القاهرة | قررت الدولة المصرية التصعيد بأقصى طاقتها لمنع تحوّل الجمعة المقبلة إلى «ثورة حقيقية»، أو حتى إلى سلسلة من تظاهرات الجمعة قد لا تنتهي بسهولة. جراء ذلك، تتواصل حملة الاعتقالات التي تنفذها وزارة الداخلية، وتوسعت فيها خلال اليومين الماضيين بتخطيط من أجهزة تابعة للرئيس عبد الفتاح السيسي مباشرة (ولا سيما المخابرات العامة والمخابرات الحربية)، في محاولة للسيطرة على التظاهرات المحتملة غداً (الجمعة). ووفق مصادر رسمية وأخرى أهلية، بلغ من قُبض عليهم حتى مساء أمس أكثر من ألف شخص، منهم شباب صودف وجودهم في ميدان التحرير، وآخرون معارضون أُخذوا عنوة من منازلهم. وبعد سجن عدد كبير من المسؤولين والناشطين الحزبيين، طاولت الاعتقالات، أمس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسن نافعة، وصولاً إلى منسق حملة ترشح الفريق سامي عنان للرئاسة حازم حسني. كذلك فإنها امتدّت لتطاول محافظات خارج القاهرة، وعدداً من قادة «تيار الاستقلال»، منهم الأمين العام للحزب، مجدي قرقر، في وقت بقي فيه المرشح الرئاسي السابق، حمدين صباحي، قيد المراقبة الدقيقة من أجهزة الأمن. كذلك، أُلقي القبض على القيادي خالد داوود في «جبهة الإنقاذ»، مع أن الأخيرة جهةٌ تعاون معها السيسي للتخلص من جماعة «الإخوان المسلمون» في 2013. ووُضع داوود قيد الاحتجاز في مكان غير معلوم، وسط تأكيدات بأن غالبية المقبوض عليهم ستُوجَّه بحقهم اتهامات بـ«الانضمام إلى جماعة إرهابية، والعمل على نشر الفوضى والعنف بدعم من جهات خارجية»!
أيضاً، مرّرت الأجهزة الأمنية، عبر برنامج الإعلامي عمرو أديب الذي صار الأداة الرئيسة في الدفاع عن النظام، نبأ إلقاء القبض على عدد من الأشخاص، منهم هولندي وأردني، إلى جانب مصريين كانوا في السعودية وتركيا، ثم أُذيعت اعترافات لهم بالتخطيط لارتكاب «أعمال عدائية» بعد ضبطهم في «التحرير». وفوراً، كذّب عدد من أصدقاء المقبوض عليهم الروايات الأمنية، خاصة بحق المخرج الأردني عبد الرحمن الرواجبة الذي أُلقي القبض عليه من منزله بعد ساعات من توقيفه في الميدان الأحد الماضي، وهو الذي ادعى الأمن عضويته في «الحزب الشيوعي الأردني»، فيما أكد زملاؤه أن وجوده في مصر كان لدراسة السينما، وأنه حاول التواصل مع السفارة الأردنية لدى القاهرة بعد مضايقات أمنية قبل احتجازه، لكنه لم يتمكن من ذلك. من جهتها، نفت حركة «الجهاد الإسلامي في فلسطين» ما نقلته قناة «MBC مصر» عن تسجيل لأحد المعتقلين الفلسطينيين يقول فيه إنه كان مرسَلاً لنقل الأحداث الأخيرة في الشارع المصري، موضحة أن «أشرف أسعد طافش عضو في الحركة، وقد وصل إلى القاهرة قبل يوم واحد من التظاهرات، وكان يريد أن يسافر إلى بلد آخر بهدف الدراسة».
