هكذا، وببساطة شديدة، يمكن أن يصل المواطن عندنا الى خلاصة مفادها أنه بعد كل الذلّ الذي يصيبه جراء الفساد القائم، لا أمل له في سلطة القضاء. والأمر هنا، ليس ناجماً عن القوانين الجائرة، التي يتشارك السياسيون الفاسدون، مع بقية الفاسدين في بقية السلطات، في منع تطهيرها من آليات التعسف و«السلبطة» التي تمنع أي نوع من الرقابة العامة، ما يجعل المواطن يقف أمام خيارين:
إما الخضوع لقواعد اللعبة، ومن الأفضل في هذه الحالة أن يكون شريكاً في لعبة الفساد، فينال حصته من المغانم.

وإما اللجوء الى سلطة حقيقية، يراد لها أن تكون شكلية، واسمها الصحافة ووسائل التواصل العام، لأجل رفع الصوت، وخوض المواجهة مع كل الفاسدين، في كل مفاصل المجتمع الاقتصادية والمالية والأمنية والاجتماعية والسياسية والقضائية أيضاً.
لكن حالتنا، والحاكم بأمر قضايا المطبوعات، وكيفية التعامل مع كل ملفات النشر، وسلوك مجلس القضاء الأعلى نفسه، والمداخلات القائمة بقوة من قبل مراجع قضائية سابقة، كلها توجب توضيح بعض الأمور، وذلك في سياق معركة، يبدو أن في الجسم القضائي من يرغب في فتحها، ونحن لا نجد مفراً من الدخول فيها. وندخل، مدركين كل الأعباء، وسوف نكون أكثر قساوة مع كل هؤلاء الفاسدين، مهما بلغت الأحكام، ومهما بلغت عمليات التهويل باسم العدالة، ومهما بلغت المداخلات الجانبية أو خلافها.
في قضية الحكم على زميلنا محمد نزّال، أمس، وجد رئيس محكمة المطبوعات القاضي روكز رزق أن الإشارة الى تدخل نافذين في القضاء لمصلحة مشتبه فيه أمر يهز عرش الله، وفيه مذمّة وقدح وما الى ذلك في علم السلوك الاجتماعي. لكن القاضي نفسه، وجد في الحكم التأديبي الصادر في حق القاضية، موضوع الدعوى، أمراً عادياً، مستخدماً عبارة «ليس إلا»؟
ماذا يعني ذلك؟ هل أن رزق لا يقبل بأقل من حكم إعدام بحق القاضي حتى يتثبت من أنه أخلّ بوظيفته وخان قسَمه؟ وهل أن القاضي رزق صار مرتاحاً الى أحكامه عندما حوّل نفسه الى مرشد اجتماعي، يريد أن يعلّم الناس كيفية التخاطب؟ وهل هو ينظر الى القضايا بين يديه من زاوية ما يلائم تفسيراته للمواد القانونية، فيعطي المشتبه فيه حق الشفعة الى أبد الآبدين، بينما يلوم ويعاقب الفاضح لفعل الحرام، لأنه تجرأ على رفع الصوت؟
المشكلة اليوم، ليست فقط في نصوص قانون المطبوعات، وإنما في الاجتهادات التي يجري العمل عليها، والتي يبدو أن القاضي رزق بات متخصصاً فيها. وما قام به الرجل، في قضايا كثيرة تخصّ «الأخبار» معطوفة على ملاحقة الوزير السابق شربل نحاس، يجعلنا نقرر بصراحة شديدة أننا لن نقف بعد اليوم أمام هذا القاضي، وسوف نطالب بتحييده عن أي قضية تخصّنا بسبب الارتياب المشروع. وسوف نناقش حالته نقطة نقطة، وفاصلة فاصلة، وعلينا أن نجيب أنفسنا، ثم الرأي العام عن «سر» هذا القاضي. ولا بأس أن يقرر أيضاً، ابتداءً من هذا الصباح، أن يكلف محامياً، يعمل فقط على ملاحقة «الأخبار» بصورة يومية، وأن يأمل بحصد تعويضات تفوق عشرات الأضعاف ما ينتظره عند التقاعد.
لكن المشكلة الكبرى، والتي يجب لفت الانتباه إليها بقوة اليوم، هي أن في الجسم القيادي للقضاء في لبنان من صار راغباً في خلق عصبية، وكأن السلطة القضائية صارت نادياً، يوجب التعاضد والتضامن بين أفراده، ولو على غير حق. وبات علينا مساءلة الجميع، من رئيس مجلس القضاء، الى النواب العامين جميعاً، الى القضاة في غرف مختلفة، عن سر هذه الخطوات التي خلقت فرقة متخصصة للرد على الإعلاميين، بدل التحقيق في ادعاءاتهم، إلا إذا كان المقصود عدم الركون الى نتائج التحقيقات، كما هي الحال مع القاضية يقظان، التي أدانها التحقيق، وأصدر بحقها قرارات (الله أعلم إذا كان المعنيون قد أبلغوها نتيجة الحكم أو لا). ثم ما هو المبرر، لكي تنطلق حملة من داخل مجلس القضاء، توجب على الجميع حماية أي قاض عرضة لمساءلة من هنا أو هناك؟ هل بين القضاة من يريد تحول هذه السلطة الى سلطة شبيهة ببقية السلطات في البلاد... إذا كان كذلك، فعلى من يفكر في هذا الأمر أن يتحمل وزر فعلته، ولا يسرّ كثيراً إن قال له مرجع قضائي سابق إنه في موقعه الاستشاري الحالي يمكنه مساعدته أو خلاف ذلك.
نحن نعرف الغالبية من هذا الجسم. نعرف كيف تصرفت في أمور كثيرة. ونعرف الصالح من الطالح. ونعرف أن معظمه يريد أن يكون القضاء سلطة محترمة، تسهر على تطبيق العدالة. ولن نقع في فخ نصبه محتالون، يريدون منا ومن غيرنا أن نفقد الأمل بالسلطة القضائية ككل، وأن نعتبرها بكل ما فيها خصماً وجبت مقارعته.
لكن الأمر لا يتوقف على أن ما نريد القيام به سوف نقوم به، بل على ضرورة أن ينتفض قضاة من الذين يقولون لنا ولغيرنا كلاماً فاقعاً في السر، لكنهم يخشون على وظائفهم فيصمتون في العلن. وعلى هؤلاء، ليس الاختيار بين عادل وظالم، بل بين كرامتهم وبين احتقارهم لأنفسهم.
محمد نزّال، يمثّل اليوم، عنوان معركة سوف نخوضها، بمعزل عمّن يقف الى جانبنا ومن يبتعد. معركة إعادة الاعتبار إلى أن سلطة القانون هي فوق الجميع، فوق رأس القضاة قبل بقيّة الناس!