يتضاعف الجهد العسكري الذي يبذله الجيش السوري، مدعوماً بالطائرات الروسية، في المنطقة المشتركة بين ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، التي يسيطر عليها المسلحون، ليؤدي إلى نتائج متقدمة. وبينما يتواصل الحديث عن تأثيرات «المنطقة الآمنة» المزمع إقامتها في شرقيّ الفرات بالعلاقة «الروسية ـــ التركية» ومسار «أستانا»، أعلنت أنقرة أمس أنها شرعت مع الوفد الأميركي في أعمال تركيب البنية التحتية لمركز العمليات المشتركة جنوب تركيا.تمكن الجيش السوري، في الأيام الثلاثة الفائتة، من إحراز تقدم كبير على المحور المشترك بين ريفَي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، حيث سيطر مساء يوم الأحد على بلدة الهبيط، ذات الأهمية الكبيرة، لكونها تفتح الطريق نحو مدينة خان شيخون والطريق الدولي (دمشق ـــ حلب). وتمكن أيضاً من السيطرة على قرية سكيك شرقيّ خان شيخون، بعد مواجهات عنيفة مع الفصائل المسلحة. ويشير مسار العمليات العسكرية إلى أن الجيش يسعى للوصول إلى مدينة خان شيخون، كبرى مدن ريف إدلب الجنوبي وأهمها، وذلك للسيطرة عليها، وإحكام الخناق على مثلث «كفرزيتا ـــ اللطامنة ـــ مورك» في ريف حماة الشمالي، الذي يسيطر عليه المسلحون أيضاً. وشهدت بلدة سكيك، أمس، اشتباكات عنيفة، إثر محاولات المسلحين استعادة السيطرة عليها. وبالموازاة، وفي تحرك لافت، سيّرت قوات المراقبة التركية، أول من أمس، دورية عسكرية لها، من نقطة المراقبة التركية في الصرمان في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، باتجاه نقطة المراقبة في مدينة مورك في ريف حماة الشمالي، أي الجيب الذي يسعى الجيش السوري إلى عزله وحصاره. خطوة يمكن إدراجها في سياق الرفض التركي للتصعيد العسكري في المنطقة، والتذكير بأن الأخيرة تخضع لاتفاق «خفض التصعيد».
يبدو مسار «أستانا» في ظل التطورات الأخيرة أمام تحديات كبرى وحساسة


على خط موازٍ، أعلنت وزارة الدفاع التركية، أمس، أن العمل مستمر لتفعيل «مركز العمليات المشتركة» المقرر إنشاؤه في ولاية شانلي أورفة جنوبي تركيا، لتنسيق الإجراءات التركية ـــ الأميركية في المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها شرقيّ الفرات. وقالت الوزارة، في بيان، إنها «شرعت مع الوفد الأميركي، المكون من 6 أشخاص، في أعمال تركيب البنية التحتية لمركز العمليات المشتركة»، مضيفة أنه «جرى توفير المعدّات المتعلقة بالمهمات الحساسة الخاصة بالمركز». وأشارت إلى «استمرار العمل على تأسيس مركز العمليات المشتركة وتفعيله بأسرع وقت ممكن ودون أي تأخير». وكان وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، قد عبّر، أول من أمس، خلال مقابلة تلفزيونية، عن «رغبتنا في التقدم وفقاً لروح التحالف والشراكة الاستراتيجية والتحرك مع حلفائنا الأميركيين، بعد إقامة مركز العمليات المشتركة المذكور»، ليستدرك بأنه إذا لم يحصل ذلك «سيكون لدى تركيا أنشطة وعمليات ستقوم بها بنفسها». وتطرّق أكار إلى المحادثات التي جرت مع الوفد العسكري الأميركي الذي ناقش الاتفاق في تركيا أخيراً، قائلاً: «تحدّثنا عن نياتنا ومخاوفنا وطلباتنا، وهم أعربوا عن آرائهم، وجرى التوصّل إلى اتفاق وتفاهم على نقاط محددة في قضايا إخراج القوات الكردية من المنطقة الآمنة، وسحب الأسلحة الثقيلة منهم، ومراقبة المجال الجوي، والتنسيق والتبادل الاستخباري». ولفت أكار إلى أن «المباحثات تناولت عودة السوريين المقيمين في تركيا إلى المناطق التي سيجري تطهيرها من الإرهاب».
إزاء ذلك، يبدو أن ثمة ترابطاً بين سياق التصعيد الميداني الحاصل في إدلب، وسياق الاتفاق الأميركي ـــ التركي بشأن «المنطقة الآمنة» في شرقيّ الفرات. إذ يظهر تصعيد إدلب، الذي يبدو فيه الحضور الروسي لافتاً، كنوع من الضغوط التي تمارسها موسكو على أنقرة، رداً على ذهاب الأخيرة نحو التفاهم مع واشنطن في ما يخص شرقيّ الفرات. وسعت روسيا، طوال الفترة الماضية، إلى استغلال ملف شرقيّ الفرات لدفع أنقرة إلى التفاهم مع دمشق على وضع الحدود والعلاقة مع «قسد»، ولمنعها من التفاهم مع رعاة «قسد» الأميركيين. وطرحت موسكو، في هذا السياق، خيار العودة إلى «اتفاق أضنة» الموقَّع بين دمشق وأنقرة عام 1998، والانطلاق منه نحو التوصل الى «تفاهم جديد»، إذ يمنح هذا الاتفاق أنقرة حق التوغل مسافة تصل إلى 5 كم داخل الأراضي السورية لضرورات «مواجهة الخطر الإرهابي». ومع فشل الطروحات الروسية، وتوصل أنقرة الى تفاهم مع واشنطن على المنطقة الآمنة، يبدو «جدّياً» حتى الآن، بالإضافة إلى الانهيار السريع لهدنة إدلب المقررة في «أستانا 13»، والتصعيد العسكري الكبير الذي تبعها، يبدو مسار «أستانا» أمام تحديات كبرى وحساسة. ومع هذا، أعلن المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، يوم أمس، «أننا في الواقع على بعد خطوة واحدة من وضع اللمسات الأخيرة على العمل على إنشاء لجنة دستورية»، لافتاً إلى أن التحضيرات مستمرة لعقد قمة ثلاثية في تركيا، تجمع الأولى وروسيا وإيران، الشهر المقبل​​​.