2500 حريق تلتهم سنوياً المساحات الحرجية في لبنان. هذا الرقم، على ضخامته، لم يجعل الحرائق في سلم أولويات الوزارات المعنية بـ«إدارتها». حتى الآن، وعلى أبواب رقمٍ جديد للموسم الحالي، لا تزال «إدارة الحرائق» مسيّرة بقوة الدفع الإلهي، في ظل معوقات كثيرة، تبدأ بالنقص الفادح في حراس الأحراج والعناصر المكلفين بإطفاء الحرائق، ولا تنتهي بالحاجة الهائلة إلى المياه، وإلى قربها من المكان المحتمل لاندلاع النيران. حلُّ هذا الواقع المأسوي لا يكون إلا بفكفكة الأسباب التي تؤدي، منذ عشر سنوات، إلى تعطيل «الاستراتيجية الوطنية لإدارة حرائق الغابات».لم ينته موسم الحرائق بعد. ثمة شهران كاملان متبقيان قبل «إقفال» الموسم، رسمياً، أواخر تشرين الأول المقبل، ما يعني أن «الحساب» لا يزال مفتوحاً أمام خسارة مساحاتٍ حرجية جديدة، ستضاف إلى ما ابتلعته النيران منذ بداية الموسم.
عشرات الحرائق اندلعت منذ مطلع أيار الماضي، «رأس» الموسم، ولا تزال أخبار الحرائق ترد تباعاً. في كل يوم، ثمة مساحة حرجية تحترق، وتختزل معها جزءاً من الغطاء الأخضر الذي لا يشكّل أكثر من 13% فقط من مجمل الأراضي اللبنانية.
بحسب التقديرات الرسمية، يندلع في لبنان 2500 حريق سنوياً. الكارثة لا تنحصر فقط بهذا العدد الهائل نسبة إلى مساحة الأراضي الحرجية المتبقية، بل في أن «الحرائق لا تأتي على أراضٍ احترقت سابقاً، بل تلتهم أراضي جديدة»، يقول جورج أبو موسى، مدير العمليات في الدفاع المدني.
اليوم، لا رقم محدداً لما التهمته النيران من مساحات خضراء في «الموسم» الحالي. مع ذلك، يمكن الحديث عن سنة «عاطلة» جداً، بحسب مدير التنمية الريفية في وزارة الزراعة شادي مهنا، مستنداً الى «حركة» الحرائق منذ بداية الموسم، والتي «تشهد ارتفاعاً، نظراً إلى ازدياد الكتلة الحيوية الفاعلة من أعشاب وحشائش بعد موسم غني بالأمطار». مهنا يدق ناقوس الخطر، انطلاقاً من «أن الموسم مستمر حتى نهاية تشرين الأول، وهو أخطر الأشهر حيث يشتد الجفاف واليباس ويأتي موسم تقشيش أغصان الزيتون، ما يعني أن عدداً كبيراً من الحرائق لا يزال في انتظارنا»!
مع ذلك، لا يحسب المعنيون حساباً لكيفية مواجهة الحرائق ولا لكيفية الوقاية منها.
بلدية واحدة من أصل 90 تضع خطة سنوية لتشحيل الأشجار وإزالة الأعشاب اليابسة


في ما يتعلق بالمواجهة، لا تزال هذه «آنية»، إذ تحدث فقط عند وقوع الحريق. والأسوأ أن فرق «المواجهة» غير كافية، إذ عادة ما يقوم بها عناصر الدفاع المدني، وحيدين، يساندهم، في بعض الأحيان، عناصر من الجيش وبعض طوافاته. وبحسب أبو موسى، فإن «النسبة الأكبر من عناصر الدفاع المدني متطوعون يضطرون إلى ترك أعمالهم ليساعدوا في الإطفاء، وهو ما يجعل الوضع غير مستقر»، فيما الموظفون الثابتون في الجهاز لا يتعدون «700 موظف، 400 منهم في قسم العمليات، والباقون إداريون». وعليه، «ما من عناصر كافين، والأهم من ذلك متفرغين ومتوافرين في المراكز كل الوقت، وهذا يسبب غالباً تمدد الحرائق وصعوبة السيطرة عليها». ثمة عامل آخر يزيد الأمور تعقيداً، إذ إن هناك «حاجة ملحة إلى مصادر مياه قريبة من الأحراج، وشق طرقات خاصة لسيارات الإطفاء، على أن لا تفتح إلا للتعامل مع الحرائق».
