دفعت السعودية بوجه جديد على رأس الدبلوماسية، في وقت لا تزال تحاول فيه تصدير صورة توازن التطلعات «الإصلاحية» لولي العهد محمد بن سلمان، بعدما تهشّمت بفعل قضية جمال خاشقجي وحرب اليمن. الوزير الجديد، وهو فيصل بن فرحان آل سعود، ضالعٌ في العمل الدبلوماسي كونه عُيِّن سفيراً لبلاده في برلين لأشهر سبعة، وتربطه بالغرب علاقات قوية جداً، والأهم أنه يُعتبر من الشخصيات المحبّبة لولي العهد، ما قد يعني توجهاً لإضعاف دور عادل الجبير، وزير الدولة للشؤون الخارجية، أو وزير خارجية الظلّ الذي خلَفه إبراهيم العسّاف قبل الإطاحة به، بموجب أوامر ملكية، أول من أمس. ويرث ابن فرحان وزارة من سلف ظلّ على هامشها طوال فترة العشرة أشهر التي قضاها على رأسها، وفي وقت تستعدّ فيه المملكة لتولّي رئاسة «مجموعة العشرين» العام المقبل.اختيار شخصية شابة وديناميكية لقيادة وزارة الخارجية السعودية، يعكس، وفق مراقبين، محاولة من ابن سلمان لتدشين مرحلة دبلوماسية جديدة، لا يشكّل الحرس القديم عمودها الفقري. ويُشَار أيضاً إلى علاقة قوية تَجمع الوزير الجديد بولي العهد الذي عمل مستشاراً له في عام 2017، الذي كان مفصلياً لجهة صعود الأمير الشاب لمنصب ولاية العهد، ومقاطعة قطر، فضلاً عن حملة «واقعة الريتز» التي طالت أمراء ووزراء ومسؤولين سعوديين في حملة تطهير غير مسبوقة. وسبق لابن فرحان أن كان مستشاراً بارزاً لشقيق ولي العهد، السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة خالد بن سلمان، خلال فترة مقتل خاشقجي. وإلى خبرته الدبلوماسية، يتمتّع الوزير الجديد بتجربة طويلة في شؤون التسليح، إذ شغل منصب عضو في مجلس إدارة الشركة السعودية للصناعات العسكرية، كما سبق أن تولّى رئاسة مشروع مشترك مع شركة «بوينغ» الأميركية لصناعة الطائرات. وبحسب الباحث المتخصّص في شؤون الشرق الأوسط في «كينغز كولدج» في لندن، أندرياس كريغ، فإن التعيين «جزء من تغيير في الأجيال، الأمر الذي يخلق طبقة جديدة من القادة في السعودية مستقلّة عن محرّكي السلطة التقليديين، ويساعد ولي العهد على ترسيخ نفوذه من دون الحاجة إلى الاعتماد على الحرس القديم».
يعكس اختيار ابن فرحان محاولة من ابن سلمان لتدشين مرحلة دبلوماسية جديدة


ويتسلّم ابن فرحان منصبه في وقت لا تزال فيه المملكة تحاول تخطّي تبعات قضية خاشقجي وحرب اليمن المتواصلة، بالتزامن مع خوضها معركة دبلوماسية مع إيران وسط توتّر ناجم عن هجمات استهدفت ناقلات نفط وسفناً في مياه الخليج، ومنشآت نفطية سعودية، قالت الرياض إن طهران تقف وراءها. ومن هنا، يرى الباحث في مؤسسة «تشاتام هاوس» البحثية البريطانية، نيل كويليام، إن «الفريق الذي يجري‭‭‭‭ ‬‬‬‬تشكيله في واشنطن ولندن، والآن وزير الخارجية الجديد... الترسيخ يزداد ويتولّى المهمة الآن طاقم مؤيّد للغرب»، في «خطوة تنطوي على دهاء للتغلّب على إيران في كل العواصم وفي الأمم المتحدة. هذا شكلٌ جديد من أشكال التصدّي» لطهران. في الإطار ذاته، تقول الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، شينزيا بيانكو، إن الوزير الجديد يتمتّع بعلاقات «قوية مع حلفاء السعودية التقليديين وحتى الأوروبيين، بشكل أكبر ممّا كان عليه الوضع في السابق». وليس وزير الخارجية الجديد أقلّ صقورية من الجبير حين يتعلّق الأمر بالجمهورية الإسلامية، إذ يُعتبر من أكثر المسؤولين إدلاءً بتصريحات عدائية ضدّ إيران. وفي أيلول/ سبتمبر الماضي نُقل عنه قوله إن كل الخيارات مطروحة على الطاولة للردّ على طهران، تعقيباً على استهداف منشأتَي «أرمكو» النفطيتين منتصف الشهر الماضي. وهو اعتبر سابقاً في حديث إلى إذاعة «دويتشلاند فونك» الألمانية أنه «أيّاً كانت الجهة التي انطلق منها الهجوم، فإن إيران تقف بالتأكيد وراء ذلك، إذ قامت بتصنيعها (الصواريخ) ولا يمكن إطلاقها من دون مساعدة إيرانية». كما حذّر طهران من التمادي في «عدوانها» ضد بلاده، قائلاً إن «الهجوم الأخير يُعتبر هجوماً على الاقتصاد العالمي... يجب على إيران تحمّل المسؤولية وإدراك أنه لا يمكن لها أن تتمادى في عدوانها».