ابتداءً من 4 آذار (مارس) حتى 11 منه، تعرض «متروبوليس أمبير صوفيل» مجموعة 11 فيلماً وثائقياً روائياً عربياً شارك «الصندوق العربي للثقافة والفنون ـ آفاق» في إنتاجها خلال العامين الفائتين ضمن «أسبوع آفاق السينمائي». تصوّر الأفلام الفلسطينية (راجع المقال أدناه) والمصرية (راجع المقال المقابل) واللبنانية (راجع المقال أقصى اليسار) وغيرها علاقة الشباب العربي المضطربة بأوطانهم، سواء تلك التي ولدوا فيها أو هاجروا إليها، وأزمة الهويات المزدوجة التي نشأت عن هذا الترحال الاختياري أو الإجباري. يأخذنا كل مخرج في رحلة بحث مختلفة عن وطنه المتخيل، ذلك الذي يعيش في الحلم أو في الذاكرة.
في الوثائقي القصير «حديقة أمل» (2012ـ 32 د ــــ 8/3)، تذهب المخرجة نادية شهاب إلى كركوك شمال العراق لنتعرف إلى أمل وزوجها اللذين يجددان منزلهما في انتظار أن تتضح معالم العراق الجديد. عبر سردها السينمائي، تحول المخرجة الواقع المعيش إلى متخيل عبر التفاصيل اليومية التي تصورها من حياة أمل وتبني من خلالها إيقاعاً درامياً أقرب إلى الروائي منه إلى الوثائقي. تروي قصة هذه العائلة التركمانية التي تحاول التأقلم في حاضر العراق المفكك ومنطقة الكركوك المتنازعة بين الهوية العربية والتركمانية والكردية في آن واحد، نظراً إلى وجود البترول. قرار أمل بتجديد منزلها بعد سنوات من التأجيل بسبب مرض ابنها كما تقول في أول الفيلم، يبدو كأنّه خطوة رمزية للمضي قدماً والتعايش مع الحاضر بعدما خسرت هذه العائلة مزرعتها، ولم يبقَ لها سوى تلك الحديقة الصغيرة التي تبدو كفسحة الأمل الوحيدة الباقية. تعتمد المخرجة على التجريب في لغتها السينمائية، فتبرز التناقض بين الثابت والمتحرك، بين الصوت والصمت كما في اللقطات الثابتة للحديقة في سكونها وهدوئها التي تتكرر خلال الفيلم وتتواتر مع ضجيج مشاهد العمال أثناء تجديد المنزل، خالقةً عبر المونتاج إيقاعاً أشبه بالموسيقى يعكس هذا الحاضر المتأرجح والمتنازع التي تعيش فيه الشخصيات.
من العراق ننتقل إلى اليمن التي تعود إليه سارة بعد سنوات طويلة عاشتها في بريطانيا. وثائقي «بيت التوت» (2013 ـ 65 د ـــ 6/3) للمخرجة سارة إسحق، يتابع عودة سارة التي هي من أب يمني وأم بريطانية إلى منزل والدها في اليمن تزامناً مع الثورة اليمنية. بين الثورات الصغيرة التي تحدثها النساء في العائلة والثورة الكبيرة قيد الحدوث في الخارج، ترسم المخرجة بورتريه لمجتمع هو قيد التغيير وإعادة التشكيل. هي خطوات صغيرة نحو الحرية تجتازها المخرجة يومياً وتفرضها على عائلتها ومحيطها كإصرارها على الخروج وتصوير التظاهرات أو على ارتداء العباءة القصيرة أو تقبل عدم رغبتها في الزواج. تحاور المخرجة عبر الكاميرا أفراد عائلتها وتضعهم في مواجهة أنفسهم، حيث الصورة تؤدي الدور الأساسي نفسه الذي تؤديه في الثورة اليمنية. إنها هنا لتوثق هذا التحول الذي لا عودة عنه ويمتد من الداخل إلى الخارج. في وثائقي «موج» (2013 ـ 70 د ـ 9/3)، يصور المخرج المصري أحمد نور السويس ودورها في الثورة المصرية، مازجاً بين تاريخ المدينة وتاريخه الشخصي في لغة بصرية تجريبية وفريدة من نوعها. يلعب على التناقض بين الجامد والمتحرك، فيبدأ الفيلم بمشاهد غريبة تحاكي الصور الفوتوغرافية عبر الشخصيات الصامتة والثابتة في أماكنها التي تحدق في الكاميرا ولا تحرك ساكناً إلى أن يقوم أحدهم بحركة بسيطة كغمزة أو طرف ابتسامة، فينتهي المشهد. إلى جانب ذلك، يؤدي الموج دوراً أساسياً في الوثائقي عبر الجمالية الخاصة الذي يؤسس لها المخرج، فيجعله محطة توقف بين كل فصل وآخر من القصة، مجسداً عبر تحركاته الوقت الذي يمر تزامناً مع تقدم الثورة والصراعات التي تواجهها.



«أسبوع آفاق السينمائي»: بدءاً من الغد حتى 11 آذار (مارس) ــ «متروبوليس أمبير صوفيل» (الأشرفية ـ بيروت) ـ للاستعلام: 01/204080