للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات، وفي تحدٍّ للقبضة الأمنية المحكمة على البلاد، خرجت في العاصمة المصرية القاهرة ومدن أخرى، مساء أمس، تظاهرات مناوئة للرئيس عبد الفتاح السيسي، ومطالِبة برحيله. وعلى رغم أن تلك التظاهرات بدت محدودة لناحية عدد المشاركين فيها، إلا أن ما يميزها هذه المرة أنها لا تأتي بدعوة من جماعة «الإخوان المسلمون» التي تعدّها السلطات عدوّها اللدود وتصنّفها «إرهابية»، وأنها تندلع في وقت ترتسم فيه الكثير من علامات الاستفهام حول حكم «الجنرال» الذي أظهر في الأيام الماضية - وفق ما بدا - استخفافاً بما يمكن أن يفعله مقاول هارب ربما يكون مدعوماً من أذرع من داخل النظام، ولم يخطر في باله ربما أن الشارع سيجرؤ على مواجهة الحشود الأمنية والعسكرية التي استنفرت في الميادين والساحات منذ أول من أمس تحسّباً لأي تحركات محتملة.وبثّ ناشطون، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو قصيرة تظهر تواجد أعداد من المصريين في ميدان التحرير، وسط هتافات ضد السيسي. كما بثوا مقاطع من ميدان طلعت حرب الشهير وسط القاهرة، وأيضاً من أحد ميادين مدينة المحلية العمالية شمالي البلاد، والشرقية (دلتا النيل/ شمال)، والإسكندرية (شمال)، والسويس (شمال شرق). وتحدث الناشطون عن توقيفات طالت بعض المتظاهرين، بعدما كانت وسائل إعلام محلية ذكرت أن سلطات الأمن ألقت القبض على ضياء سعد الكتاتني، نجل رئيس مجلس الشعب المصري السابق المحبوس حالياً، في أحد شوارع مدينة 6 أكتوبر غربي العاصمة، بتهمة التجهيز للتظاهرات. وفيما بات وسم «#ميدان_التحرير» الأعلى تداولاً على «تويتر» في مصر بعد وقت قصير من انطلاق الاحتجاجات، زعمت حسابات مؤيدة للسيسي أن الفيديوهات المتداولة مفبركة، وأن ما يظهر فيها عمره سنوات، قبل أن يعود بعضها ويعترف بوجود تحركات، وإنما للاحتفال بفوز «نادي الأهلي» بكأس السوبر المحلي!
واندلعت التظاهرات في وقت غادر فيه السيسي البلاد مساء الجمعة إلى نيويورك، من أجل المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتأتي هذه التطورات بعدما دعا المقاول والممثل الهارب، محمد علي، إلى الخروج إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط «الجنرال»، الذي كان علي وجّه إليه تهماً بالفساد، كاشفاً الكثير من المعطيات حول مشاريع تعتريها المحسوبية والاعتباطية. ومن بعد مرور قرابة أسبوعين على الفيديوهات التي كان علي يبثها تباعاً، مستدرجاً السيسي إلى ردّ خجول خلال «مؤتمر للشباب» نُظّم على عجل، بدأت تسري دعوات مُوجّهة إلى مسؤولين عسكريين تحضّهم على تأييد «الإرادة الشعبية»، توازياً مع حديث عن تحركات لعسكريين سابقين من بينهم المرشح السابق لرئاسة الجمهورية الفريق أحمد شفيق، وكذلك لضباط داعمين للفريق سامي عنان. انطلاقاً من كل تلك المعطيات وتراتبيتها الزمنية، بدا، في خلال الساعات الماضية، أن ثمة أيادٍ من داخل «بيت النظام»، وربما من الجيش تحديداً، تحاول قلب الطاولة على السيسي، وإن كان من المبكر الحكم على طبيعة ما يجري، خصوصاً في ظلّ توجه الرئيس إلى نيويورك مع ما يعنيه الأمر من اطمئنان يستشعره، بعدما كانت الجهات السيادية اقترحت عليه البقاء داخل البلاد. وفي انتظار اتضاح الصورة، يبقى أكيداً أن ثمة مشهداً جديداً بدأ يرتسم في مصر، التي كانت شهدت انتفاضة شعبية في 25 كانون الثاني/ يناير 2011 أطاحت حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، ومن بعدها بسنتين تظاهرات مدعومة من العسكر أزاحت الرئيس الراحل محمد مرسي، ليحلّ محلّه حتى اليوم عبد الفتاح السيسي.