أعلن رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني، أمس، أنّ مناقصة تلزيم مشروع «تطوير الكورنيش البحري» ستُطلق خلال شهر، لافتاً إلى أنّ البلدية بصدد استصدار المراسيم التطبيقية المرتبطة بإشغال الأملاك العامة البحرية واستثمارها.إعلان عيتاني جاء خلال لقاء دعت إليه البلدية في «بيت بيروت» لإطلاع الرأي العام على تعديلات أُدخلت على المشروع بناءً على ملاحظات أبداها خبراء وناشطون من المجتمع المدني معنيون بقضايا الملك العام والحيّز المديني.
وكانت البلدية قد نظّمت، في شباط الماضي، لقاءً لأهالي العاصمة والمُقيمين فيها عرضت خلاله تصاميم المشروع الذي يتضمّن إزالة الحواجز الحديدية الفاصلة بين الكورنيش والبحر (من الحمام العسكري حتى عين المريسة)، وتوسعة الرصيف المخصص للمُشاة نحو سبعة أمتار داخل البحر وإنشاء ساحة (piazza) بمستويات متدرّجة في عين المريسة (تبدأ من مستوى الطريق العام وتنتهي مُلاصقة لصخور الشاطئ بطول مئة متر وعرض 40 متراً)، فضلاً عن زرع نحو 700 شجرة على طول الكورنيش.
ورغم اكتساء المشروع بعداً مهمّاً لناحية خلقه مساحة إضافية من الحيّز المديني العام وتعزيز العلاقة بين بحر المدينة وناسها وإرساء فكرة الحيّز «المفتوح»، إلّا أن تصاميمه الأولية لقيت اعتراضات من عدد من الخبراء والمعنيين، يتعلق أبرزها بردم البحر وتدمير صخور شاطئ عين المريسة التاريخية، وإغفال المشروع للتعدّيات على الكورنيش، فضلاً عن وجود «أولويات» أخرى تتمثل بمعالجة مشاكل الصرف الصحي الذي يصبّ في البحر، وتساؤلات عن جدوى إنفاق ملايين الدولارات في ظل الأزمة المالية الراهنة.
عيتاني «طمأن» الحاضرين أمس إلى أنّ مُلاحظاتهم أُخذت بالاعتبار، واعداً بإزالة التعدّيات على طول الكورنيش «بقرار من رئيس الوزراء»، وهي تشمل تعدّيات الجامعة الأميركية في بيروت وفندق «الريفييرا» وغيرهما. وأوضح أن المجلس البلدي «اتّخذ قراراً بالطلب من محافظ المدينة (القاضي زياد شبيب) اتخاذ التدابير اللازمة لذلك». ولفت إلى أن مجلس الإنماء والإعمار لزّم إنشاء محطة تكرير برج حمود للصرف الصحي التي سيحتاج تشغيلها عامين، «وحتى ذلك الحين، سنعمد إلى معالجة الأمر عبر ضخّ المياه الآسنة بعمق كيلومتر داخل البحر».

الردم باقٍ
خلال عرض التعديلات على المشروع من قبل المهندس الاستشاري فلاديمير دجورافيك، كان عيتاني «يؤازره»، محاولاً «سحب» كل الذرائع التي من شأنها التصويب على المشروع، مُركّزاً على أهميته لجهة الاهتمام بالمساحات العامة في المدينة والحاجة إلى هذا النوع من المشاريع.
وبحسب دجورافيك، عُدِّلَت التوسعة على رصيف المشاة من سبعة أمتار داخل البحر إلى 1.9 متر، «حتى لا يُمسّ بالصخور وحفاظاً عليها وتلبية للملاحظات التي أُعطيت في اللقاء الأول». إلّا أن هذا التعديل «لا يلغي حقيقة أن مبدأ ردم البحر لا يزال قائماً»، وفق المهندسة والناشطة ناهدة خليل. وأوضحت أن «إنشاء الـpiazza سيحتم ردم نحو 66 متراً داخل البحر بعمق 15 متراً». ولفتت إلى أنّ هناك قراراً صادراً عن المجلس الأعلى للتنظيم المدني بتاريخ 18/5/2019 يقضي بعدم الموافقة على «أي ردم على الأملاك البحرية أو إقامة أي إنشاءات عليها، على أن يجري التقيّد بمراسيم تقييم الأثر البيئي واستكمال الإجراءات القانونية وفقاً للأصول»، والموافقة فقط على الشق المرتبط بـ «توسيع الرصيف والكورنيش البحري وتأمين وصول العموم إلى الشاطئ من دون أي ردم أو مسّ معالمه أو تغييرها».
يتردّد 25 مليون دولار كرقم «أوّلي» لكلفة إنجاز المشروع


خليل سألت أيضاً عن دراسة تقييم الأثر البيئي للمشروع التي لم تُنجز بعد. علماً أنّ إعداد الدراسة كان موكلاً إلى المتعهّد الملتزم في تضارب واضح للمصالح، قبل أن توكل المهمة إلى شركة أخرى. واللافت أن الخبير الموكل إليه إعداد الدراسة من الشركة الجديدة، خليل الزين، عوض أن يتطرّق في اللقاء إلى الآثار البيئية التي ستقع، حكماً، جراء الردم، ركّز على أهمية المساحات العامّة وخلق فسحة للدراجات الهوائية وغيرها من «إيجابيات» المشروع، ما دفع إلى التساؤل عن جدوى مشاركته، بما أن الدراسة لم تنته بعد، وأن الآثار البيئية للمشروع لم تحسم حتى الآن.

1.7 مليون دولار للدراسات الأولية
لم تُعلن بلدية بيروت بعد الكلفة النهائية لمشروع «تطوير الكورنيش البحري»، فيما يتردّد رقم 25 مليون دولار كرقم «أوّلي». في لقاء أمس، سُئل رئيس البلدية، أكثر من مرة، عن الجدوى الاقتصادية من دفع مبلغ كهذا في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة في البلاد، إلّا أن جوابه كان «حاسماً»: «بيروت بتستاهل»، مضيفاً: «في حالات الأزمات، يكون الحلّ من خلال استثمارات تنمي العجلة الاقتصادية. لا نستطيع أن نعتكف عن إنجاز المشاريع بحجة الوضع»، لافتاً إلى أنّ من شأن المشروع أن يعيد بيروت إلى خريطة السياحة العربية والأوروبية، وأن يخلق حركة سياحية داخلية.
وماذا لو تبيّن أن للمشروع أثماناً اقتصادية وبيئية باهظة؟ سئل عيتاني، فأجاب: «عندها نُلغي المشروع».
يُشار إلى أن بلدية بيروت دفعت (وفق القرار البلدي الصادر بتاريخ 9/11/2017) مليوناً و700 ألف دولار (تُضاف إليها الضريبة على القيمة المُضافة)، و60 ألف دولار «للأعمال الاختيارية إذا دعت الحاجة إليها». فهل تذهب هذه الأموال هباءً؟ ولماذا سبقت الخرائط التنفيذية دراسات الجدوى الاقتصادية والأثر البيئي؟
مصادر مطلّعة تؤكّد أنّ البلدية ماضية في المشروع «مهما كان الثمن»، وهي بصدد الذهاب إلى مجلس الوزراء للحصول على المراسيم والإجراءات القانونية لتغطيته.