعلى ماذا يترشح المرشحون وينتخب المنتخبون في إسرائيل؟ في الواقع، هي معركة على الشخص، على نتنياهو نفسه، وعلى مكانته وإمكان إسقاطه للحلول مكانه، وليس بطبيعة الحال على برنامجه. وهذه هي أهم ميزة في هذه الانتخابات، كما التي سبقتها. وعلى ذلك، تأتي المتابعة لتطورات المشهد الانتخابي الإسرائيلي، من دون أوهام ومن دون خيالات، حول إمكانات تغيير، مهما كانت الشخصية التي تترأس الحكومة الإسرائيلية، لأنها ستكون بنيامين نتنياهو الحالي، أو نسخة عنه باسم وصفة حزبية مغايرين.