تونس | يموت عازف الأكورديون الأعمى في الشارع بعدما عاش بلا اسم ولا هوية، ويدفن في قبر مجهول، بينما تحمل عائشة وزينب الأكورديون لتواصلا العزف في أزقة تونس العتيقة. تلك هي الحكاية التي تتصاعد بالتوازي مع الحكاية الأساسية لشريط النوري بوزيد «ما نموتش» الذي يعرض ضمن «شهر الفرنكوفونية» في لبنان. لدى عرضه في «أيام قرطاج السينمائية»، مثّل الفيلم حدثاً بارزاً ككل أعمال النوري بوزيد الذي اشتهر بإدانته للإسلاميين والسلطة منذ باكورته «ريح السد» و«صفائح من ذهب» في الثمانينيات.
أحداث «ما نموتش» تجري في مدينة تونس العتيقة، وتحديداً في حي «القصبة»، المركز السياسي الرسمي الذي ارتبط بحكومات تونس المتعاقبة، ثم اشتهر باعتصام القصبة ١ و٢ الذي أنهى رسمياً حكم بن علي. وعرفت تونس العتيقة باحتضانها لكل الأديان من مسلمين ويهود ومسيحيين، وتحتضن أيضاً جامع «الزيتونة» المعروف بالجامع الأعظم وأول جامعة في العالم العربي والإسلامي.
في حي القصبة تعيش عائشة (سهير بن عمارة) وزينب (نور مزيو) اللتان شاركتا في الثورة. عائشة فشلت في علاقة عاطفية، فأصيبت بحالة حزن وإحباط، وتفرّغت لتربية شقيقتيها بعد رحيل الأم. أما زينب فتعيش مع عائلتها التي تحيطها بالحنان، وترتبط بإبراهيم (لطفي العبدلي)، رجل الأعمال المقيم في فرنسا. يجمع الحجاب الفتاتين، فإبراهيم يفرض على خطيبته ارتداء الحجاب للتقرب من القوة السياسية الجديدة الصاعدة التي يمثّلها حزب «النهضة» الاسلامي، فيما تلجأ عائشة الى الحجاب لمواجهة خوفها الباطني من المجتمع، ما يسبب أزمة اقتصادية لصاحب محل الحلويات الذي تعمل فيه، باعتبار أنّ شكلها الجديد يؤثر سلباً في إقبال الزبائن. أما حبيبها حمزة، شقيق زينب والسجين السياسي في عهد بن علي والإسلامي المتطرف، فيتحول الى رجل هادئ يبحث عن حياة بسيطة بعد نهاية حكم بن علي.
حكاية الشريط لا تنتهي هنا. فقد عمد بوزيد الى بناء حكاية موازية على هامش البناء الدرامي، وهي حكاية عازف الأكورديون الأعمى (أدى الدور النوري بوزيد نفسه) الذي يعيش وسط المدينة ويعثر عليه ميتاً في الشارع، فيدفن في قبر بلا هوية، في دلالة على غربة الفن في مجتمع محافظ. ورغم النهاية المأسوية، تحمل زينب وعائشة الأكورديون، وتلقي عائشة بحجابها بعيداً وتنطلق في أزقة المدينة العتيقة على إيقاع الغناء، في رسالة الى المتطرفين أنّنا «لن نموت مهما كان مستوى القمع والديكتاتورية والفاشية والإرهاب».



«ما نموتش»: 19:00 مساء 13 آذار (مارس) ــ صالة «مونتاني» (المعهد الفرنسي في لبنان) ــ للاستعلام: 01/420200