يحدث كل ذلك، فيما الحلول متوافرة، وفق «الاستراتيجية الوطنية لإدارة حرائق الغابات في لبنان» التي تبنّاها مجلس الوزراء عام 2009 ولا تزال معطلة لغياب الإرادة السياسية! وبحسب المعنيين، «لو جرى تبنّي تلك الاستراتيجية، لأمكن تلافي وقوع الكثير من الخسائر البيئية التي تكبر عاماً بعد عام»، إذ تشتمل هذه الاستراتيجية على ثلاثة محاور أساسية: الوقاية والمكافحة والتأهيل، وهي مهام تتوزعها كل من وزارات البيئة والداخلية والزراعة والدفاع ومجلس الإنماء والإعمار والهيئة العليا للإغاثة ومركز الأبحاث الزراعية وجمعية الثروة الحرجية والتنمية، فيما تختص وزارة الزراعة وحدها بالشقين الوقائي وإعادة التأهيل والتحريج.
في الشق الوقائي، أي في ما يتعلق بشكل أساسي بتنظيف أحراج لبنان وتشحيلها قبل موسم الجفاف، ثمة صعوبات تحول دون قيام الوزارة بمهماتها، منها «حصة» البرنامج من الموازنة، إذ إن «ما هو مرصود في الموازنة له أقل بكثير مما يجب»، يقول مهنا. ومن جهة أخرى، ثمة نقص فادح في عدد حراس الأحراج، إذ إن هناك «أقل من 150 عنصراً موزعين في كل لبنان، ويعملون وفق دوام إداري من الثامنة صباحاً حتى الثالثة والنصف بعد الظهر، من الإثنين حتى الجمعة. يعمل هؤلاء ضمن الدوام الرسمي، فيما تبيّن «حركة» الحرائق أن غالبيتها «تحصل في الويك آند»! يفترض ذلك تعزيز وجود الحراس في الغابات والمساحات الحرجية «لتولي الرقابة ومنع التشحيل غير القانوني والتعديات على الأحراج، ولا سيما أن كثيراً من الحرائق مفتعل بسبب أعمال البناء وتوسيع حدود بعض الأراضي التي تحدها الغابات، وبهدف تغيير وجهة استعمال الأراضي». كما يمكن هؤلاء أن يلعبوا دور «الإنذار المبكر»، إذ يمكنهم على الأقل «التدخل السريع والإعلام بداية اشتعال الحريق، لأن ما قد يحتاج إلى كوب ماء عند بدايته قد لا تخمده الطوافات بعد نصف ساعة!». ويلفت مهنا الى أن المرسوم الرقم 9924 المتعلق بتنظيم الفرق الفنية لمراقبة الأحراج والصادر عام 2013، يلحظ توظيف 386 حارس أحراج، بما يؤمن 8 عناصر لكل مركز، بمعدل أربعة عناصر لكل دوام، لتغطية الدوامين النهاري والليلي.
لكن، رغم تلك الحاجة، حدث العكس. إذ «احتجز» 106 ناجحين في مجلس الخدمة المدنية لوظيفة حراس أحراج بسبب اختلال التوازن الطائفي!

لكن ماذا عن دور البلديات؟
يشرح مهنا أن وزارة الزراعة ترسل كتاباً إلى وزارة الداخلية ترسله بدورها إلى المحافظين ليعمّم على كل البلديات بضرورة التقشيش وتنظيف جوانب الطرقات قبل بداية موسم الصيف. «هنا ينتهي دور الوزارة». أما ما بعد الكتب، فلا يبدو أن البلديات تقوم بدورها، لا بل إن «هناك غياباً شبه كامل للبلديات في مكافحة الحرائق»، وفق مصادر في وزارة البيئة، بحجة «عدم توافر الإمكانيات المادية». وقد بيّنت دراسة أجرتها طالبة الدكتوراه في الجامعة اللبنانية، سوزي زيدان، حول التعامل مع الحرائق، أن «من أصل 90 بلدية، هناك بلدية واحدة تضع خطة سنوية تعمل بموجبها على تشحيل الأشجار وإزالة الأعشاب اليابسة»!