بلغ من قُبض عليهم حتى مساء أمس أكثر من 1000 شخص


بالتوازي مع ذلك، صدرت تعليمات أمنية بإلغاء نقل أيٍّ من المتهمين على ذمة قضايا مرتبطة بـ«الإخوان» و«الإرهاب» إلى المحاكم حالياً، وتأجيلها إدارياً لدواعٍ أمنية. وتقول التقارير الأمنية إن الظروف غير مناسبة لنقلهم مع «تزايد التهديدات الأمنية»، ما دفع محكمة شرق القاهرة العسكرية، المنعقدة في مجمع محاكم طرة أمس، إلى تأجيل محاكمة 278 متهماً في قضية «حسم ولواء الثورة 2»، حتى الثاني من الشهر المقبل، «لتعذّر حضور المتهمين من محبسهم». كل هذا قد يبدو استكمالاً لمسار التصعيد الذي اتخذه النظام، لكن القرار الأخطر كان صدور تعليمات إلى الجيش بالانتشار في الشوارع اعتباراً من مساء اليوم (الخميس) «لحفظ الأمن»، خاصة في القاهرة الكبرى. ووفق مصادر وشهود عيان، جرت عملية نقل كثيفة لمعدات الجنود، فيما ظهر وزير الدفاع، الفريق أول محمد زكي، لليوم الثاني على التوالي، برفقة رئيس الأركان، الفريق محمد حجازي، في خطوة نادرة. وأكد زكي أن «مهمة الجيش مقدسة ولا تهاون فيها، وهي الدفاع عن الوطن»، مشدداً خلال لقائه أمس عدداً من القادة والضباط وجنود المنطقة المركزية العسكرية (التي تكتسب أهمية خاصة، لكونها المسؤولة عن نشر الوحدات في القاهرة الكبرى) على أن القوات المسلحة ستظلّ «الدرع الواقية والحصن الأمين للشعب المصري العظيم».
في المقابل، دعت «منظمة العفو الدولية»، قادة العالم، إلى إصدار إدانات واضحة للملاحقات التي يشنّها نظام السيسي على معارضيه في أعقاب خروج احتجاجات في بعض المدن، مشيرة إلى أنها وثّقت الاعتقالات الواسعة، ولا سيما القبض على صحافيين ومحامين وسياسيين وناشطين، «في محاولة لإسكات أصوات المعارضين والحيلولة دون تنظيم المزيد من التظاهرات». وقالت نائبة المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، ناجية بونعيم، إن «حكومة السيسي اهتزت بدرجة كبيرة بفعل التظاهرات، وشنت حملة ملاحقات واسعة... العالم لا يجب أن يصمت بينما يعصف السيسي بكل حقوق المصريين». بدورها، أعلنت الحكومة الألمانية أنها تنتظر من السلطات المصرية ألا يستمرّ سجن الأشخاص الذين اعتُقلوا بعد تظاهرات الجمعة من دون اتهامات، وفق متحدث باسم وزارة الخارجية أشار إلى أن بلاده تفترض أن الأشخاص الذين لم تتمكن السلطات من توجيه اتهامات إليهم يجب «إطلاق سراحهم فوراً». تصريحٌ نقلته «وكالة الأنباء الألمانية» بعد ساعات من إلغاء لقاء كان يفترض أن يجمع المستشارة أنجيلا ميركل والسيسي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وذلك لأسباب وُصفت بـ«اللوجستية».
إلى ذلك، أنهت البورصة المصرية موجة الهبوط التي بدأتها قبل ثماني جلسات، ليصعد المؤشر الرئيس «EGX30» في نهاية تعاملات أمس بنسبة 3.22%، وارتفع مؤشر «EGX100» بعدما تأثّرت السوق بزيادة القوة الشرائية، بالإضافة إلى توقعات خفض البنك المركزي أسعار الفائدة في اجتماع لجنة السياسات النقدية، إذ يتوقع أن تتجاوز 1%، في وقت قفز فيه سعر صرف الدولار الأميركي أمام الجنيه في ثمانية بنوك ما بين قرش وقرشين للمرة الأولى منذ أسابيع، بعدما اتخذت العملة الأجنبية منحى الانخفاض جراء الأحداث الأخيرة.